"هناك مناطق تمّ بناؤها دون انتظار الدّعم الحكومي، خاصّة ممّن تعلّق الأمر عندهم ببناء جزئي فقط، فيما لا يزال أغلب الناس، في جُل القرى المُتضرّرة تقطن الخيام، وتتكبّد عناء تقلّبات الطقس، من حرارة مُفرطة أو برد قارس". هكذا وصفت ليلى، وهي واحدة من سكّان قرية أمندار، الموجودة بإقليم
الحوز (على مقربة من بؤرة الزلزال) الحالة التي آلت إليها وضعية الساكنة.
وتحلّ اليوم، عند الساعة الحادية عشرة ليلا، الذكرى السّنوية الأولى، لأعنف هزّة أرضية حلّت على
المغرب؛ إذ عشرون ثانية فقط، بتاريخ الـ8 من أيلول/ شتنبر 2023، كانت كافية لتسوية قرى بأكملها بالأرض، وأودت بحياة أزيد من 3000 شخص، فيما خلّفت دمارا لا يزال جزء مهم من ركامه، لم يُراوح مكانه، على الرغم من مرور عام كامل على الحدث. وذلك وسط تسارع أماني الناجين بتعجيل عجلة إعادة الحياة (الإعمار).
وتوصّلت "عربي21" خلال زيارتها لمنطقة أمندار، الموجودة في إقليم تارودانت، بجهة سوس ماسّة في جنوب المغرب، بعدّة شكاوى شفهية، ترتبط جُلها بتأخير أو الحرمان من الاستفادة من الإعانات المالية الاستعجالية، التي أمر بها الملك المغربي، محمد السادس، لفائدة المتضرّرين، وكذا الدعم المخصّص لترميم أو إعادة بناء المساكن المتضررة.
الخيام.. الطقس فاقم المُعاناة
في الوقت الذي كانت تستبشر فيه ساكنة عدّة مدن مغربية، بالتساقطات المطرية والثلجية؛ كانت "عربي21" مُستمرّة في رصد شكاوى الأهالي القابعة في الخيام، من قلب المناطق التي مسّها ما وصف بـ"الخراب" جرّاء الهزّات الأرضية العنيفة؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد من المواقع الإعلامية المحلّية، التي كانت تبثّ أصوات المُتضرّرين، بين الفينة والأخرى، على مدار عام كامل.
كذلك، كانت تصريحات وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، بخصوص توفير الدولة مبلغ 2500 درهم لفائدة الساكنة المتضررة من الزلزال، لغرض البحث عن خيارات أخرى غير العيش داخل الخيام، قد أثارت موجة انتقادات عارمة، أبرزها استفسار تسارع تداوله بين السّاكنة المتضررة: "كيف نبتعد عن أصلنا، وهل المبلغ كاف للاستقرار داخل المدن، ومن سيُفّر لنا القوت اليومي؟".
وفيما قالت المنصوري، من داخل البرلمان؛ إنّ "بقاء بعض من المتضررين من الزلزال داخل الخيام، مسألة اختيارية، خاصة أن الدولة توفر لهم شهريا مبلغ 2500 درهم، وخيارات الكراء موجودة"؛ أبرز عدد من المُتضرّرين، في حديثهم لـ"عربي21"، أن "سومة الكراء في عدد من المدن، بات يتجاوز قيمة الدّعم المادي المُخصص للغرض".
وأشار عدد من المتحدّثين لـ"عربي21"، إلى أنّ جُل قوتهم اليومي المُعتاد، قبل أن يُغيّر الزلزال العنيف روتينهم، كان يعتمد أساسا على الزراعة، بالإضافة إلى جُملة من المعاملات المعيشية البسيطة، مُعظمها غير متوفر في الوسط الحضري.
إعمار يسير ببطء
إزالة الرّكام وتحديد الملكية، ناهيك عن غلاء أسعار مواد البناء الرئيسية.. هذه جُملة من المشاكل، التي تُلاحق جُل ساكنة المناطق المتضررة من زلزال الحوز، ولا تزال تتصدّر المشهد، على الرغم من مرور عام كامل على الفاجعة.
وفي حديثها لـ"عربي21" تقول ليلى: "رُخص البناء لا تزال معطّلة، جرّاء جُملة من الأسباب، أبرزها خلافات بين أعضاء الجماعات القروية أنفسهم"، مردفة: "كذلك هو الأمر بالنسبة للدّعم المالي المخصّص للأهالي، هناك تخبّط واضح في توزيعه، ناهيك عن مشكل أراه مُضاعفا، وهو أن المساحات التي تمّ تقديرها من السلطات المختصّة للبناء، هي أصغر من المُتوقّع".
"مساحة 55 م لمن له هدم جزئي، و70 م لمن له هدم كلّي، هي مساحات غير كافية، بالنسبة لأسر، أقلّ مساحة كانت تسكن فيها هي 120 م؛ قبل أن تحلّ الفاجعة، التي غيّرت ملامح الحياة هنا، وجعلت الاستقرار يتحوّل بين ليلة وضحايا لتفكير لا نهاية له". أوضحت ليلى، وهي تعود بذاكرتها للوراء، وتقول؛ إنه قبل المأساة كانت الأهالي تعيش في مساحات كبرى، حيث كان داخل كل منزل كبير، إسطبل، ومكان لتربية المواشي، وهو ما يشكّل جزءا مهمّا من مصدر عيشهم.
وأكّدت: "هناك من ينتظر، وهناك من قرّر رفع شكاية، غير أن الواقع هو نفسه لكلا الطّرفين، كأنّ النّاس هنا اعتادوا الوضع"، مردفة، أنّ: "الأهالي لا حق لهم في تغيير أو رفض المساحة الأرضية المُقرّرة لهم، إلا بدفع 800 درهم (ما يُناهز 80 دولار) بطريقة أو بأخرى، وهو ما لا يقدر عليه جُل الناس في هذه المناطق المتضرّرة بشكل كبير، وجرّاء كل هذا، فإن إعادة التعمير تتّخد خطوات جد بطيئة".
وبالتزامن مع انطلاق بعض الساكنة في عمليات إعادة البناء، سواء ممّن تمكّنوا من الحصول على الدعم أو ممّن اعتمدوا على مالهم الخاص؛ أكّد عدد من المُتضرّرين، ارتفاعا في أسعار مواد البناء الأساسية في العديد من مناطق إقليم الحوز، أبرزها: الإسمنت والرمال.. على الرّغم من إبرام صفقات بين عدّة مسؤولين محلّيين، مع مقاولين، لجلب مواد البناء وبيعها في مراكز محدّدة بأسعار معقولة، بحسب مصادر لـ"عربي21".
وبحسب عدد من المتحدّثين لـ"عربي21"، فإن ساكنة عدّة مناطق متضرّرة، قد رأت في التوّجه نحو اعتماد مواد البناء العصرية، بما فيها "الخرسانة والقوالب الإسمنتية الجاهزة، عوضا عن الطين والحجر كما كان معمولا في السابق"، هو خيار أنسب، مُبرّرين الأمر بكون "البناء التقليدي جد مكلّف، ويتطلب ميزانية تفوق تلك التي تمنحها الدولة"، وهو ما أثار نقاشا آخر، بين خصوصية المناطق والمساحات المُخصصة لبناء المنازل، وبين القيمة المادية المُخصّصة لإعادة البناء.
ومنذ مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت الحكومة المغربية، التي يرأسها، عزيز أخنوش، قد أمرت بصرف أولى دفعة من المُساعدات المالية للأسر المتضررة من زلزال الحوز والأطلس، مقدارها 2500 درهم (ما يُناهز 250 دولارا). غير أن عدّة أشخاص قابلتهم "عربي21" تقول إن: "الإهمال طالهم".
ودعا رئيس الحكومة المغربية، قبل أشهر، مختلف القطاعات الحكومية، إلى "تسريع تأهيل مُختلف المرافق الحيوية للسّاكنة، خصوصا المدارس والمرافق الصحية"، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ التعليمات الملكية لـ"تحقيق تطلّعات الساكنة المحلية المتضررة من زلزال الحوز، مع الحرص على احترام معايير الهندسة المعمارية، واستخدام مواد بناء ذات جودة؛ التزاما بمعايير السلامة".
هل عاد التّلاميذ لمدارسهم؟
تبقى أحلام الصّغار قبل الكبار، بمُواصلة مسيرة التّعليم، صامدة، حيث شدّوا الرّحال، على طول عام دراسي، نحو الخيّام المُخصّصة للدراسة؛ ورغم ظروفهم المعيشية الصعبة، ناهيك عن إضراب طويل شل القطاع لشهور، واصلوا تحصيلهم واستعدادهم للامتحانات.
من بينهم، تلاميذ البكالوريا، ممّن واجهوا المطر وهو يحوم حولهم في فصل الشتاء، وكذا تكبّدوا عناء الحرارة القاسية في آخر أيام التحصيل الدراسي؛ وفيما كانت السلطات التعليمية بإقليم الحوز تخصّص مبادرات للدعم النفسي لفائدة التلاميذ، وفق ما تناقله تلفاز الإعلام العمومي. فإن أشخاصا متفرّقين، من قلب المناطق المتضررة، أكدوا عدم استفادتهم من المواكبة.
وكان البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة، قال؛ إن "التكلفة التقديرية لإنجاز برنامج تأهيل وإعادة بناء مختلف المؤسسات التعليمية المتضررة، تقدر بحوالي 3.5 مليارات درهم”؛ غير أن الأمر أثار حفيظة الأهالي وعدّة فعاليات محلية، حيث وصفوا الاهتمام الحكومي بالتعليم في مناطق الزلزال بـ"الضعيفة والمقلقة"، في إشارة إلى افتتاح 111 مدرسة فقط على مدار عام كامل، بالضعيف جدا.
إظهار أخبار متعلقة
وبحسب أرقام رسمية، صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فإن عدد المؤسسات التعليمية التي لحقت بها أضرار جرّاء الزلزال، ناهزت 1730 مؤسسة تعليمية، بما فيها الفرعيات المدرسية، منها 258 مؤسسة تستلزم إعادة البناء كليا، و688 مؤسسة تستلزم التأهيل وإعادة البناء جزئيا، و784 مؤسسة تستلزم التأهيل.
أصوات المُتضرّرين علت.. هل من مُستجيب؟
رصدت "عربي21" جُملة مقاطع فيديو، تم تداولها بشكل مُتسارع على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأشهر القليلة الماضية، توثّق لاحتجاجات، المُتضرّرين، في عدد من المناطق المُتفرّقة التي مسّها الزلزال، ممّن أكّدوا عدم تمكينهم من الدعم المالي المُخصّص لهم.
إلى ذلك، خرج عدد من السكّان، المنتمين لعدد من المناطق المُتضرّرة (نواحي مدن: تارودانت وأكادير، وشيشاوة ومراكش وورزازات وأزيلال، جنوب المغرب)، في مسيرات نهارية وأخرى ليلية، استنكروا خلالها ما وصفوه بـ"استثنائهم من الدعم المادّي المخصص"، فيما طالبوا في الوقت ذاته، بضرورة "التدخل الفوري للجهات المختصّة، لإعادة الاعتبار لهم، عقب كارثة زلزال 8 أيلول/ شتنبر الماضي".
مسيرات المُحتجين المُتضرّرين، التي كانت تتزامن مع قرب الذكرى السنوية لأعنف زلزال يمسّ المغرب، وعقب ما يُناهز ثمانية أشهر، من بلاغ لرئاسة الحكومة، أشار إلى أن الاجتماع العاشر للّجنة المكلّفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، أكّدت "استفادة 56.607 أسر إلى غاية متمّ شهر أيار/ ماي الماضي من مبلغ 20.000 درهم كدفعة أولى لإعادة بناء وتأهيل منازلها المتضررة بشكل كلي أو جزئي من الزلزال، وذلك بقيمة مالية تقدر بـ 1.1 مليار درهم، وبنسبة إنجاز تبلغ 95 في المئة".
"تأكيد توصّل 6.927 أسرة بالدفعة الثانية من الدعم لإعادة بناء وتأهيل المنازل المتضررة بقيمة تفوق 122 مليون درهم، واستفادة 872 أسرة من الدفعة الثالثة بقيمة مالية تتجاوز 11 مليون درهم"، بحسب البلاغ ذاته، الذي وصل إلى "عربي21" نسخة منه، آنذاك. وهو ما أتت المسيرات الغاضبة المُتتالية، لتنفي شُموليته.
وفيما كانت اللجنة قد أكّدت "حصول 63.363 أسرة على مبلغ 2.500 درهم المخصصة كدعم شهري إلى متم أيار/ ماي 2024، بقيمة مالية تناهز 1.2 مليار درهم"، تحدّث عدد من الأشخاص لـ"عربي21" عن عدم توصّلهم بالدعم المالي، رغم مرور عام كامل من الحدث الذي هزّ المغرب.
إظهار أخبار متعلقة
كذلك، فيما كانت البلاغات الحكومية تتحدّث عن مواكبة السلطات المُختصّة لـ"إصدار 51.031 ترخيصا لإعادة البناء لفائدة الأسر المتضررة من أصل 53.084 طلبا تم إيداعه، لتبلغ بذلك نسبة الإنجاز في هذا الإطار 86 في المئة"، أكّد عدد من ساكنة دوّار أمندار، الذي زارته “عربي21” بحلول الذكرى السنوية الأولى للفاجعة، عدم حصولهم بعد على الترخيص.
أين وصل تضامن المغاربة؟
“منسوب التضامن بات ضعيفا جدا، حتى مع حلول كل من عيد الأضحى وشهر رمضان المبارك؛ كانت هناك بعض المبادرات لتوزيع الأضاحي أو قفف المؤونة، لكن لم تصل للجميع” هكذا قال أحمد، وهو من ساكنة الخيام، بدوار أمندار.
وأوضح أحمد في حديثه لـ"عربي21" أنّ: "جلّ العائلات هنا، واجهت صعوبات جمّة في تدبير معيشتها، على مدار سنة كاملة؛ وتلك الهبّة الشعبية التي عايشناها في أيام الفاجعة الأولى، سرعان ما خفّت"، مردفا: "قليلة هي القوافل الإنسانية التي باتت تصل إلينا".
إلى ذلك، تقول الساكنة هنا؛ "إن الدعم الحكومي وإجراءات الدولة غير كافية، ونرجو من الشعب المغربي كافة ألا ينسانا، نحن هنا مازلنا نعاني، ولا نزال بحاجة إلى المساندة والمساعدة".