أثار إعلان
البنك المركزي العراقي، عن قرب إنهاء العمل بـ"المنصة الإلكترونية"، التي تتم عبرها عمليات تحويل الدولار الأمريكي للخارج، العديد من التساؤلات عن مدى تمكن العراق من منع تهريب العملة الصعبة، وإيقاف عمليات غسيل الأموال.
وفي مطلع عام 2023، أعلن العراق اعتماد منصة إلكترونية من أجل مراقبة حركة بيع الدولار وعمليات غسيل الأموال، وذلك بعد تحذيرات أطلقها البنك الفيدرالي الأمريكي، إضافة إلى معاقبة وزارة الخزانة الأمريكية العديد من المصارف المحلية لتورطها في أعمال مشبوهة.
توفر البديل
وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي العراقي، مثنى جبار التميمي، إن "البنك المركزي في السابق كان هو الذي يدير الحوالات للمصارف عبر حساب سويفت، وبالتالي فهو يسيطر على الحوالات بملايين الدولارات، لكن هذا الأمر سبب له مشكلات، لأن بعضها اتهم بغسيل أموال وتمويل إرهاب".
وأوضح التميمي لـ"عربي21" أن "البنك المركزي أنشأ بعد ذلك منصة إلكترونية مشتركة بينه وبين شركة تدقيق دولية (كي تو آي) من أجل مراقبة العمليات المصرفية، وعلى ضوء ذلك كانت تخرج الحوالات المالية".
وأشار إلى أن "النظام الطبيعي المعتمد حول العالم، هو أن المصارف المحلية تكون مؤهلة لإجراء حوالاتها بشكل طبيعي مع المصارف الدولية، لذلك فإن قرب إنهاء مهمة المنصة الإلكترونية يأتي بعد تأهيل بنوك محلية بالتعاون مع الجانب الأمريكي".
ولفت التميمي إلى أن "تأهيل المصارف العراقية، حتى تتمكن من أخذ دورها بشكل في عملية الحوالات مع مصارف دولية كبيرة مراسلة مثل (سيتي بنك، جي بي مورغان) وهذه أيضا لديها تدقيق للحفاظ على سمعتها أيضا. بالتالي فقد أصبح النظام العالمي الطبيعي بديلا عن المنصة".
اظهار أخبار متعلقة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، صلاح العبيدي، لـ"عربي21" أنه "رغم أن عمل المنصة الإلكترونية كان هدفه السيطرة على الدولار ومنع حركات غسيل الأموال، فإنه جرى التحايل عليها، مع أنها ساهمت في السيطرة على حركة الدولار، وبالتالي اختلفت القضية عن السابق".
وتابع: "الآن على اعتبار أن الكثير من الشركات التجارية جرى تسجيلها في البنك المركزي وطبقت عليها جملة من آليات العمل بعد تجربة المنصة الإلكترونية، فإنه بالتالي أصبح للبنك إمكانية أكبر من السابق للسيطرة على الدولار، وإعطاء حرية أكبر للتجار والمستثمرين في العمل".
وبحسب بيان للبنك المركزي، الأربعاء، فإن المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بدأت في بداية عام 2023 كمرحلة أولى لإعادة تنظيم التحويلات المالية بما يؤمِّن الرقابة الاستباقية عليها بدلا من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتدقيق الحوالات اليومية.
وأضاف البيان، أن ذلك كان "إجراء استثنائيا إذ لا يتولى الفيدرالي عادة القيام بذلك، وجرى التخطيط للتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، يتوسط ذلك شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة".
وتابع: "خلال سنة 2024 ولغاية الآن تم تحقيق ما نسبته 95 بالمئة من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية إلى آلية البنوك المراسلة مباشرة بينها وبين المصارف العراقية، وذلك يعني أن المتبقي حوالي 5 بالمئة فقط منها داخل المنصة، والذي سينجز تحويله بذات الآلية قبل نهاية هذا العام وحسب الخطة".
اظهار أخبار متعلقة
تداعيات محتملة
وعن انعكاس إلغاء المنصة الإلكترونية على
سعر الصرف في العراق، قال التميمي: "لدينا تخوف من تداعيات التحول من المنصة إلى النظام الطبيعي، وخصوصا في ما يتعلق بسعر صرف الدينار أمام الدولار، والذي من المتوقع أن يحدث إرباكا في السوق".
ورأى التميمي "ضرورة أن يبقى العمل بالمنصة الإلكترونية، بشكل متواز مع عمل المصارف المحلية التي جرى تأهيلها، حتى يحصل انتقال كامل بشكل أسلس في عملية التحويلات المالية، وذلك تجنبا للأزمات والاهتزازات التي تحصل في السوق".
وتوقع الخبير أن "يكون تأخر في حوالات التجار أثناء توقف العمل بالمنصة الإلكترونية، لأن السواد الأعظم من التجار العراقيين، هم من صغار التجار، وبالتالي فإن تعاملهم محدود مع المؤسسات المصرفية، ويكاد ينحصر مع مكاتب الصرافة والسوق السوداء".
وأشار إلى أنه "عند إدخال حوالات التجار إلى المصارف المحلية أثناء عمل المنصة الإلكترونية فإنها لم تتمكن الأخيرة من تلبية كل المتطلبات المصرفية، وبعد إلغاء الأخيرة ستكون الطلبات أكثر لأنها ستضاف إليها الاعتمادات، وهو ما سيسبب إرباكا في السوق".
ويشهد العراق تفاوتا في سعر الصرف، إذ إن المعتمد من البنك المركزي منذ عام 2022، هو 1320 دينارا مقابل الدور الأمريكي الواحد، لكن في السوق السوداء يصل إلى 1500 دينار للدولار.
وعلى الصعيد ذاته، أكد العبيدي أن "تداعيات إلغاء المنصة على الاقتصاد العراقي مستقبلا يبقى السؤال المطروح، فهل سترتفع أسعار الدولار أمام الدينار أم العكس، رغم أن البنك المركزي يعتقد بإمكانية استقرار سعر الصرف".
وأوضح العبيدي أن "البنك المركزي يعتقد أن المرحلة الحالية أصبحت أفضل من السابق، لذلك فإنه ربما يتيح فرصة أكبر تساهم في استقرار الدولار بالشكل الذي يقترب من سعر الصرف الرسمي، لكن لن تتضح الأمور إلا بتطبيقها ورؤية آليات السيطرة على غسيل الأموال والفساد وتهريب العملة".
ونوه إلى أن "هناك دعوات كثيرة في السابق للتعاقد مع شركات عالمية تتولى عملية التدقيق في الحوالات، لكن اليوم هناك جدية أكبر في هذا الصدد. ونحن نفتقر إلى وجود بنوك عالمية في العراق، كونها تمتلك رصانة كبيرة، وبالتالي فإن كل التحويلات التي تتم عن طريقها تكون تحت السيطرة".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت العبيدي إلى أن "الواقع حاليا أفضل بعد تحديد مجموعة مصارف محلية ومعاقبتها أمريكيا لتورطها في تهريب العملة، إضافة إلى الاتفاق مع بنوك دولية وسيطة مثل "جي بي مورغان" وغيره، لأن وجود هذه البنوك سيدعم الاستثمار في العراق ويزيد ثقة المستثمرين".
وخلص إلى أن "العراق منذ مدة يسعى إلى جذب بنوك دولية للعمل في البلاد من أجل تأمين مستقبله الاقتصادي ويكون مصدر ثقة من المستثمرين، لأن هذه البنوك رصينة ولديها حسابات موثوقة، وبالتالي فإن الحكومة تعتمد عليها، وتكون البديل الأمثل للمصارف التي كانت تتلاعب في السوق العراقي".
لكن الخبير الاقتصادي العراقي، صفاء الشمري، أكد خلال مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، أن رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، أكد في تصريح سابق عند تدشين المنصة الإلكترونية أن استيرادات العراق كلها 35 مليون دولار في اليوم الواحد.
وأكد الشمري أن "البنك المركزي الآن يبيع يوميا من 250 إلى 280 مليون دولار يوميا، وبالتالي نحو 220 مليون دولار خارج نطاق الاستيرادات العراقية، فهي تذهب ما بين التهريب وغسيل الأموال".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "العراق رغم وجود المنصة فقد أخفق في تبيان مصير الدولار الذي يزود العراق به البنك الفيدرالي الأمريكي، وبالنتيجة فقد كانت هناك عقوبات أمريكية على المصارف العراقية".
وفي الوقت ذاته، أكدت وسائل إعلام محلية عراقية، الأربعاء، أن البنك المركزي العراقي تعاقد مؤخرا مع شركة استشارية دولية هي "أوليفر وإيمان" لتقديم رؤية واضحة حول كيفية استجابة البنوك العراقية للخطوات التي ترضي الفيدرالي الأمريكي، ومنها دمج مصارف أو إلغاء بعضها.