اقتصاد دولي

لماذا لا يستطيع العالم التغلب على "التضخم" المرتفع؟

أشار محلل مالي إلى أن هناك أسبابًا داخلية تجعل من الصعب خفض أسعار الفائدة- جيتي
أشار محلل مالي إلى أن هناك أسبابًا داخلية تجعل من الصعب خفض أسعار الفائدة- جيتي
نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن مواجهة العالم، مشكلة ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، وقالت إنه وفقا للخبراء الاقتصاديين، فإن هذا الوضع طويل الأمد، مشابه للصدمة الاقتصادية الواقعة في السبعينيات.

ونقلت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، عن الخبير الاقتصادي ووزير المالية الروسي السابق، ميخائيل زادورنوف أن وضع أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم في العالم سيستمر لفترة طويلة.

وقال زادورنوف: "سأسلط الضوء على ثلاثة أسباب، العجز المستمر الحالي في الميزانية، في المقام الأول في البلدان المتقدمة وأيضًا في بعض البلدان النامية والمطالبات بزيادة الإنفاق الدفاعي لتغطية تكاليف التحول الأخضر وخدمة الديون وسلسلة كاملة من نفقات الميزانية الإضافية الكبيرة، التي ينبغي تحملها. تلاشت قضايا الكفاءة الاقتصادية الآن في الخلفية. كل دولة تريد إنشاء إطار معين للسلامة التكنولوجية".

وأشار زادورنوف إلى أن نفقات الميزانية تلعب دورا كبيرا في التضخم، خاصة في الأسواق المتقدمة، مضيفا: "سأعطيك بعض الأرقام. ماذا حدث؟ تُرجم التحفيز المالي الضخم للفترة 2020 و2021 إلى دعم الميزانية لتعريفات الطاقة للأسر والشركات في أوروبا. بلغ الدعم لمكافحة كوفيد 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 و9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة أي أن الولايات المتحدة أنفقت بحسب بيانات صندوق النقد الدولي الرسمية 5.3 تريليونات دولار على الإعانات، نصفها عبارة عن دعم مباشر للسكان".

وأضاف زادورنوف أنه في ألمانيا بلغ الدعم لمكافحة كوفيد لمدة عامين 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي بريطانيا 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2020 و5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2021.

وحسب المحلل المالي في "زينيت بنك" فلاديمير إيفستيفيف: "تاريخيا، تستغرق فترات الركود التضخمي بين 5 و10 سنوات. وهذه المرة، استمر مستوى التضخم المرتفع لفترة طويلة، حتى بالمعايير التاريخية. منذ 2008 و2009، بدأ عدد من البنوك المركزية في الدول المتقدمة في تنفيذ سياسة التيسير الكمي، والتي كانت في الواقع مسألة غير مضمونة".

اظهار أخبار متعلقة



ومن جانبها، ذكرت إيكاترينا نوفيكوفا، الأستاذة المساعدة في قسم النظرية الاقتصادية بجامعة بليخانوف الاقتصادية: "نستطيع القول إن العالم كله دخل عصر النمو التضخمي وارتفاع أسعار الفائدة. أعتقد أيضًا أن المشاكل بدأت مع الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008 و2009، عندما استمرت الاقتصادات المتقدمة في العيش من خلال الاقتراض أكثر والبحث عن أسواق جديدة لسلعها وخدماتها".

وتابعت نوفيكوفا: "تفاقم الوضع في الوقت الراهن بسبب إعادة توزيع السوق العالمية بأكملها. بسبب تجزئة الاقتصاد العالمي، فقدت أوروبا مصادر الموارد الطبيعية الرخيصة، وهذا بدوره تسبب في زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات. علاوة على ذلك، وبسبب ارتفاع الأسعار لا تستطيع الشركات الأوروبية التنافس في السوق العالمية مع الشركات المصنعة من الصين، مما يعني أن أرباح هذه الشركات آخذة في الانخفاض، مما يترتب عنه انخفاض في عائدات الضرائب وعجز الميزانية في العديد من الدول الأوروبية".

الزيادات الضريبية أمر لا مفر منه
حسب الرئيس السابق لوزارة المالية الروسية ستشهد العديد من الدول زيادة في الضرائب، وقد شرعت روسيا بالفعل في هذا المسار. وقال في هذا الصدد: "استنادا إلى مثال بريطانيا، أنا متأكد تماما من أن الحكومة المقبلة سوف تزيد الضرائب عاجلا أم آجلا والأمر سيان بالنسبة لعدد من الدول نظرا لأن هذه إحدى الأدوات لتحقيق التوازن في وضع الميزانية الصعب اليوم".

وذكرت ناتاليا ميلتشاكوفا، المحللة البارزة في فريدوم فاينانس جلوبال، أن رفع أسعار الفائدة في دول مجموعة السبع لا يزال له تأثير هبوطي على التضخم، وإن لم يكن بالسرعة التي ترغب بها البنوك المركزية العالمية، مضيفة أن التضخم المرتفع يمكن أن يستمر لبضع سنوات، بدءا من سنة 2022، ولكن من غير المرجح أن يستمر لعقود من الزمن.

وأوردت ميلتشاكوفا: "تطور وضع مشابه جدًا بالفعل في العالم في السبعينيات من القرن العشرين، عندما شهد العالم الغربي وعدد من البلدان النامية ذات اقتصادات السوق فترة من التضخم المرتفع بسبب ارتفاع أسعار النفط. لكن الصدمة الاقتصادية في السبعينيات من القرن الماضي استغرقت حوالي أربع سنوات، أي بحلول عام 1974 تم حل المشكلة. لم تلعب فقط أسعار الفائدة المرتفعة دورًا مهمًا، بل الانخفاض الحاد في الطلب من الدول الغربية على السلع والسيارات باهظة الثمن بشكل متزايد". ومع ذلك، فإن تكرار سيناريو أوائل السبعينيات من القرن الماضي يكاد يكون مستحيلا اليوم.

وأوردت الصحيفة أن أوبك بلس لا تزال تؤثر بشكل خطير على أسعار النفط. ومع ذلك، يوجد خارج المنظمة منتجون كبار آخرون للنفط يمكنهم من خلال زيادة إمدادات النفط تقليل فعالية تأثير أوبك بلس على الأسعار. وتشمل هذه البلدان، على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل.

اظهار أخبار متعلقة



وأشارت ميلتشاكوفا إلى أن "هناك عوامل لا يمكن تنظيمها بعد مثل تعطيل سلاسل التوريد مما يؤدي إلى نقص السلع أو المواد الخام أو المكونات. لقد أصبحت هذه المشاكل متواترة في العشرينيات من القرن الحادي والعشرين خلال جائحة فيروس كورونا، ولا تزال قائمة لأسباب جيوسياسية".

وقالت الخبيرة الاقتصادية الروسية أوكسانا خولودينكو: "دون الصدمات الاقتصادية، يمكن أن يعود الوضع حول أسعار الفائدة إلى طبيعته في غضون ثلاث سنوات. إن "البجعات الرمادية" التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم في السنوات الخمس إلى العشر القادمة تتمثل في الركود في الولايات المتحدة والصدمة النفطية وتفاقم المشاكل الجيوسياسية، والكوارث من صنع الإنسان. ولكن عبء الديون والتركيبة السكانية هي مشاكل ذات طبيعة محدودة في حد ذاتها".

وحسب ميلتشاكوفا: "يتم تصدير التضخم المرتفع من خلال تكلفة السلع المستوردة. روسيا لم تتغلب بعد على اعتمادها الحاسم على الواردات. ومن هنا ارتفعت نسبة التضخم السنوي في شهر حزيران/ يونيو الماضي بنسبة 9.2 بالمئة. يمكن توقع النجاحات الأولى في مكافحة التضخم في نهاية عام 2024 – بداية عام 2025، عندما يكون لأسعار الفائدة المرتفعة تأثير على الاقتصاد".

من جانبه، أشار المحلل المالي في "زينيت بنك" فلاديمير إيفستيفيف إلى أن هناك أسبابًا داخلية تجعل من الصعب خفض أسعار الفائدة، وهي زيادة النشاط الاستهلاكي تزامنا مع زيادة الإقراض وزيادة في نفقات الميزانية.

وفي ختام التقرير، قال خولودينكو إنه فيما يتعلق بالسياسة النقدية، تعمل روسيا بشكل مستقل عن الدول المتقدمة. وفي السنة المقبلة، قد يتحول البنك المركزي الروسي إلى طريقة خفض سعر الفائدة الرئيسي، ربما في الخريف اقتداء بتصرفات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم