صورة
ذلك أن يقوم الحجَّاج بترديد الهتافات المناصرة لإخوانهم المظلومين والمضطهدين،
والرافضة للعدوان والمستنكرة للجرائم بحق الإسلام والمسلمين.
ولا
بُدَّ لرسم تصوّرٍ متكامل حول الحكم أن نتعرّف أحكام رفع الصوت بالتلبية، وهل يمكن
الزيادة على صيغتها المأثورة، ضمن
النقاط التالية:
النقطة
الأولى: حكم رفع الصوت بالتلبية أيام الحج
استحبَّ
الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة للمحرم أن يرفع صوته بالتَّلبية، وذهب المالكيَّة
إلى أنَّ المطلوب إنّما هو التوسّط فلا يلبّي المحرم سرّا، ولا يبالغ في رفعه،
وإنمَّا يكون متوسطا بين الرفع والخفض.
واستدلُّوا
على ذلك بما رواه الحاكم في المستدرك عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "جاءني جبريل فقال: يا محمَّد مر أصحابك
فليرفعوا صياحهم بالتلبية فإنّها شعار الحج". ثمَّ قال: هذه الأسانيد كلها
صحيحة، وليس يعلّل أحدها الآخر، ووافقه الذَّهبي.
كما
استدلوا بما قاله أبو حازم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يبلغون
الروحاء حتى تُبَحّ حلوقهم.
النقطة
الثانية: حكم الزِّيادة على صيغة التَّلبية المأثورة
أمَّا
صيغة
التلبية المتَّفق عليها بين الفقهاء هي: "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا
شريك لك لبيك.. إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، وهذه الصّيغة هي
الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
"لبيك اللهم لبيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا
شريك لك".
والسؤال
الذي يتعلق بالهتافات والشِّعارات هو: هل يجوز للمحرم أن يزيد على التلبية في
صيغتها؟
ذهب
الحنفيَّة إلى أنَّ الزيادة على الصيغة الواردة مستحب.
يقول
ابن عابدين في حاشيته: "وزِد ندبا فيها، أي: عليها لا في خلالها ولا تنقص
منها فإنَّه مكروه أي تحريما.. ثم يقول: وأمَّا الزيادة على الصيغة المارّة فقد
مرَّ أنّها مندوبة".
وللمالكيَّة
ثلاثة أقوال: إباحة الزيادة على الصّيغة، ولا تستحب الزّيادة على الصّيغة، وتكره
الزّيادة على الصّيغة.
قال
الخرشي من المالكية كما يذكر ابن رشد في "بداية المجتهد": "قال
مالك: والاقتصار عليها أفضل، وعنه كراهة الزّيادة، وعنه إباحتها".
يجوز ترديد الهتافات والشعارات في الحج في الأماكن التي يستحب فيها رفع الصّوت بالتلبية، على أن تكون هذه الهتافات والشعارات منسجمة في معناها وإطارها العام مع معاني التّلبية من إظهار العبودية لله عز وجل والدّعاء والضَّراعة للمستضعفين من إخواننا المسلمين في الأرض، واستنزال النَّصر للمجاهدين والدُّعاء للشهداء، والنّكير على الطّغاة المستبدين، والمحتلّين المجرمين، وفضح طغيانهم وإجرامهم
وذهب
الشّافعية إلى أنّ الزّيادة على الصّيغة المتفق عليها في التلبية مباح، جاء في
المهذب: "قال الشّافعي: فإن زاد على هذا فلا بأس".
وذهب
الحنابلة إلى أنّ الزِّيادة على الصِّيغة الواردة في التَّلبية غير مستحبّ وغير
مكروه أي: إنّه مباح.
جاء
في المغني: "ولا تستحب الزِّيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم
ولا تكرَه".
واستدلُّوا
على الأقوال بعدم منع الزّيادة على التلبية بفعل الصّحابة رضي الله عنهم وبفعل عمر
رضي الله عنهما إذ كان يزيد على هذه الصّيغة قولَه: "لبيك وسعديك والخير كلّه
بيديك، والرّغباء إليك والعمل".
وكذلك
فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال نافع: كان عبد الله رضي الله عنه يزيد مع
هذا "لبَّيك وسعديك والخير بيديك لبَّيك والرَّغباء إليك والعمل".
وبناء
على ما تقدَّم من بيان جواز بل استحباب رفع الصَّوت بالتلبية، وفي ذلك صورة واضحة
للهتاف، وبناء على ما يمكن أن يُستدلَّ به من جواز الزِّيادة على الصّيغة الواردة
في التلبية -والله أجلُّ وأعلم فإنّه يجوز ترديد الهتافات والشعارات في الحج في
الأماكن التي يستحب فيها رفع الصّوت بالتلبية، على أن تكون هذه الهتافات والشعارات
منسجمة في معناها وإطارها العام مع معاني التّلبية من إظهار العبودية لله عز وجل
والدّعاء والضَّراعة للمستضعفين من إخواننا المسلمين في الأرض، واستنزال النَّصر
للمجاهدين والدُّعاء للشهداء، والنّكير على الطّغاة المستبدين، والمحتلّين
المجرمين، وفضح طغيانهم وإجرامهم، وفي هذا إعلانٌ عن أحوالهم وتفعيلٌ لقضايا
المسلمين، مع الحرص على ألّا تشوّش هذه الهتافات والشّعارات على أداء عامَّة
المسلمين لشعائرهم.. والله تعالى أجلُّ وأعلم.
x.com/muhammadkhm