ملفات وتقارير

انتهاكات ومخالفات للقانون تدفع معتقلين مصريين للانتحار والإضراب

أكد حقوقيون أن السلطات المصرية تتجاهل تطبيق القوانين التي قامت هي بتعديلها- إكس
أكد حقوقيون أن السلطات المصرية تتجاهل تطبيق القوانين التي قامت هي بتعديلها- إكس
تواصل السلطات الأمنية والقضائية والسياسية المصرية ارتكاب انتهاكات حقوقية بحق آلاف المعتقلين المصريين، وهو ما تكشف عنه الأخبار المتواترة عن تجديد الحبس الإلكتروني بالمخالفة لتعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" الأخيرة، وبنود "الحبس الاحتياطي" المثير للجدل، ما دفع معتقلين لمحاولة الانتحار أو الإضراب عن الطعام، وإعلان ذويهم فقدان الأمل في إخلاء سبيلهم.

أول تلك الأخبار التي أحدثت جدلا في الشارع السياسي والحقوقي المصري، كان رفض النائب العام المصري، محمد شوقي، الطلب المقدم من المحامي خالد علي، بضم مدة الحبس الاحتياطي السابقة على التصديق على حكم سجن المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح (43 عاما)، لمدة تنفيذ الحكم.

القرار، يعني بحسب المحامي الحقوقي، استمرار حبس عبد الفتاح حتى 3 كانون الثاني/ يناير 2027، بدلا من التوقيت القانوني للإفراج عنه في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.



وفي أول رد فعل لها أعلنت والدة عبد الفتاح، الدكتورة ليلى سويف، أنها منذ 30 أيلول/ سبتمبر 2024، تعتبر علاء مخطوفا ومحتجزا خارج نطاق القانون، مؤكدة دخولها في إضراب كلي عن الطعام، احتجاجا على جريمة السلطات المصرية وتواطؤ السلطات البريطانية مع السلطات المصرية في تلك الجريمة، وفق قولها.



وفي ذات السياق، وفي خبر ثان، جددت محكمة الجنايات المصرية المنعقدة بمجمع محاكم بدر، الأحد الماضي، لمدة 45 يوما، حبس المعتقلة السياسية سيدة الأعمال حسيبة محسوب (56 عاما) شقيقة الوزير المصري سابقا، محمد محسوب، والمعتقلة منذ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وجرى إخلاء سبيلها دون تنفيذ القرار في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2020.

لتقضي بعدها ثلاث سنوات كاملة على ذمة القضية الثانية التي جرى تدويرها فيها وذلك لمدة تجاوزت 20 شهرا عن أقصى مدة قانونية حددها القانون المصري وهي عامان، فيما كان من المقرر أن تنتهي في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وذلك رغم ما تعانيه من "ورم مزمن على الرحم"، و"قصور في عضلة القلب"، و"ارتفاع ضغط الدم"، بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان.

اظهار أخبار متعلقة


 والأحد، أيضا، وفي خبر ثالث، قررت نيابة أمن الدولة استمرار حبس رسام الكاريكاتير والمترجم أشرف عمر، 15 يوما على ذمة التحقيقات، وذلك بحسب ما أعلنه المحامي الحقوقي نبيه الجنادي، فيما كان قد تم اعتقال الصحفي في موقع "المنصة"، بتاريخ 22 تموز/ يوليو الماضي، وذلك على خلفية رسم كاريكاتوري انتقد فيه انقطاع الكهرباء في مصر.

وفي خبر رابع، وفي يوم الأحد، كذلك، وثّقت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" محاولة انتحار المعتقل السياسي أحمد محمد إبراهيم عبد العزيز، (29 عاما)، والمحبوس احتياطيا للعام السابع على التوالي وبالمخالفة لقانون الحبس الاحتياطي.

ورغم حصوله على قرار بإخلاء سبيله من محكمة جنايات الزقازيق 4 حزيران/ يونيو الماضي، لم تتم إجراءات إخلاء سبيله، وجرى إخفائه قسريا وتدويره بقضية جديدة.

وأثناء عرضه أمام نيابة جنوب الزقازيق الكلية، بمحافظة الشرقية، حاول المعتقل إلقاء نفسه من الدور الثامن لكن قوات الأمن تمكنت من منعه، وبدلا من النظر في قضيته جددت النيابة أمر حبسه، وفق تعليق الشبكة الحقوقية.



الخبر الخامس، صدر الاثنين الماضي، معلنا تجديد دائرة الإرهاب بمحكمة الجنايات المصرية، والمنعقدة بسجن بدر، حبس الحسين خيرت الشاطر، نجل المهندس خيرت الشاطر القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وأنس محمد البلتاجي، نجل الدكتور محمد البلتاجي القيادي بالجماعة، لمدة 45 يوما، في قضايا جرى تدويرهما بها منذ العام 2019، ولمدة 5 سنوات في إطار الحبس الاحتياطي.

وفي السياق، يدخل الأربعاء، الناشط السياسي محمد عادل، يومه الـ45 من الإضراب عن الطعام، في إطار مطالبته باحتساب مدة الحبس الاحتياطي من مدة الحكم الصادر ضده.

وفي 2 أيلول/ سبتمبر 2023، صدر الحكم بحبس عادل 4 سنوات، تنتهي في 2 أيلول/ سبتمبر 2027، لكن باحتساب مدة الحبس الاحتياطي التي قضاها 3 سنوات، يكون قد أنهى مدة العقوبة في 26 تموز/ يوليو 2024، بحسب زوجته رفيدة حمدي.



"ضجة التعديلات"
وفي حديثهم لـ"عربي21"، أكد حقوقيون أن تلك الأخبار تكشف عن تجاهل السلطات المصرية لتطبيق القوانين التي قامت هي بتعديلها، وخاصة تعديلات قانون "الإجراءات الجنائية" وما يخص "الحبس الاحتياطي" والتي أحدثت السلطات حولها ضجة إعلامية كبيرة.

ولفت مراقبون إلى أنه إثر تعديلات تلك القوانين، حصلت القاهرة على كامل المعونة العسكرية الأمريكية البالغة 1.3 مليار دولار، دون اقتطاع منها للمرة الأولى منذ العام 2020، وفق إعلان وزارة الخارجية الأمريكية 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، أشاد بما أسماه "الخطوات التي اتخذها المصريون بالفعل، ومنها تقديم مشروع قانون لإصلاح الحبس الاحتياطي وقانون العقوبات".

وفي 21 آب/ أغسطس الماضي، أعلن السيسي، عن استجابته لتوصيات الحوار الوطني الذي أطلقه في نيسان/ أبريل 2022، بشأن تعديلات "الحبس الاحتياطي"، وقرر إحالتها للحكومة، مؤكدا على رغبته الصادقة بتنفيذ أحكام الدستور المصري، و"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أطلقها في أيلول/ سبتمبر 2019.

وأكد السيسي على "أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، وتفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي، والتعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ".

اظهار أخبار متعلقة


المعتقل في 28 أيلول/ سبتمبر 2019، منى سيف، عبر مقطع فيديو تتهم السلطات بمخالفة القانون وبأنها أغلقت كل الآمال أمام المعتقلين وذويهم.

وذهبت إلى القول: "لأي مرحلة يريد النظام أن يصل بنا، عندما نتأكد أن من يُعتقل ويغلق الباب خلفه فإن هذا الباب لن يُفتح مرة ثانية، وأن هذا الأمر ليس له نقطة نهاية، والحجج والمبررات كثيرة".



"عندما يغيب القانون"
وفي تعليقه، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل، لـ"عربي21": "من المؤسف أن نتحدث عن شيء اسمه حكم محكمة، وقد رأينا عمليات التحايل حينما أرادوا عمل تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية".

وأضاف أن "ما يحدث لعلاء عبد الفتاح هي عملية انتقام شخصية، مثل ما يحدث مع الدكتور محمد البلتاجي وعائلته، ومع المهندس خير الشاطر وعائلته، وغيرهم حيث أن العقوبة هنا شخصية طبقا للقانون والدستور المصري وبحسب القانون الجنائي الدولي".

ومضى يوضح بأن "علاء عبد الفتاح، على سبيل المثال، لم يفعل شيئا غير أنه كان صوتا ثوريا معتبرا، وكذلك الأمر لو نظرنا أيضا للمحامي المعتقل أسامة محمد مرسي، نجل الرئيس الراحل، وأيضا أنس البلتاجي، وعائشة ابنة خيرت الشاطر وأزواج بناته، إذ تجدها في النهاية عملية انتقام شخصية تضرب عرض الحائط بأي قانون وعرف".

ولفت مؤسس مركز "ضحايا لحقوق الإنسان"، إلى أنه "على صعيد آخر هناك إبراهيم العرجاني وابنه، وصبري نخنوخ، وغيرهم من المتهمين بجرائم جنائية وتم العفو الرئاسي عنهم".

وقال: "دعنا لا نتحدث هنا عن موضوع قانون تم تغييره، أو حكم صدر أو قرار بإخلاء السبيل، لأنه حتى لو تم إخلاء سبيل علاء عبد الفتاح على سبيل المثال، فيمكن تدويره في قضية أخرى، وليس لبوست المحامي خالد علي بأنه ليس متهما على ذمة قضية أخرى دور في وقف هذا الأمر".

اظهار أخبار متعلقة


وتابع: "رأينا الناشط شريف الروبي والدكتور يحيى حسين عبد الهادي، فقد حصلا على عفو رئاسي، ثم خرجا لفترة ثم تم اعتقالهما مرة أخرى"، خاتما بالقول: "عند غياب القانون لا ضوابط ولا حق ولا حقوق".

ووافق، أبوخليل، في رؤيته، الناشط منير الخطيب، الذي قال عبر موقع "إكس": "فيه ناس مسجونة في مصر، سجنهم بالأمر المباشر وعداء شخصي معهم".

"تنتهك حتى تعديلاتها"
من جانبها، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "السلطات المصرية وبالرغم من اعتمادها استراتيجية تعديل القوانين بهدف تقنين الانتهاكات وهي الاستراتيجية المتبعة منذ سنوات؛ مازالت تنتهك حتى نفس هذه التعديلات".

المديرة التنفيذية لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أكدت لـ"عربي21"، أنها "مازالت تضرب عرض الحائط بأي شكل من أشكال العدالة وحقوق السجناء المحكومين، فضلا عن حقوق المتهمين المحتجزين احتياطيا على ذمة قضايا لسنوات".

وأشارت إلى أنها "مازالت تعتمد سياسة التدوير لسنوات والتي تأكل من أعمار هؤلاء المعتقلين على قضايا تمت محاكمتهم باتهاماتها -بعيدا عن كونها اتهامات بلا أدلة أو قرائن- لتعاد المحاكمة بذات التهم، برغم كونهم رهن الحبس في نفس توقيت الاتهام".

وختمت بالقول: "للأسف ما يحدث وما يستمر من ظلم يدفع ثمنه ضحايا النظام من المعتقلين وأسرهم، فضلا عن المجتمع بأكمله الذي يقع تحت طائلة منظومة عدالة ضائعة تطال الجميع".

"قوانين تجري مخالفتها"
وتحدد (المادة 143) من قانون الإجراءات الجنائية المصري مدة الحبس الاحتياطي بسنتين في حالة الجنايات، ولا يجوز تجاوزهما، فيما تنص (المادة 486) من ذات القانون على أن الإفراج عن المحكوم عليه يتم فور انتهاء محكوميته.

وتشير (المادة 54) من الدستور المصري على أن الحرية الشخصية حق مصون لا يجوز المساس به، كما تقرر أن الاحتجاز أو القبض أو تقييد الحرية لا يتم إلا بأمر قضائي مسبب، وللمدة المحددة قانونا، كما توجب عرض المحتجزين على السلطات المختصة، وعدم احتجازهم دون مسوغ قانوني.

أما (المادة 99) من الدستور المصري فتلزم الدولة بحماية حقوق الإنسان وتضع ضمانات قانونية لأي انتهاك، وتُعاقب المسؤولين عن تلك الانتهاكات.

"الاستماع للشعب"
وفي رؤيته دعا الكاتب الصحفي سيد صابر، "القيادة السياسية بأن تستمع للشعب وتستوعب جروحه وأناته".

وتساءل في حديثه لـ"عربي21": "ماذا لو اصطفت القيادة خلف الشعب وقررت أن تلغي قانون الحبس الاحتياطي، وتفرج عن آلاف المحبوسين احتياطيا، وتضم للمحكومين فترات الحبس الاحتياطي التي تم حبسهم بها مثل علاء عبد الفتاح، وغيره الكثيرون؟".

"منسيون.. وهذا الحل"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد محامي مصري مهتم بملف المعتقلين، إن "الحديث عن ملف الحبس الاحتياطي، فيه كوارث تحدث بحق صغار المعتقلين منذ سنوات، ولا صوت لهم ولا يعرف أحد أسماءهم، ولا توجد منظمات حقوقية تصل إليهم، كما أنهم شخصيا يفضلون عدم الحديث عن أزماتهم حتى لا يطالهم التنكيل داخل السجون".

وأوضح أن "أغلبهم جرى اعتقاله منذ منتصف 2013، وتم الحكم على أكثرهم بعقوبات بين 5 و7 و10 سنوات، وجميعهم قضى مدد العقوبة كاملة، ولكن يجري إخفاؤهم قسريا ثم ظهورهم في النيابات على ذمة قضايا جديدة، ومن ذلك الحين يجري حبسهم احتياطيا، لمدد تتعدى 5 و7 سنوات وأكثر، والنماذج عندي كثيرة ولكن لا أستطيع ذكر أسماء دون إذنهم".

وطالب المحامي المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، السلطات المصرية بـ"تبريد الجبهة الداخلية، في ظل الأزمات الداخلية والخارجية بوقف الاعتقالات الجديدة، وزيادة وتيرة الإفراجات وإخلاءات السبيل، وزيادة معدلات الحرية في الشارع والسماح بعمل الأحزاب السياسية والجمعيات".

كما أنه دعا من أسماهم بـ"القيادات الشعبية والدينية للقيام بدور في تبريد الجبهة الداخلية وإنقاذ آلاف المعتقلين من الموت، وبث الأمل في نفوس آلاف الأسر"، مذكرا بدور "الأزهر وبعض القيادات الدينية والشعبية في عهد مبارك، في حل أزمة الجماعة الإسلامية، فيما عُرف بمراجعات السجون نهاية تسعينيات القرن الماضي".

وفي هذا السياق، دعت الصحفية والناشطة السياسية والمعتقلة السابقة سولافا مجدي، النظام المصري إلى الإفراج عن جميع النساء من المعتقلات السياسيات، قائلة: "خرج أحبابنا من السجون، إعمل حاجة تبرد النار إللي جوانا، إعمل حاجة تشفع لك يوم الدين".

التعليقات (0)