الأرض مملكة الإنسان
إن فهم منطق الخليقة الذي أوضحه الله عز وجل في القرآن كما
أفهمه، أن الإنسان في الأرض لاختبار منظومته العقلية بإقامة سلالته وإدارة حياته؛
وأن الشرائع والنظم هنالك منها التوقيفية التي تعالج مراحل متعددة لبناء المجتمع
من الحالة المستضعفة إلى التمكين، وهذه تتطلب أجواء من الوفرة والعدل لتطبيقها،
وخير دليل لذلك زمن حكم الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنها ما يقبل الاجتهاد، وأن
الأحكام الشرعية والحكم ليست غاية في الأرض، وإنما هي وسيلة لإقامة الاستقرار
والعدل، ولإعانة الإنسان في امتحانه، ولهذا تختم الأوامر الأساسية بـ"يعظكم".
والأوامر تعبير عن ثوابت لإقامة الصواب في المسير، العدل
والإحسان والتكافل والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن الدولة على منهج الإسلام
ليست دولة لقمع الإنسان وتطبيق الأحكام كيفما اتفق، والاهتمام بها على حساب
الحكم،
أو الظن بأن معنى حاكمية الشريعة هي حاكمية الله، أو أنها مقدسة حتى باجتهاد بشر، وتأتي
بأحكام استنبطها بشر في زمان مختلف ومكان تغيّر ومدنية تطورت بوسائلها، لنبقى أمام
تجاهل كل شيء والعودة إلى الماضي بعقليتنا، مع بقاء استخدام مبتكرات المدنية
لرفاهية من يتسلط فينا، بحكم التغلب الذي ما زال بعض الناس يعدّه شرعيا للحفاظ على
مصداقية التاريخ، بينما هو ليس شرعيا لأنه سلب الأمة أهليتها، وأي فكر يسلب الأمة
إرادتها ينتقص من أهليتها، ولا ينسجم مع أساس فكرة الخلق، وأن تكون خليقة وسلالة آدم
في الأرض، فإن أحسن من تولاه فذاك منجاة لنفسه.
إن الأحزاب التي لها أيديولوجيا أو تستلم السلطة وتسعى لتمكين الإسلام، فإنها ستمكن الشعب لا أن تتمكن عليه، وأن تفهم معنى القيادة والريادة ومعنى الخلافة لرسول الله في الحكم. فالخلافة ليست شكلا يعود بنا إلى الماضي، وإنما هي مفهوم لعمل مؤسساتي قابل للتطوير؛ لأنها مسألة مدنية فرضها واقع بصيغة بدائية تتلمس الطريق، ولا بد من تطويرها بشكل مؤسساتي لواقعنا.
إن الله خلق الزمان والمكان، وإلا لكانت حياتنا في عالم
افتراضي أفضل مما يصنعه الإنسان. هذان العاملان يراعيان لأنهما يؤثران على الإنسان
وتكوينه النفسي والفكري.
الحكم لتمكين الشعب:
إن الأحزاب التي لها أيديولوجيا أو تستلم السلطة وتسعى
لتمكين الإسلام، فإنها ستمكن الشعب لا أن تتمكن عليه، وأن تفهم معنى القيادة
والريادة ومعنى
الخلافة لرسول الله في الحكم. فالخلافة ليست شكلا يعود بنا إلى الماضي، وإنما هي مفهوم لعمل مؤسساتي قابل للتطوير؛ لأنها مسألة مدنية فرضها واقع بصيغة
بدائية تتلمس الطريق، ولا بد من تطويرها بشكل مؤسساتي لواقعنا.
المدنية جهد بشري لمنظومة عقلية تختبر في الحياة، والحكم
أو الخلافة أيا كان اسمها لا ترتكز على الشخص، وإنما ترتكز على المهمة التي فصلناها.
والحاكم يُنتخب ويعاد انتخابه، وإن لم يُحسن يُعفى من الحكم ويأتي غيره. هذه ولاية
الأمة لأمرها، ولا ينبغي أن يكون هنالك سلطة لأحد على أحد أو توكيل، فالجهة
التشريعية تُنتخب لمهمة التشريع والرقابة المبرمجة، ولكن ليس كما يجري الآن، وإنما
تحدَد الاختصاصات المطلوبة ويُعرض الأشخاص المؤهلون على الشعب ليختار منهم، أو
تؤسس مجالس مناطقية في كل وحدة إدارية ومنها ترشح الكفاءات المطلوبة، فالآلية
الديمقراطية بالانتخاب تنتخب الغوغاء في الفوضى وتقدم الطالح على الصالح، وهي تعتمد
على نضج المجتمع، لهذا كانت محددة في عصر ابتكارها الأول..
كذلك يُنتخب رئيس الدولة كحاكم أعلى للبلاد للعمل في
قيادة مؤسسة الرياسة، وهو من يعين الوزير الأول الذي يختار بدوره الوزراء من خلال
آلية مجالس المناطق، أو من خلال الأحزاب وبرامجها، وأي وزير يتم اختياره لبرنامجه
ومكانه، وأي برنامج أفضل سيُختار وزيره. ويتابَع الإنجاز والاستمرار من ديوان
رياسة الجمهورية كمؤسسة عند تغيير رئيس الوزراء ورئيس الدولة، عن طريق مجلس تخطيط
ضمن بنية المؤسسة. وهذا له بحث آخر -لا يتسع له المجال هنا-، يشمل نظاما انتخابيا
للوحدات الإدارية كافة، وعلى متعدد مستوياتها.
خلاصة النظرية:
1- إن الحكم هو لضمان أهلية المنظومة العقلية، وعلى الحكومة والأحزاب وأي
تنظيمات السعي في هذا الاتجاه للتعليم وتوفير الخدمات والرفاهية، وسد الحاجات
وإدارة الأعمال في القطاعات والحفاظ على أهلية وتمكين الإنسان، وليس قمعه أو
التسلط والتمكن عليه، وإن الدولة ترعى وتنمي الثروات وتحاسب بشدة أي خلل أو فساد، أما
العقائد والانتماءات، فهي محمية بما يصب بالإيجابية التي لا تخلق توترا أو أذى.
لا شكل محددا للحكم، وإنما يراد منه الرشد وتمكين الأم فلا قمع إلا لفساد، ولا سجون إلا إن اقتضت الحال دون إهانة لكرامة الإنسان.
2- لا شكل
محددا للحكم، وإنما يراد منه الرشد وتمكين الأم فلا قمع إلا لفساد، ولا سجون إلا إن
اقتضت الحال دون إهانة لكرامة الإنسان، ولكل وضع تشريعه وحكمه. والدولة الفاضلة هي
من تحسن إدارة شعبها وفق نظام يلائمها وليس قالبا مسبقا تطبقه.
3- على الدعاة والعاملين
الجادين أن يدركوا أن قالبا مسبقا للحكم باسم الإسلام، هو اعتداء على الفكرة
المركزية للإسلام، وينبغي فهم أن الناس سيقبلون هذا عاطفيا بمنطلق غريزة التدين، لكن لا يقبلونه عمليا؛ لأن هنالك زمنا من البعد عن الحياة الإسلامية، والحياة
الإسلامية اليوم ليست بذات المسارات السابقة، وهذا سيسيء إلى من يحاول فعل ذلك، وللإسلام
بتجربة تنسب للإسلام، فاشلة أو فاسدة في التطبيق، وإنما هي اجتهادات بشرية للواقع
ومنه، وليست تُستحضر من الماضي بفقه الماضي؛ لأنها ستواجه الاستحالة في التطبيق،
وتمسّك من يقوم بها بحكم غريزة حب السيادة، سيفسد ويفشل في امتحان الدنيا والآخرة.