تتضارب التصريحات حول حقيقة الاتفاق على
الانسحاب الأمريكي من
العراق، فبعد مارثون سياسي تتخلله قفزات عسكرية، أعلنت حكومة السوداني انتهاء المفاوضات مع واشنطن والاتفاق على آلية لسحب قوات التحالف الدولي، إلا أن البنتاغون نفى تلك الأنباء وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء.
وتتعدى قضية الوجود الأمريكي في العراق، حدود الشرقية والغربية، خصوصا أنها تمثل حلقة ضمن صراع أكبر في المنطقة، قطباه الولايات الأمريكية وإيران وحلفاء الطرفين.
وجاء الحديث عن الاتفاق بعد محادثات استمرت أكثر من ستة أشهر بين بغداد وواشنطن، بدأها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في كانون الثاني/ يناير، وسط هجمات شنتها جماعات مسلحة عراقية مدعومة من إيران على قوات أمريكية متمركزة في قواعد بالعراق.
إظهار أخبار متعلقة
الانسحاب من عدمه
تأكيد حكومي
مطلع الشهر الجاري، نقلت وكالة رويترز، عن مصادر مطلعة أن واشنطن وبغداد توصلتا إلى تفاهم بشأن خطة لانسحاب قوات التحالف، الذي تقوده
الولايات المتحدة من العراق.
وأوضحت المصادر أن الخطة تنص على خروج مئات من قوات التحالف بحلول أيلول/ سبتمبر عام 2025، والبقية بحلول نهاية العام التالي.
وقال مسؤول أمريكي كبير: "توصلنا إلى اتفاق، وحاليا يتعلق الأمر فقط بموعد الإعلان عنه".
وقالت المصادر؛ إن الإعلان الرسمي كان مقررا في البداية أن يصدر قبل أسابيع، لكنه تأجل بسبب التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولتسوية بعض التفاصيل المتبقية.
بدوره قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: "خطونا خطوة مهمة لحسم ملف بقاء قوات التحالف الدولي في العراق، وإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة".
من جانبه، قال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية؛ إن المحادثات الفنية مع واشنطن حول الانسحاب انتهت.
وأضاف: "نحن على وشك نقل العلاقة بين العراق وأعضاء التحالف الدولي إلى مستوى جديد، يركز على العلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية".
يقول الكاتب السياسي العراقي، محمد الأسدي؛ إن إعلان الاتفاق محاولة من السوداني الذي تعصف الأزمات بحكومته لرسم صورة انتصار سياسي، ضمن محاولاته رسم توازن في علاقة العراق مع الولايات المتحدة وإيران.
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن الانسحاب قائم بكل الأحوال وقد تحدث عنه مرارا المسؤولون العراقيون، قابله حديث لنظرائهم الأمريكيين عن رسم أطر جديدة للعلاقة، التي تغضب أطرافا فاعلة في الحكومة.
نفي البنتاغون
تباعا، ظهرت آلية الانسحاب الأمريكي المنتظر، الذي تدفع به جهات شيعية في الحكومة إذ نقلت وسائل إعلام عن خالد اليعقوبي مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الأمن قوله؛ إن انسحاب قوات التحالف الدولي سيكون على مرحلتين، الأولى تمتد من أيلول/ سبتمبر من العام المقبل إلى نهاية عام 2026.
وأضاف، أن اللجان الفنية للبلدين اتفقت على انسحاب القوات من قاعدة عين الأسد (غرب) والعاصمة بغداد في مرحلة أولى.
بيد أن الاتفاق الذي ينتظر التوقيع والإعلان مرهون بالوضع المتأزم في الشرق الأوسط وفقا لليعقوبي، الذي أشار إلى أن جزءا من عملية تأجيل الإعلان عن اتفاق انسحاب قوات التحالف هو التصعيد الذي حدث في المنطقة.
بعد الحديث العراقي بأيام، جاء الرد الأمريكي غريبا، حيث فندت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” مزاعم حكومة السوداني عن جدولة الانسحابمن العراق. مؤكدة أنها تواصل مع العراق مباحثات التعاون الأمني، التي تتضمن دور قواتها في المنطقة.
وقال المتحدث باسم “البنتاغون” الميجر جنرال بات رايدر في لقاء مع الصحفيين، الثلاثاء الماضي؛ إن المباحثات الأمنية بين البلدين مستمرة من خلال مجموعة العمل التابعة للجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية.
وأضاف بأن الوزارة تعتزم مشاركة مزيد من التفاصيل حول الأمر عند انتهاء المباحثات، التي قال إنها تتضمن أيضا “دور القوات الأمريكية في المنطقة”.
وأفاد المتحدث الأمريكي بأن العراق “يؤدي دورا مهما للغاية” في المنطقة، دون مزيد من التفاصيل.
العراق.. ساحة صراع متقدمة
وبالنظر إلى التصريحات المتناقضة، لا يبدو أن الانسحاب قد يتم قريبا، لكنه يسلط الضوء على أزمة حكومات العراق المتعاقبة، وهي بين نقيضين كل طرف يسعى لإفراغ العراق من خصمه.
يرى الأسدي، أن "فكرة الانسحاب الأمريكي ليست جديدة ولا وليدة الساعة، فمنذ سنوات لم يعد العراق أولوية للولايات المتحدة، كما أن اهتمامها بالمنطقة ككل لم يعد بذات المستوى السابق، خصوصا مع فتح جبهات أوسع وأهم، سواء في شرق أوروبا أو بحر الصين الجنوبي".
وأوضح، أن "الولايات المتحدة فشلت بفرض إرادتها في العراق عدة مرات منذ 2003 وحتى الآن، وربما أهمها انتخابات 2010، لكن دخول تنظيم داعش في 2014 أعاد لها بعضا من المساحة في البلاد، ومن ثم عاد الوضع إلى ما كان عليه، وربما أسوأ بالنسبة للإدارة الأمريكية، فمن يحكم الآن هي الأجنحة المسلحة للأحزاب الشيعية، وتلك على عداوة صريحة مع الولايات واشنطن".
وبحسب الأسدي، فإن اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني برفقة رئيس أركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس مطلع 2020، كان اللحظة الحاسمة التي دفعت الأطراف العراقية القريبة من إيران للدفع باتجاه إنهاء الوجود الأمريكي.
واستبعد الأسدي، انسحابا أمريكيا سريعا حتى لو تم الاتفاق فعليا، بسبب التوتر المتصاعد في المنطقة، نتيجة العدوان على غزة، فإفراغ العراق من الأمريكيين لا يصب بمصلحة إسرائيل، التي تحتمي كما هو معلوم بالقوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
خارطة الانتشار
ويوجد حوالي 2500 عسكري أمريكي في العراق في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، كما ينتشر في البلاد مئات العسكريين من دول أخرى، أغلبها أوروبية.
وتعرضت القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من قبل فصائل مسلحة في العراق وسوريا، على خلفية الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأبرم العراق والولايات المتحدة، اتفاقية الإطار الاستراتيجي عام 2008، الذي نظم خروج القوات الأمريكية المحتلة (2003- 2011)، والعلاقات العسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها بين البلدين، في مرحلة ما بعد إنهاء الاحتلال.
في كردستان العراق وفق اتفاقية مع أمريكا، تستخدم القوات الأمريكية "قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك"، وفقا لمصادر عراقية.
وعلى صعيد محافظات الغرب والشمال، فإن القوات الأمريكية اتخذت قاعدة "عين الأسد" في قضاء البغدادي وقاعدة "الحبانية" في الأنبار كقاعدتين عسكريتين، عقب سيطرة تنظيم الدولة على أغلب مدن المحافظة في 2014.
كما تنتشر قرب مطار بغداد وفي قاعدة الرستمية وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين.
إظهار أخبار متعلقة
ليست المرة الأولى
تناقض التصريحات بين بغداد وواشنطن ليس الأول من نوعه، فقد اندلعت موجة تصريحات في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، بعدما أعلن السوداني، أنه لم تعد هناك ضرورة لوجود التحالف الدولي، الذي تشكل لمواجهة تنظيم "داعش"، باعتباره لم يعد يمثل تهديدا للدولة.
وأضاف السوداني أنه "خلال هذا الشهر ستجتمع اللجنة المشتركة مع الجانب الأمريكي، ونؤكد العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة للتعاون الأمني، ومنفتحون في كل المجالات".
سريعا ردت وزارة الخارجية الأمريكية على السوداني قائلة؛ إن انتشار القوات الأمريكية في العراق، أمر متفق عليه مع الحكومة في بغداد، وذلك ردا على تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بأن تنظيم الدولة لم يعد يشكل تهديدا، وأن بلاده لم تعد بحاجة إلى التحالف الدولي.
وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، "أن قوات بلاده، توجد في العراق، بناء على دعوة من الحكومة العراقية للقيام بمهمة تقديم المشورة والمساعدة والتمكين".
وأضاف ميلر، "أن البنتاغون أكد في آب/ أغسطس العام الماضي، عبر بيان مشترك مع العراق على أن الوجود العسكري الأمريكي هناك جاء بناء على دعوة من بغداد، بالإضافة لعزمنا على التشاور بشأن عملية مستقبلية، تشمل التحالف لتحديد كيفية تطوير المهمة العسكرية للتحالف".