لم تكن
بنغلاديش بشكل عام، وحركتها
الإسلامية بشكل خاص تشغل بال قادة الحركات الإسلامية في العالم، على الرغم من أصالتها
وعراقتها، بل ودورها السباق في مواجهة علمانية هندية وغربية متطرفة.
ولولا ثورة الشباب التي أطاحت بحكم
الدتاتورية بقيادة الشيخة حسينة مطلع آب/ أغسطس الماضي، لعب فيها أنصار الجماعة الإسلامية في بنغلاديش
دورا بارزا، لما التفت العالم عامة، بل وحتى أبناء الصحوة الإسلامية إلى ما يجري
في بنغلاديش، وإلى البلاء العظيم الذي تعرضت له أجيال الجماعة الإسلامية على مدى أما
يقارب الثمانية عقود تقريبا.
وعندما تيسر لي التواصل مع صحيفة
"عربي21"، لبحث إمكانية تسليط الضوء على مسيرة الحركة الإسلامية
المعاصرة في بنغلاديش، بدأت في نقل جزء من أهم محطات الحركة الإسلامية
البنغلاديشية من خلال التعريف بعدد من رموزها، وأهم الأحداث المرتبطة بهم.
وفي هذه المحطة سأقف عند مسيةرة
الأمير
السابق للجماعة الإسلامية البنغلاديشية الراحل غلام أعظم رحمه الله.
لست أدري فعلا من أي الجوانب أبدأ الحديث عن
الداعية غلام أعظم الأمير السابق للجماعة الإسلامية البنغلاديشية، فهو سياسي وزعيم
وطني وكاتب وخطيب ناضل طوال حياته لتحرير الشعوب الإسلامية في بنغلاديش وباكستان،
من ربقة الأفكار العلمانية الوافدة، والأفكار الوطنية الإقليمية، وإحلال الإسلام
محلها، كنظام شامل للحياة كلها عقيدة وعبادة وخلقا وشريعة ومنهج حياة، فود كان
سباقا في ميادين الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة في بنغلاديش.
مولده ونشأته:
ولد غلام أعظم في محافظة متاخمة لحدود الهند
برمنباريا عام 1922، ونشأ وترعرع وسط عائلة مشهورة بالدين والورع. تلقى التعليم
الابتدائي من المدرسة الابتدائية، وأخذ المبادئ العلمية الإسلامية من جده الشيخ
عبد السبحن. وأكمل دراسته الثانوية، وواصل تعليمه حتى تخرج في كلية العلوم
السياسية من جامعة دكا أكبر الجامعات الحكومية في البلاد، وأكمل الماجستير في نفس
الكلية.
تأثر الأستاذ غلام أعظم بأفكار وكتابات العلامة الباكستاني أبي الأعلى المودودي تأثرا كبيرا، وانفعل بمنظمته الإسلامية الجماعة الإسلامية انفعالا بالغا، وانضم إلى الجماعة الإسلامية كعضو مساعد عام 1954، وتعرض للاعتقال والحبس عام 1955
وتأثر بكتابة العلامة الهندي أشرف علي
التانووي تأثرا كبيرا في ريعان شبابه، وهي فترة زاهية من حياة الإنسان.
حياته المهنية:
اتخذ الأستاذ غلام أعظم التعليم والتدريس
كمهنة في بداية حياته عام 1950، وتعين كأستاذ مشارك في كلية العلوم السياسية في
الجامعة الوطنية بمقاطعة رانغبور، هكذا بدأت حياته المهنية. وفي هذه الفترة كان
مشتغلا بنشاطات جماعة الدعوة والتبليغ في تلك المقاطعة حتى أصبح أميرا لها
بالمقاطعة.
ولم تكن تطيب نفسه ببرامج جماعة الدعوة
والتبليغ بما لم تكن فيها برامج محددة للنشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية،
بل كانت جماعة الدعوة والتبليغ تقوم بالدعوة الإسلامية والنشرة الدينية، وتخلى عن
مسؤوليات هذه الجماعة الدعوية.
قيامه بمسؤولية الجماعة الإسلامية:
تأثر الأستاذ غلام أعظم بأفكار وكتابات
العلامة الباكستاني أبي الأعلى المودودي تأثرا كبيرا، وانفعل بمنظمته الإسلامية
الجماعة الإسلامية انفعالا بالغا، وانضم إلى الجماعة الإسلامية كعضو مساعد عام
1954، وتعرض للاعتقال والحبس عام 1955، فزج به في السجن، وأصبح الأستاذ غلام أعظم
عضوا للجماعة الإسلامية وهو في السجن، وتولى مسؤولية الأمين للجماعة الإسلامية في
مقاطعة راجشاحي عام 1955.
وتولى إمارة الجماعة الإسلامية فيها، وتقلد
منصب مساعد الأمين العام للجماعة الإسلامية في باكستان الشرقية، وأدى مسؤوليته حتى
عام 1962. وانتخب أمير الجماعة الإسلامية في باكستان الشرقية، وأدى هذه الأمانة
الكبيرة حتى عام 1971.
والأستاذ غلام أعظم هو أول من قدم فكرة
حكومة تصريف الأعمال كحكومة مؤقتة من أجل إجراء الانتخابات البرلمانية الوطنية
الحرة والنزيهة في بنغلاديش عام 1980، وأضافت الحكومة البنغلاديشية نص نظام
الحكومة الانتقالية إلى الدستور بناء على اقتراحه السابق. وكان من الزعماء الذين
لعبوا دورا حاسما في تشكيل تحالف الأحزاب الأربعة عام 1999 من أجل الإطاحة بحكومة
رابطة العوام العلمانية المعارضة للإسلام والمسلمين والموالية للهند.
في حرب الانفصال:
ترجع الجذور إلى بداية استقلال باكستان
عندما كانت بنغلاديش الحالية شطرها الشرقي وكانت تسمى باكستان الشرقية. ولا شك أن
الحكومة الباكستانية الفاسدة حرمت الشعب البنغالي من كثير من الحقوق. وصحيح كذلك
أن باكستان الشرقية كانت تحتاج إلى كثير من العناية والحقوق ولكن الأستاذ غلام
أعظم لا يعد تفتت البلاد وتقسم العباد على هذا الأساس من الضروري، وإن هذا لأمر لا
يقره عقل الإنسان. فكان ضد انفصال الشطر الشرقي من البلاد عن الشطر الغربي. وتدخلت
الهند في الأمر، ودخلت على الخط، وأدخلت قواتها إلى باكستان الشرقية، ونشبت حرب
طاحنة بين البلدين، وتطورت إلى حرب داخلية طاحنة، راح ضحيتها للأسف عشرات الآلاف
من البشر. ولم تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن أعلن الشطر الشرقي انفصاله عن باكستان
وتكوين بنغلاديش عام 1971، حتى لم تعترف المملكة العربية السعودية ببنغلاديش حديثة
الولادة كدولة مستقلة إلا بعد أربع سنوات عام 1975.
وكان الأستاذ غلام أعظم يعيش خارج البلاد
بعد تكوين بنغلاديش، بما أن الحكومة سحبت منه الجنسية لموقفه الرافض لفصل بنغلاديش
عن باكستان الكبرى. ودخل البلاد عام 1978 في عهد الرئيس ضياء الرحمن، وبدأ العيش
في الوطن الأم، وتم إعادة جنسيته بأمر من المحكمة العليا البنغلاديشية عام 1994،
وأصبح أمير الجماعة الإسلامية البنغلاديشية عام 1992، واستمر أميرا لها حتى عام
2000.
وقرر أن يتخلى عن إمارة الجماعة الإسلامية
الإسلامية البنغلاديشية في أواخر 2000، وتركها بدوافع صحية بطلب خاص إلى مجلس
الشورى المركزي للجماعة الإسلامية البنغلاديشية، وخلفه الشهيد الشيخ مطيع الرحمن
نظامي، الذي أعدمته حكومة الدكتاتورة الشيخة الحسينة ظلما وعدوانا بتهم لا أساس
لها من الصحة، عام 2016.
زياراته الخارجية:
زار الأستاذ غلام أعظم بلدانا عديدة في
العالم الاسلامي والعالم العربي، وكانت له علاقة وطيدة بالبلدان العربية والإسلامية،
وكان له اتصال محكم وقوي وثابت بأعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة وزعماء
الأحزاب السياسية الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية، فكان يزور تلك
البلدان، ويلتقي بهم، ويناقشهم في قضايا الأمة الإسلامية، ويتبادل معهم وجهات
النظر والآراء، ويشارك في المؤتمرات الدولية.
علاوة على ذلك، كان يزور أمريكا وأوروبا، ويشارك
في فعاليات تنظمها الجاليات المسلمة والجاليات البنغلاديشية، والمنظمات الإسلامية،
ويلتقي بالمغتربين، ويتحدث إليهم، ويتفقد أحوالهم، وأعمالهم.
مؤلفاته:
من أهم مؤلفاته: الوقائع والحوادث في
تاريخ
بنغلاديش عام 1975، ومسألة وجود بنغلاديش المستقلة، وسوء حكم الشيخة حسينة لخمس
سنوات، وحل مسألة الأجير، والأفكار، ودعوة إلى بناء الوطن، والخطة الإسلامية
للنظام التعليمي، وتجديد الحزب السياسي، وقلة الرجال الصالحين، والأقلية والجماعة
الإسلامية، والإسلام والديمقراطية، وإقامة الدين، والإسلام والعلوم، وترجمة القرآن
الكريم بسهولة، ووطننا بنغلاديش، وكما شاهدت طوال حياتي، وتوجيهات للمرأة المسلمة،
والصلاة الحية، وحقيقة البيعة، والعلمانية، والإيمان الراسخ، ومزايا الجماعة
الإسلامية، وسجن المؤمن، والعضو المثالي، ومكانة أئمة المساجد وواجباتهم، والحضارة
الإسلامية والحضارة الغربية، والإسلام في جو معاصر، وحقيقة خلق آدم، وتيسير فهم
القرآن الكريم، والإيمان الراسخ والعلم الصحيح والعمل الصالح، وجند الله، وإن
الحكم إلا لله، والمواد الابتدائية لنشطاء الحركة الإسلامية، ودور الشيخ المودودي
في تجديد الدين وإحيائه، والشيخ المودودي كما عرفته، والنفس والروح والقلب،
ومسؤوليات النبيين والمرسلين من الله، ونظام إقامة الخلافة، وبنغلاديش والجماعة
الإسلامية، والقانون الإسلامي وحكم الصالحين وما إلى ذلك.
وترجم كتابان له إلى اللغة العربية، وهما
دور الشيخ المودودي في تجديد الدين وإحيائه، والشيخ المودودي كما عرفته، وقام
بتعريبهما عميد كلية اللغة العربية وآدابها لجامعة الشيخ محمد الحسن الددو
الإسلامية ببنغلاديش الشيخ أحمد شوقي عفيفي.
تعرضه للاعتقال والحبس والسجن:
تعرض الأستاذ غلام أعظم للحبس والسجن أثناء
حركة اللغة الأم عام 1952 لأول مرة، واعتقل هو والشيخ أبو الأعلى المودودي، ورفاقه
في لاهور الباكستانية عام 1964، وزج بهم كلهم في السجن، وأودعتهم الشرطة سجن لاهور
المركزي. واعتقلته الحكومة عام 1992، وتم إطلاق سراحه عام 1994. واعتقلته حكومة
الشيخة حسينة عام 2011 بتهم لا أساس لها من الصحة، وزج به في السجن، وقد اعتقل
كبار من زعماء الجماعة الإسلامية البنغلاديشية، وعديد من رموز الدعوة والحركة
الإسلامية المعاصرة في ذلك الوقت من الأمير السابق للجماعة مطيع الرحمن نظامي ونائب
الأمير الشيخ عبد السبحن، والأمين العام السابق لها السيد علي أحسن محمد مجاهد،
والأمين العام المساعد عبد القدير ملا وغيرهم، وهم قيادات إسلامية عالية المستوى.
وأسست حكومة الشيخة حسينة الغاشمة محكمة
الجرائم الدولية الهزلية من أجل محاكمة مرتكبي الجرائم أثناء حرب التحرير عام
1971، وإن هؤلاء الدعاة والسادة رجال أبرياء مما ألصقت بهم الحكومة آنذاك من التهم. وقد تعرض الأستاذ غلام أعظم للقضايا
الملفقة والمفبركة، ومثل أمام محكمة الجرائم الدولية الهزلية، وهو رجل بريء.
واتهمت محكمة الجرائم الدولية الهزلية الأستاذ غلام
أعظم بالتآمر والتخطيط والتحريض والتواطؤ في ارتكاب الإبادة الجماعية خلال حرب
الاستقلال عام 1971، وأصدرت بحقه حكما بالسجن تسعين عاما.
دعا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حكومة
بنغلاديش إلى إطلاق سراح العالم الشيخ غلام أعظم، وإلى أن تتقي الله سبحانه وتعالى
في شعبها وفي دينها.
وفي إحدى خطب الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب
بالدوحة، اعتبر الشيخ القرضاوي رحمه الله اعتقال أعظم وسجنه ظلما ومنافاة للحق،
مستنكرا معاملة أحد أفضل الشخصيات البنغالية بأسلوب غير كريم، مشيرا إلى كبر سنه
ومرضه.
وفاته:
توفي الأستاذ غلام أعظم عام 2014 ف داخل
السجن عن عمر يناهز ثلاثة وتسعين عاما، ويعد من أبرز الزعماء السياسيين
الإسلاميين، الذي تصدوا لتيار علمنة بنغلاديش بقيادة الشيخة حسينة واجد. وأقيمت
صلاة جنازته في ميدان المسجد الوطني في وسط دكا عاصمة بنغلاديش، أحد أكبر المساجد
والجوامع في العالم، وأدى عشرات الآلاف صلاة الجنازة على جثمان الأستاذ غلام أعظم،
وشارك الناس في مراسم تشييعه بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والاعتقادات
الدينية. ووري الثرى في مقبرة أسرته بالمقربة من المقر المركزي للجماعة الإسلامية
البنغلاديشية وسط دكا.