لأسبوع ونيّف ورئيس النظام السوري
بشار
الأسد لم يرد على دعوة الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان للقائه ولزيارة
تركيا،
إن هو قام بخطوة أو خطوتين لم يتم الإفصاح عنهما. وعلى الرغم من تكرار القيادة
التركية ممثلة بالرئيس ووزير خارجيتها هاكان فيدان تلك الدعوة، إلّا أن رئيس
النظام السوري ملتزم الصمت، ومن فهم وفسّر ذلك على أنه حنكة دبلوماسية، وكأن بشار
يقدح من دماغه وقراره بيديه، فهو مخطئ، ولا يُدرك حقيقة الواقع السوري الذي لم يعد
أبدا كما كان عليه قبل الخامس عشر من آذار/ مارس 2011 يوم انطلقت الثورة السورية.
اليوم نحن أمام حقيقة وتجربة، أما
الحقيقة فهي أن
سوريا تنتشر فيها عشرة جيوش أجنبية، وكل جيش يمثل دولة لديها مصالح
وانشغالات وقلق، وبالتالي فمن الصعب أن تنفرد دولة مهما كان وزنها في تقرير مصير
المعركة، ومصير البلد. وإذا كان التحليل الرياضي يعطي أوزانا لكل لاعب دولي
وإقليمي ومحلي في أي قضية، فإن هؤلاء اللاعبين لكل منهم وزنه، مما يزيد من تعقيدات
المشهد السوري، وعجز اجتماع دولة أو دولتين أو أكثر على تقرير مصير البلد الذي
تتقاذفه مصالح الدول الموجودة كلها فيه.
سوريا تنتشر فيها عشرة جيوش أجنبية، وكل جيش يمثل دولة لديها مصالح وانشغالات وقلق، وبالتالي فمن الصعب أن تنفرد دولة مهما كان وزنها في تقرير مصير المعركة، ومصير البلد
وبالإضافة إلى وجود هذه الجيوش فإن
أكثر من 66 مليشيا طائفية مسلحة موجودة على الأرض السورية اليوم، هذا عداك عن
اللاعب الثوري الموجود على الأرض أيضا، والمتمثل بالقوى العسكرية التي عبر كثير
منها عن رفضه لأي حل لا يتضمن إسقاط الأسد، ومعه أيضا هناك ورثة المليون شهيد،
بالإضافة إلى 14 مليون مشرد، الرافضين للعودة إلى حظيرة الأسد من جديد.
أمام التجربة، فمنذ 2017 وحتى اليوم سعت أكثر من
دولة إلى إغراء النظام السوري في
تأهيله، مع إبعاده عن الحضن الإيراني، فكانت
التجارب كلها فاشلة، أو على الأقل غير مشجعة. وتشير كل الأدلة التاريخية أن النظام
منذ أيام المؤسس حافظ أسد؛ درج على خديعة العرب ومحاوريه بالرغبة في الانفكاك عن
إيران، بينما يقوم في نفس الوقت بتعزيز علاقاته معها. أما اليوم فإن القضية أبعد
من أن تكون تعزيزا للعلاقة في ظل تحكم الإيراني بكل ما هو على الأرض، وهو خلاف
الدور الروسي تماما، ولذا فإن الاختراق العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي
والتعليمي الإيراني وغيره من اختراقات تعكس مدى تغلغل طهران في مفاصل الدولة
والمجتمع السوري، مما يستحيل على النظام السوري أن يتجاهل كل هذه الحقائق على
الأرض، وهو الأمر الذي يفرض عليه قيودا حقيقية حتى لو أراد الابتعاد ولو قليلا
عنها.
كانت التجربة الأولى في إعادة تأهيل
النظام السوري على يد الإمارات حين سعت إلى ما وصفته بإبعاد النظام عن الحضن
الإيراني، ليتبين بعد سنوات استحالة هذا التوجه الرغائبي، على الرغم من خطوات
تجميلية لا معنى لها من قبل النظام لإقناع مفاوضيه، ولكن على الأرض ازداد الحضور
الإيراني وتعاظم تغلغله.
منذ 2017 وحتى اليوم سعت أكثر من دولة إلى إغراء النظام السوري في تأهيله، مع إبعاده عن الحضن الإيراني، فكانت التجارب كلها فاشلة، أو على الأقل غير مشجعة. وتشير كل الأدلة التاريخية أن النظام منذ أيام المؤسس حافظ أسد؛ درج على خديعة العرب ومحاوريه بالرغبة في الانفكاك عن إيران، بينما يقوم في نفس الوقت بتعزيز علاقاته معها. أما اليوم فإن القضية أبعد من أن تكون تعزيزا للعلاقة في ظل تحكم الإيراني بكل ما هو على الأرض
وبعد التجربة الإماراتية بسنوات سعى
الأردن إلى أن يكون ممثلا عن الجامعة العربية في سياسة أطلق عليها خطوة مقابل
خطوة، وذلك من أجل تأهيل النظام السوري، ولكن الخطوة الأردنية تم خطفها من قبل
السعودية، يوم دعت بشار الأسد لحضور القمة العربية، وهو ما رأت فيها عمّان نسفا
لكل سياستها واستراتيجيتها في سوريا. هذا الواقع أغرى النظام السوري في الضغط على
الجميع، وكان ذلك بتكثيف تهريب المخدرات، والذي تم ترقيته لاحقا إلى تهريب الأسلحة
والمتفجرات إلى الأردن، وسعى إلى تحويله لمحطة ترانزيت إلى الخليج وما بعده.
والظاهر اليوم أن الأردن ينظر إلى النظام
السوري على أنه قد أحبط مخططه في تأهيله، مستغلا اللعب على خلافات الصف العربي.
ونفس الأمر تكرر بالمناسبة مع التقارب السعودي- الأسدي، حيث ظهر بوضوح أن النظام
لا يمكن له أن يقبل بالشروط العربية، إمارتية كانت أو أردنية أو سعودية، بل ويعمل
على التصعيد معهم جميعا، استجابة للإيراني، ورغبة منه في الانتقام من محيطه الذي
يرى فيه داعما ومسببا لما حصل في سوريا، إذ إنه لا يزال يُنكر حتى الآن المطالب
الشعبية الداخلية المحقة.
اليوم تدخل تركيا على خط المصالحة،
وباعتقادي فإن التجربة لن تكون بأفضل حالا من التجارب العربية السابقة، فالأسد غير
قابل للتعديل، ولا يمكن الوثوق بوعوده، أولا لأنه ليس محلا للثقة بحسب سيرته
الذاتية، وثانيا لأنه فعلا وواقعا بات مسلوب الإرادة. ولعل ما تعرضت له مستشارته
الإعلامية لونا الشبل، وما تردد عن تحقيق الحرس الثوري الإيراني معها ثم قتلها،
يؤكد أن الجانب الإيراني مستعد لأن يذهب إلى أبعد مدى مع النظام السوري ورموزه،
ولذا فإن القضية غاية في التعقيد، ولا أعتقد أن الروسي لوحده يستطيع أن يجبر الأسد
على شيء يخالف الرغبة الإيرانية ويتصادم معها.
بقي أن نقول إنه طوال سنوات الثورة
لم نرَ أي تنازل من الأسد وحلفائه تجاه الثورة ومن وُصفوا بحلفاء الثورة، بينما
رأينا العكس من قبل حلفاء الثورة الذين سعوا طوال تلك السنوات إلى تقديم التنازلات
له على حساب الثورة وأهلها، مما عزز تشدده وتمسكه بمواقفه.
وهمسة أخيرة، فإن الرد العملي على كل
هذا هو بوحدة الفصائل وتقديم برنامجها المنسجم مع المطالب الشعبية، وحينها سيبدأ
قلب الطاولة على النظام وأسياده وداعميه..