ملفات وتقارير

مسلمو وعرب أمريكا حائرون بين مطرقة بايدن وسندان هاريس

يمثل المسلمون 1.1 بالمئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة ما يجعلهم ثالث أكبر دين في البلاد- جيتي
يمثل المسلمون 1.1 بالمئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة ما يجعلهم ثالث أكبر دين في البلاد- جيتي
في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 صوت نحو 71 بالمئة من الناخبين المسلمين المسجلين في الولايات المتحدة بأصواتهم خلال الانتخابات التي جرت بين الرئيس الحالي جو بايدن، وبين الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الجمهوري الحالي دونالد ترامب في عام 2020.

ووفقا للإحصاء الذي أجرته مجموعة "Emgage"، وهي جماعة مدنية أميركية مسلمة، فإن ما يقرب من 1.1 مليون ناخب مسلم شاركوا بأصواتهم وساهموا بشكل لافت في فوز بايدن وخسارة ترامب.

لكن هذا الدعم السابق للحزب الديمقراطي تلاشى بعد موافقه الداعمة للاحتلال الإسرائيلي٬ فالجالية العربية الإسلامية متذبذبة في اختيار المرشح الأفضل في الانتخابات التي ستجرى في 5 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بين نائبة الرئيس الأمريكي ومرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس٬ وبين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.

ففي الانتخابات التي جرت بين "بايدن – ترامب" رجح المجتمع العربي والإسلامي كفة الأول والذي وعد بالعمل على وقف العنصرية التي كان يمارسها الأخير بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط٬ لكن حرب غرة دفعت المجتمع العربي إلى إقامة حملات ضد الحزب الديمقراطي.

ووفقا لإحصاءات في أمريكا فتذهب أصوات ثلثي الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين للحزب الديمقراطي، إلا أن الحزب الجمهوري يأمل في جذب المزيد من أصواتهم، خاصة في بعض الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا، وبحسب استطلاع المعهد العربي الأميركي، فإن 79 بالمئة من الأمريكيين العرب لديهم وجهة نظر سلبية تجاه بايدن نتيجة سياسته ودعمه للاحتلال الإسرائيلي في إبادته الجماعية على غزة.

فلمن سيعطي العرب والمسلمين أصواتهم؟ وما مدى انتشارهم وتأثيرهم في المجتمع الأمريكي؟

قوة تصويته.. 3.85 مليون
لا يجمع مكتب الإحصاء الأمريكي الحكومي معلومات عن الدين، لكن التقديرات التي قام بها مركز الأبحاث بيو في واشنطن٬ تشير إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة بلغ حوالي 3.85 مليون في عام 2020، أي ما يعادل 1.1 بالمئة من إجمالي السكان٬ ما يجعل الإسلام ثالث أكبر دين في البلاد.


ويتشكل هذا العدد من عرقيات مختلفة فنحو 30 بالمئة منهم أفارقة، أما العرب فيبلغون 25 بالمئة، فيما تبلغ النسبة التي يشكلها مسلمو تركيا، والبلقان، وآسيا الوسطى 15 بالمئة، بينما يشكل المسلمون المنحدرون من شبه القارة الهندية، باكستان والهند وبنغلاديش باقي النسبة.

ومع أن المسلمون منتشرون في كافة الولايات الأمريكية جغرافيًا، إلا أن ولايتي نيوجيرسي، وميشيغان، هم أكثر ولايتين من حيث كثافة المسلمين.

اظهار أخبار متعلقة


ووفقا لبيو فمن المتوقع أن يصبح المسلمون ثاني أكبر مجموعة دينية في الولايات المتحدة بعد المسيحيين بحلول عام 2040.

ترامب يعاديهم ويريد أصواتهم!
لا يكف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن تصريحاته المسيئة والمعادية للإسلام والمسلمين٬ ولكنه مع ذلك يسعى لكسب أصواتهم في الانتخابات المقبلة.


كما أعلن صراحة عن دعمه المطلق لكل ما يقوم الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية ضد قطاع غزة٬ مؤكدا أنه لو كان موجود في السلطة لما حدث ما حدث في السابع من أكتوبر٬ منتقدا مرشحة الحزب الديمقراطي والتي وصفها بالمعادية للسامية بعد تصريحاتها بوقف الحرب.

ولكن في هذه الانتخابات يسعى ترامب لنيل دعم المسلمين عن طريق صهره الملياردير اللبناني الأصل مسعد بولس والذي عينه "منسقا عاما للعرب الأمريكيين" في حملته، وذلك بمحاولة استقطاب أصوات الناخبين العرب والمسلمين الذين يبلغ عددهم نحو 3.5 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، أي حوالي 1 بالمئة من إجمالي الناخبين.

ويعمل بولس على جذب وإغراء الناخبين الأمريكيين من العرب والمسلمين للتصويت لترامب٬ مع العلم أن الأخير هو الذي فرض في 2017 عقب انتخابه رئيسا للبلاد، مرسوما رئاسيا يمنع مواطني عدد من الدول العربية والإسلامية، وهي "إيران - العراق - ليبيا - الصومال - السودان - سوريا – اليمن" من السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

يعول على صهره العربي
في 21 أيار/ مايو الماضي وبمساعدة مالية من بولس قررت جمعية العرب المساندين لترامب فتح مكتب لها في ولاية ميشيغان التي يبلغ عدد الناخبين العرب الأمريكيين فيها حوالي 310 آلاف، والتي خسر فيها ترامب عام 2020، إذ صوتت لصالح بايدن الذي تفوق عليه بفارق 154 ألف صوت في هذه الولاية.

ويسعى الجمهوريون إلى جعل العرب الأمريكيين يصوتون لهم من جديد. فبحسب خبراء فإن العرب كانوا يصوتون لصالح المرشح الجمهوري حتى عام 2000، وسبب ذلك سياستهم المحافظة والتي تتوافق إلى حد ما مع المجتمع العربي والمسلم.

ولكن بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، واحتلال أمريكا للعراق وأفغانستان وزيادة معدلات الإسلاموفوبيا داخل المجتمع الأمريكي٬ مما أدى إلى تغير توجه الناخب العربي نحو الحزب الديمقراطي.

تأجيج الإسلاموفوبيا
وحتى بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر٬ لا تزال ظاهرة الإسلاموفوبيا تؤثر على المسلمين والعرب في الولايات المتحدة.


 وفقًا لدراسة أجراها مركز بيو٬ فإن ما يقرب من نصف البالغين المسلمين الأمريكيين تعرضوا شخصيًا لشكل من أشكال التمييز خلال الفترة التي اقترح فيها المرشح الرئاسي آنذاك دونالد ترامب حظر دخول المهاجرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة.

 ووجد الباحثون أيضًا أن المسلمين، مقارنةً بجميع الجماعات الدينية الأخرى، يواجهون النظرة الأكثر سلبية من قبل الشعب الأمريكي.

المسلمون للديمقراطيين: لا نريد خطابات ناعمة
وعلى الجانب الأخر أكدت العديد من المنظمات العربية والإسلامية رفضها التصويت للحزب الديمقراطي نتيجة سياسته الداعمة للاحتلال رغم تصريحاته القليلة والخجولة التي يرفض فيها بعض ممارساته.

فقد قال نائب المدير الوطني لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، إدوارد أحمد ميتشل، إنه "يجب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وقف شحن الأسلحة التي تدعم التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في غزة".


وأضاف نائب مدير أكبر منظمة للحقوق المدنية الإسلامية في الولايات المتحدة في بيان صحفي أنه "في كل يوم تقدم فيه إدارة بايدن الدعم المالي والدبلوماسي والعسكري للإبادة الجماعية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية في غزة، يجد مجرم الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشجاعة لارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان".

اظهار أخبار متعلقة


وطالب إدارة بايدن الخروج عن صمتها، مضيفا: "نحن بحاجة إلى أفعال، وليس خطابات ناعمة". وقال: "على إدارة بايدن وقف شحنات الأسلحة التي تدعم عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في غزة".

تخلى عن بايدن
وقبل انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية القادمة أطلق مسلمون في عدة ولايات أمريكية حملة مناهضة للرئيس الأمريكي بسبب مواقفه الداعمة للاحتلال وعدم توقيف تصدير الأسلحة له.


وقام عدد من المسلمين بإطلاق حملة "تخلى عن بايدن" والتي دعت لعدم التصويت للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة٬ وبعد ترشيح هاريس أكد أعضاء الحملة على حسابهم على منصة "إكس" مواصلة العمل ضد نائبة الرئيس.

وقررت المجموعة التي تتخذ من ولاية ميشيغان مقرا لها عدم التصويت للديمقراطيين في ولايات مينيسوتا وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا، وجورجيا، ونيفادا، وبنسلفانيا. وتهدف الحملة بحسب المنظمين لها لسحب الدعم من الحزب الديمقراطي بسبب "الإحجام عن حماية الأبرياء في فلسطين".

وأشارت جيلاني حسين أحد منظمي الحملة٬ إلى أنّهم يعون أن الحملة قد تؤدي لانتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب ذو "النهج العنصري" قائلاً: "نعلم أن قرارنا سيتسبب لنا بـ 4 سنوات صعبة. إلا أنها ستمنحنا أن نستجمع قوانا من جديد وستمنح الوقت للديمقراطيين في التفكير إن كانوا بحاجة لأصواتنا أم لا".

وأوضحت حسين أنّ تصويت قسم صغير من المسلمين والعرب لصالح الكتلة المقابلة لبايدن ستصعب أمور الديمقراطيين في عدة ولايات.

زيادة العداء ضد المسلمين
ويأتي ذلك بعد أن أظهر استطلاع سابق للرأي أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" بعنوان "استطلاع آراء الناخبين المسلمين في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020"، رضا الناخبين المسلمين عن فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية في ذلك الوقت.

وكشفت نتائج الاستطلاع أن المسلمين الأمريكيين قدموا دعمًا واسعًا لبايدن، فقد صوت أكثر من مليون ناخب مسلم في الانتخابات الرئاسية، وحصل بايدن على 69 بالمئة من أصوات الجاليات المسلمة، فيما حصل ترامب على 17 بالمئة من تلك الأصوات.

لكن هذا الدعم لم يطول٬ فقد أعلنت "كير"، زيادة الشكاوى المتعلقة بمعاداة المسلمين لا سيما الفلسطينيين، في الولايات المتحدة، إلى 178 بالمئة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأفاد المجلس أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، تلقى 3 آلاف و578 شكوى متعلقة بحوادث العداء للمسلمين لا سيما الفلسطينيين، والوقائع المرتبطة بالإسلاموفوبيا، وهو ما يعني زيادة بنسبة 178 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2022.

ودعا مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، إدارة بايدن إلى التراجع عن خطتها لمنح الحكومة الإسرائيلية المرتكبة للإبادة الجماعية 3.5 مليار دولار لإنفاقها على الأسلحة الأمريكية وإجبار مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار الذي يواصل محاولة تخريبه.


لم نحدد موقفنا بعد
طرحت "عربي21" هذه الأسئلة والتناقضات لدى المجتمع العربي والمسلم على البروفيسور في جامعة سيتون هيل بولاية بنسلفانيا٬ عبد الموجود الدرديري٬ الذي قال: "ما زال هناك حوار داخلي لم ينته من أجل تحديد موقف موحد في الانتخابات القادمة٬ وهذا الحوار ليس على صعيد المؤسسات فقط، ولكن حتى داخل البيوت العربية والمسلمة".

وأكد أن هذا الحوار "ليس فقط في الولايات السبعة المتأرجحة، ولكن في وولايات أخرى تشهد كثافة للعرب والمسلمين مثل نيوجيرسي نيويورك"٬ وأضاف أن هذا الحوار يشهد تطورا "فعندما كان بايدن مرشحا كانت هناك قوة دافعة لرفضه حتى إن حركة "التخلي عن بايدن" التي شاركت فيها عندما تحركت في السبع ولايات٬ أكدت ذلك في جميع مؤتمراتها التي شاركت فيها مثل مؤتمرهم الأول في ميشيغان، وأيضل الثاني في شيكاغو".

وقال إن موقف الحركة كان واضحا "أنهم ضد بايدن حتى وإن كان هذا الموقف سيأتي بترامب٬ لأن قناعة الحركة هي أن جرائم الإبادة التي تحدث في غزة لابد أن يعاقب عليها الحزب الديمقراطي تأتي بمن يأتي".

مرشح ثالث
وتابع الدرديري: "أن نظرية "أخف الضررين" هي النظرية التي كانت موجودة في الانتخابات السابقة أثناء وجود بايدن٬ لأن الجميع يقول الآن ليس هناك أسوأ من الإبادة٬ وليس بالضرورة أن الذين لم يصوتوا لبايدن سيصوتون لترامب، فقد بدء البحث عن طريق ثالث٬ فتم التواصل مع كل المرشحين الآخرين مثل مع جيل ستاين وكورنيل وست".

وأكد أنه حضر عدة لقاءات مع عدد من المرشحين الذين يمثلون الطريق الثالث٬ وقال: "اعتقد أنه حتى الان لا أظن أنهم سيمثلون خطرا على الحزبين الكبيرين٬ لكن استراتيجيا ربما يكون لهم دور في المستقبل إذا ما توافق حولهم".

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف: "ولكن ما أربك المشهد هو ظهور كمالا هاريس وخروج بايدن من السباق٬ فعاد السؤال حول قاعدة "أخف الضررين".

"أخف الضررين"
ويرى الأستاذ الجامعي أن الحل الآني هو: "أن على الحزب الديمقراطي أن يأخذ خطوة إيجابية في التواصل مع الجالية العربية والمسلمة خاصة المنظمات الكبرى، وأظن لو تم عقد حوار معهم أعتقد أنه من الممكن أن يصلوا إلى اتفاق وخاصة أن بعض مواقف هاريس تتحدث فيها عن وقف إطلاق النار٬ والاهتمام بالفلسطينيين إنسانيا".

وحول سؤال هل تستطيع الجالية المسلمة أن تؤثر قال: "لو استطاع الصوت العربي والمسلم الانضمام للمؤسسات السياسية وأصبح له ثقل انتخابي ومالي٬ قد يغير المعادلة خاصة أن قدر الوجود الصوت العربي والمسلم في الولايات المتأرجحة".

وختم حديثه قائلا: "بالأمس كنت في مؤتمر نناقش هذه القضية٬ ونسأل ما المخرج؟ وأي الطرق أقل ضررا؟ فالولايات المتحدة تمر بمرحلة تاريخية حرجة. وأظن أن أمريكا يوجد بها مرشحين كثيرين أفضل من الموجودين الآن في الساحة٬ لكن هذا هو الواقع".
التعليقات (0)