تعرضتا للظلم والتجني من الغرب الموحش والمتوحش، لكنهما انتصرتا بالإرادة والتصميم على معسكر المحبطين والكارهين، ووضعتا اسم بلاد ثعالب الصحراء على خارطة المنافسات الأولمبية العالمية التي ينتظرها العالم كل أربع سنوات.
كلتاهما ذهبيتان حصلتا على الميدالية الذهبية بعد ظلم واضح لحق بهما.
الملاكمة إيمان خليف التي ولدت بولاية الأغواط بالجزائر عام 1999، لعبت كرة القدم في الأصل قبل أن تتحول إلى الملاكمة. وفي سنواتها الأولى، كان عليها أن تتنقل إلى قرية مجاورة لحضور الدورات التدريبية، وكانت تبيع الخردة المعدنية لتجمع أجرة الحافلة.
شاركت في بطولات عديدة في الملاكمة ضمن وزن 66 كلغم ضمن منافسات رياضية كانت سابقا حكرا على الرجال.
أثارت جدلا كبيرا حول أهلية مشاركتها في أولمبياد باريس 2024، واشتد هذا الجدل بعد فوزها على الإيطالية أنجيلا كاريني التي انسحبت من النزال بعد مرور 46 ثانية فقط، وذلك بسبب قوة لكمات خليف التي جعلت أنف كاريني ينزف.
وكانت عرضة لحملة إعلامية استهدفتها عبر التشكيك في "هويتها الجنسية"، واتهامها بأنها "رجل"، حملة عنصرية مسيئة بغيضة موغلة بالكلام غير المسؤول شارك فيها سياسيون غربيون ظهرت أرواحهم الشريرة بشكل مستفز ووقح.
في مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي كتب في منشور عبر منصة "تروث سوشيال" أنه "سيستبعد الرجال من منافسات النساء" في حال تم انتخابه في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وكتبت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على منصة "إكس" مدافعة عن مواطنتها التي انهزمت في الحلبة أمام أنظار العالم كله مرفقة صورة كاريني مع عبارة: "في منافسة عادلة يوما".
وكتب الوزير الإيطالي المتطرف ماتيو سالفيني عبر منصة "إكس": "يضرب بشدة، هذا ليس صحيحا"، مستخدما الضمير المذكر عمدا، في إشارة إلى اتهام إيمان خليف بأنها "متحولة جنسيا".
وتحولت "إكس" إلى منصة هجوم على البطلة
الجزائرية، بدءا بمالكها إيلون ماسك الذي كتب عدة تعليقات بصيغة التشكيك في "الهوية الجنسية" للجزائرية.
وكتبت الروائية البريطانية جي كي رولينغ، مؤلفة سلسلة "هاري بوتر": "ابتسامة رجل يعلم أنه محمي من مؤسسة رياضية كارهة للنساء، يستغل إحباط امرأة قام بضربها على رأسها وحطم طموحها مدى الحياة".
وانضمت أكثر شخصية كريهة في العالم، نيكي هايلي المرشحة السابقة لمنصب رئيس أمريكا والسفيرة السابقة بالأمم المتحدة، إلى الحملة، وقالت إنه "لأمر مخز أن تسمح اللجنة الأولمبية الدولية لرجل بالمشاركة في الملاكمة النسائية، وضرب امرأة على وجهها على المسرح الأولمبي".
وتابعت: "الرياضيات يبذلن كل ما في وسعهن ليكن الأفضل. مشاهدة أحلامهن تتحطم على يد رجل أمر مثير للاشمئزاز. امنحوهن العدالة واسحبوا إيمان خليف من المنافسة فورا".
وعلى الجانب المقابل، صنعت هذه الهجمة غير المسبوقة هبة وطنية في الجزائر وفي العالم العربي دعما للملاكمة إيمان، كما تجندت الجالية الجزائرية في فرنسا لدعم البطلة، واستغرب كثيرون إقحام الجزائر في "المسائل الجندرية" التي غرق فيها الغرب بشكل فاضح، وهو ما لا يمكن تصوره في الجزائر وباقي الدول الإسلامية، واعتبر البعض الادعاء بأن إيمان خليف "متحولة جنسيا" مثيرا للسخرية.
وكانت إيمان خليف قد استبعدت من بطولة العالم من قبل الاتحاد الدولي للملاكمة في عام 2023 بسبب "مستويات عالية من هرمون التستوستيرون"، وهو ما تم تداركه في الأولمبياد، حيث أكدت اللجنة الأولمبية أهليتها للمشاركة، مؤكدة التزامها بجميع القواعد الطبية المعمول بها التي وضعتها وحدة الملاكمة في باريس 2024.
لكنها لم تستسلم ولم تفقد الثقة بنفسها وبموهبتها وبقدراتها فواصلت اللعب والتألق حتى وصلت إلى الذهب .
ابنة بلادها الجزائرية الأخرى البطلة
كيليا نمور، فرنسية الجنسية، المولودة بمدينة سان بينو الفرنسية لأب جزائري وأم فرنسية عام 2006، دخلت تاريخ الرياضة كأول لاعبة جمباز أفريقية وعربية تفوز بميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية، بعد أن قدمت أداء مبهرا على المتوازي مختلف الارتفاع والصعوبة وأدهشت الجماهير في القاعة بمجموعة من الحركات المعقدة والصعبة.
كيليا عبرت عن فرحتها بإنجازها التاريخي، رافضة الحديث عن إمكانية العودة إلى تمثيل منتخب فرنسا مستقبلا، قائلة: "لا أفكر في الرجوع إلى الوراء، مكاني في الجزائر وأنا فخورة جدا وسعيدة بتمثيل هذا البلد".
وألقت وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا، اللوم على الاتحاد الفرنسي للجمباز، باعتباره المسؤول الأول عن هروب كيليا، على خلفية المعاملة السيئة التي لاقتها من قبل المسؤولين وأصحاب القرار في اللعبة، لتقرر تغيير جنسيتها الرياضية إلى الجزائرية قبل عامين.
وبدأت موهبة نمور تظهر وهي في الحادية عشرة من العمر وبدأت تشارك في بطولات خارجية مع ناديها أفوان، قبل الانضمام إلى منتخب فرنسا للجمباز للناشئين، وشاركت في بطولة البحر المتوسط عام 2019، وساعدت فرنسا في الحصول على المركز الثالث كفريق، وأتت هي في المركز الأول في الفردي العام.
وفي عام 2021 أجبرت نمور على الخضوع لعمليتين جراحيتين، بعد أن عانت من التهاب بالمفاصل، قبل أن تعود مجددا إلى الملاعب في عام 2022، بعد غياب دام لنحو عام، ومع عودتها إلى الملاعب كانت تحلم بتمثيل فرنسا في أولمبياد باريس 2024، لكن قرارا طبيا من مدرب المنتخب الفرنسي، قضى بأن إصابتها لا تسمح لها بتمثيل فرنسا. واستبعدت نمور من تشكيلة منتخب فرنسا.
ثم قرر والداها أن تتحول إلى الدفاع عن بلادها الأصلية الجزائر، وقررت نمور ارتداء ألوان الجزائر في الأولمبياد الذي يعد محط أنظار الملايين حول العالم، لتتقدم بطلب إلى الاتحاد الدولي للجمباز للسماح لها بتمثيل الجزائر.
وافق الاتحاد الدولي للجمباز على أن تمثل نمور الجزائر في البطولات الخارجية، على أن تنتظر لمدة عام، كونها مثلت فرنسا من قبل، وفتحت الجزائر الباب لها للمنافسة في بطولة العالم في أنتويرب التي عقدت في بلجيكا، وتوجت هناك على الميدالية الفضية التي أهلتها إلى دورة الألعاب الأولمبية في باريس.
وحفرت نمور وخليف، اسميهما في تاريخ الأولمبياد، باعتبارهما ثالث ورابع رياضيتان جزائريتان تعانقان الذهب الأولمبي، بعد إنجاز العداءة حسيبة بولمرقة في سباق جري 1500متر في برشلونة عام 1992، والعداءة نورية بنيدة في سباق 1500 متر في ألعاب سيدني الأولمبية عام 2000.
6 ذهبيات حملها أبطال وطن محاربي الصحراء، أربع منها حملتها بطلات.
وكانت إيمان و كيليا عند الوعد ورفعتا علم بلد المليوني شهيد عاليا.