قضايا وآراء

الحرب سجال.. والقتل والتدمير لن يزيلا أثر "الطوفان"

قطب العربي
عملية طوفان الأقصى "كانت صادمة" للاحتلال- جيتي
عملية طوفان الأقصى "كانت صادمة" للاحتلال- جيتي
اغتيال إسرائيل لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، ومعه وقبله عدد من قيادات الحزب، وقبله أيضا عدد من قادة حماس على رأسهم رئيس الحركة إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري، هو جولة في معركة طويلة وممتدة، يكسب العدو فيها جولات، وتكسب المقاومة أيضا جولات، وحتى إذا كانت جولات العدو هي الأكثر نظرا لما يتمتع به من تفوق تسليحي ينهال عليه من كل صوب وحدب، ونظرا لأنه جزء من تحالف دولي واسع، فإن المقاومة -قليلة الإمكانيات والتحالفات- يحسب لها أنها لا تزال صامدة، متماسكة، ومتمسكة بحق شعبها في الحرية والاستقلال.

الاغتيالات لا تحسم معارك، وكثيرا ما نفذت المقاومة الفلسطينية عبر مسيرتها الطويلة اغتيالات لقادة صهاينة داخل الكيان وخارجه، النصر الحقيقي للعدو حين يحقق أهدافه المعلنة، وهي القضاء بشكل تام على المقاومة فلا يُسمع لها صوت، ولا حركة، وإخراس كل صوت يتحدث عن قضية فلسطينية، وعن دولة فلسطينية.

وفي المعركة الأخيرة بالذات، حدد العدو لنفسه في غزة هدفين أساسيين؛ وهما تحرير أسراه أحياء عبر المعارك، والإجهاز التام على حماس وكل فصائل المقاومة، فلا هو حقق الهدف الأول ولا الثاني حتى الآن، ولذلك فإنه هرب إلى الأمام بنقل المعركة إلى حدوده الشمالية مع لبنان، مستحدثا لنفسه هدفا جديدا وهو إعادة مستوطني الجليل الأعلى الذين هربوا من مستوطناتهم إلى الداخل الإسرائيلي عقب طوفان الأقصى،
نحن إذن أمام اختبار إرادات بين نتنياهو الذي تعهد بإعادة المستوطنين، وتحقيق الآمان الكامل لهم، وبين تعهد حزب الله بعدم السماح بذلك، وهذا يعني أننا أمام المزيد من المواجهات على الجبهة اللبنانية خلال الأيام المقبلة رغم الجهود الدولية المتسارعة لوقف الحرب
ويخشون العودة حتى الآن. وحين يتمكن الكيان من توفير الآمان الكامل لهم بما يقنعهم بالعودة الطوعية فإنه يكون قد حقق نصرا جزئيا، لكننا نتذكر هنا أن آخر وعود نصر الله في آخر ظهور له كانت عدم السماح لهؤلاء المستوطنين بالعودة، وهو الوعد الذي يمثل اختبارا جديدا لخليفته في قيادة الحزب..

نحن إذن أمام اختبار إرادات بين نتنياهو الذي تعهد بإعادة المستوطنين، وتحقيق الآمان الكامل لهم، وبين تعهد حزب الله بعدم السماح بذلك، وهذا يعني أننا أمام المزيد من المواجهات على الجبهة اللبنانية خلال الأيام المقبلة رغم الجهود الدولية المتسارعة لوقف الحرب، وعقد هدنة على تلك الجبهة تستثني غزة.

منذ نكبة 1948 التي انتهت بقيام الكيان الصهيوني، شهدت الساحة الفلسطينية العديد من المحطات النضالية التي أبقت على القضية حية، وحالت دون دفنها. نشير هنا إلى سلسلة العمليات الفدائية في الداخل والخارج في السبعينات والثمانينات، والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وما تلاها من إقامة حكم ذاتي منقوص، والثانية عام 2000، وما تلاها من انسحاب إسرائيلي أحادي من غزة عام 2005، ثم مواجهة اجتياحات جيش الاحتلال لغزة أعوام 2008، و2012، و2014، وصولا إلى معركة سيف القدس 2021 والتي شهدت ظهور أسلحة جديدة للمقاومة وصواريخ وصلت إلى تل أبيب، ثم المعركة الحالية؛ طوفان الأقصى.

وعلى مستوى الحروب النظامية المرتبطة بالقضية الأصلية فإننا نتذكر حرب السادس من أكتوبر 1973، والتي كانت هجوما مصريا سوريا مفاجئا ضد العدو في جبهتي سيناء والجولان، وقد تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحرير مساحة معتبرة من أرض سيناء، كما تمكنت القوات السورية من تحرير بعض الأراضي في منطقة القنيطرة. وقد حاول العدو تحويل النصر إلى هزيمة من خلال ثغرة الدفرسوار، إلا أن ما تحقق بالفعل من عبور مصري للقناة، وتحرير بعض الأراضي ظل عنوانا للحقيقة.

وحين احتل جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان في العام1978، ثم عزز ووسع احتلاله في العام 1982، فإن المقاومة اللبنانية تمكنت في العام 2000 من هزيمته وإجباره على الانسحاب، ثم خاضت المقاومة مواجهة أخرى في العام 2006 ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني مجددا، وأجبرته على الانسحاب، وهكذا هي جولات يوم لك ويوم عليك.
صدمة لا يزال المجتمع الإسرائيلي يعاني منها، ولم، ولن يفلح اجتياح غزة، وتدمير معظم مبانيها، وقتل حوالي 50 ألف من أبنائها، في محو عار تلك الليلة، أو إعادة الطمأنينة لسكان مستوطنات غلاف غزة، كما لم ولن تفلح الغارات الإسرائيلية المكثفة، ولا قتل زعيم حزب الله وكبار قادته، وتدمير الضاحية الجنوبية في بيروت في إعادة الطمأنينة لسكان مستوطنات الجليل الأعلى

"طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كانت مفاجئة مثل نظيرتها المصرية قبل خمسين عاما، وكانت صادمة للعدو بدرجة أكبر، لأنها حطمت نظريات أمنية وعسكرية تغنى بها العدو كثيرا. ومبعث الصدمة أن من حطم السور الواقي، وتمكن من اقتحام المستوطنات، ومقر القيادة العسكرية، وأسر ذاك العدد الكبير من العسكريين والمدنيين، هم مجموعة من الشباب ذوي السلاح الخفيف.

هي صدمة لا يزال المجتمع الإسرائيلي يعاني منها، ولم، ولن يفلح اجتياح غزة، وتدمير معظم مبانيها، وقتل حوالي 50 ألف من أبنائها، في محو عار تلك الليلة، أو إعادة الطمأنينة لسكان مستوطنات غلاف غزة، كما لم ولن تفلح الغارات الإسرائيلية المكثفة، ولا قتل زعيم حزب الله وكبار قادته، وتدمير الضاحية الجنوبية في بيروت في إعادة الطمأنينة لسكان مستوطنات الجليل الأعلى. وحتى لو تمكن العدو من فرض اتفاقية استسلام على لبنان الرسمي، وفرض مناطق آمنة أسوة باتفاقية السلام المصرية التي قسمت سيناء إلى مناطق (أ- ب- ج)، فإن المقاومة لن تعترف بها، وستواصل تهديدها لتلك المستوطنات.

تتمتع المقاومة الإسلامية سواء كانت سنية أو شيعية بروح إيمانية عالية، تجعلها قادرة على امتصاص الصدمات، والثبات والصمود في مواجهة أعتى الجيوش بأقل الإمكانيات، وهي تفضل الموت (الشهادة) على الاستسلام، وهي قادرة على إحلال قادة جدد محل الراحلين من قادتها، والأمر نفسه على مستوى الجنود، وهذا ما يجعل مهمة العدو في هزيمتها صعبة إن لم تكن مستحيلة.

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)