يخيم الخوف على الساحة السياسية الليبية من إمكانية
عودة الحرب مع تزايد الخلافات السياسية بين مكونات المشهد السياسي الليبي، ليس فقط
بين الشرق والغرب، وإنما بين مكونات المشهد السياسي في الغرب نفسه.
وفي الآن ذاته، بدأت الدعوة لإعلاء صوت
الحكمة والعقل تعلو في الساحة السياسية الليبية من خلال جهود
مصالحة وطنية يقودها
مفكرون وسياسيون وزعماء قبليون.
بدأ الخلاف في المجلس الرئاسي، حين أعلن
خالد المشري مطلع آب / أغسطس الجاري فوزه بانتخابات الرئاسة في مواجهة منافسه محمد
تكالة، الذي رفض الاعتراف بذلك ولجأ إلى القضاء لإنصافه.. ثم تطور في طبرق حين
أقدم البرلمان على سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة
المعترف بها دوليا وإعادة صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة لرئيس المجلس
عقيلة صالح.
وفي خطوة تصعيدية استقبل رئيس الوزراء
المصري مصطفى مدبولي أسامة حماد رئيس حكومة الشرق الليبي، وضم اللقاء بلقاسم حفتر
مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار
ليبيا، وحاتم العريبي، رئيس لجنة الإعمار
والاستقرار، بالحكومة الليبية بالشرق، وهو ما اعترضت عليه حكومة الدبيبة وأصدرت بيانا
شديد اللهجة اعتبرت فيه الخطوة غير مقبولة، بل وشاعت أنباء عن أن حكومة الوحدة طلبت من
ديبلوماسيين مصريين في طرابلس مغادرة البلاد.
ولم يقف أمر الخلاف عند هذا الحد، بل امتد
أيضا إلى المصرف المركزي، بإقدام حكومة الوحدة الوطنية على قرار تغيير محافظ المصرف
الصديق الكبير على خلفية رفضها لميزانية أقرها المحافظ ساوى فيها بين حكومتي
الوحدة الوطنية في الغرب وحكومة حماد في الشرق الليبي..
وفي خطوة لافتة أقدم قائد الجيش الليبي في
الشرق الجنرال خليفة حفتر على توجيه قواته إلى جنوب غرب ليبيا في خطوة كانت تسعى
للسيطرة على مدينة غدامس والمعبر البري بين ليبيا والجزائر، وهي خطوة رفضتها حكومة
الوحدة الوطنية، وكذلك الجزائر التي التقى وزير خارجيتها أحمد عطاف بسفير ليبيا في
الجزائر للاطلاع على هذه التطورات..
وترفض حكومة الوحدة الوطنية قرارات البرلمان
في شرق ليبيا وتعتقد أنها تستمد شرعيتها من اتفاقية جينيف الموقعة في العام 2021، وأن مهمتها
ستنتهي بالوصول إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، وهو ما لم يتم التوصل إليه إلى حد
الآن بسبب عدم التوافق على الآليات القانونية والدستورية المؤدية لذلك.
وبعد مواجهات عسكرية في مدينة تاجوراء غرب
ليبيا، جرت بين مكونات عسكرية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، تمكن وسطاء من إخماد
بوادر حرب كانت في الاتجاه للتوسع مع سقوط عدد من القتلى والجرحى فيها، لكن الساحة
السياسية لا تزال محتقنة، بسبب عدم التوصل إلى حلول وسطى تحفظ مصالح الأطراف الليبية
المختلفة.
في ظل هذه الظروف المحتقنة سياسيا وعسكريا، دعا
الدكتور علي محمد الصلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والكاتب
والباحث الليبي في شؤون الفكر الإسلامي، الأطراف السياسية والقبائلية والعسكرية
في ليبيا إلى ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار والتوافق على القواسم المشتركة، التي
تعلي القيم الوطنية والسلم الأهلي.
وأكد الصلابي في حديث خاص مع "عربي21"، أن
اتصالاته التي أجراها مع عدد من القيادات السياسية الفاعلة في مختلف الجهات
الليبية توضح أن الخلافات القائمة ليست مستعصية عن الحلول، وأن إمكانية التوافق حولها
ممكنة، فقط إذا تمكن الفرقاء من الجلوس إلى بعضهم، والإنصات إلى بعضهم البعض بعيدا
عن الخلافات الشخصية الضيقة.
وقال الصلابي: "لا أعتقد أن العودة إلى
الحرب من جديد تمثل الخيار الأنسب لجميع الأطراف الليبية، لا سيما بعد أن تبين
للجميع أن مختلف القضايا الخلافية يمكن حلها من خلال الحوار.. كما أن المسؤوليات
السياسية بما فيها المناصب العليا يمكن التداول عليها سلميا من دون حاجة إلى
الاحتراب وإزهاق الأرواح".
وأضاف: "لا بديل عن مصالحة سياسية بين
الأقطاب المتشاكسة يقودها عقل وطني سياسي استراتيجي له قدرة على إقناع الرأي العام
الوطني والدولي بعيدا عن الضغوطات الساعية لتقسيم ليبيا، والليبيون قادرون على ذلك".
وتابع: "من خلال تواصلي مع جهات متعددة
في ليبيا وجدت أن الجميع يشعر بالخطر على مستقبل الأجيال القادمة، وقد حان الوقت
لحوار جدي بين الأقطاب الفعالة بعيدا عن الأضواء، حوار يعلي القيم الوطنية ويحرص على وحدة ليبيا
وهويتها وحضارتها وانتمائها الطبيعي للأمتين العربية الإسلامية وامتدادها الأفريقي
وموقعها على البحر الأبيض المتوسط، وهذه كلها عوامل مساعدة لصياغة المشروع الوطني الذي يلتقي حوله الجميع"، على حد تعبيره.
وكانت مصادر ليبية تحدثت لـ
"عربي21" وطلبت
الاحتفاظ باسمها، قد أعربت عن خشيتها من أن أطرافا إقليمية كثفت جهودها في المنطقة
الغربية من ليبيا عبر وكلائها المحليين الطامحين في الوصول إلى السلطة، وخصوصا في
طرابلس ومصراتة والزاوية..
وأشارت إلى أن الاشتباكات التي شهدتها
تاجوراء ظهيرة الجمعة 9 أغسطس الجاري ونشر شائعات عن تحركٍ لحفتر صوب غدامس قريبا
من الحدود الليبية الجزائرية، كانت عنوان هذا التحرك.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد
أعربت من جهتها عن قلقها البالغ إزاء التقارير التي تفيد بحشد القوات في العاصمة
طرابلس، بما في ذلك التهديد باستخدام القوة لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا
المركزي. ودعت البعثة بشكل فوري إلى التهدئة وخفض التوتر وضبط النفس، وأكدت أنه لا
مناص عن الحوار كحل وحيد لجميع القضايا الخلافية.
وأكدت البعثة أنها تجري اتصالات مكثفة مع
كافة الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق سلمي لحل الأزمة بشأن المصرف المركزي.
وشددت البعثة على أن استعراض القوة العسكرية والمواجهات المسلحة
في الأحياء المأهولة بالسكان أمر غير مقبول ويهدد حياة وأمن وسكينة المدنيين. واعتبرت
أن هذه التحركات لا يمكن أن تُنتج حلاً مقبولا أو عمليا للأزمة الحالية أو للجمود
السياسي الذي طال أمده، بل ترى فيها سببا إضافيا يفاقم الأزمة ويقلل من فرص التوصل
إلى حل سياسي.
وأمس شاركت نائبة الممثل الخاص للأمين العام
للشؤون السياسية، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السيدة
ستيفاني خوري، في اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 الذي عُقد في المقر
الدائم للجنة في مدينة سرت.
وقالت نائبة الممثل الخاص على حسابها على
منصة "إكس": إن الاجتماع ناقش
"التطورات والتحديات في ليبيا، ولا سيما على الصعيد الأمني"، مضيفة أنها
شددت "على الدور الحاسم الذي تضطلع به اللجنة في دعم اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضافت السيدة خوري أن الاجتماع تطرق كذلك
"لسبل مواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك إخراج المقاتلين
الأجانب والمرتزقة". واعتبرت أن "السلام والاستقرار أصبحا، أكثر من أي
وقت مضى، أمرا حيويا للمواطنين الليبيين الذين يتوقون إلى إيجاد حل سياسي
مستدام".
وتتصارع في ليبيا حكومتان على السلطة، الأولى حكومة الوحدة التي تشكلت
بموجب اتفاق جنيف والمعترف بها أمميا برئاسة الدبيبة ومقرها طرابلس وتدير منها غرب
البلاد، والثانية حكومة أسامة حماد التي كلفها مجلس النواب ومقرها مدينة بنغازي
وتدير شرق البلاد ومدنا بالجنوب الذي تسيطر عليه قوات المشير خليفة حفتر.
إقرأ أيضا: قتلى وجرحى في اشتباكات بين كتائب مسلحة شرق ليبيا