أشعلت الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي
على قطاع غزة على مدى 7 أشهر، وتعطل حركة الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر ومضيق باب
المندب ( حيث الممر الدولي) جراء هجمات جماعة "أنصار الله" (
الحوثي)، سباق
تنافس بين القوى المناهضة للأخيرة وتحديدا بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد
العليمي، ونائبه عيدروس
الزبيدي الذي يرأس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا،
لاستمالة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين نحوه، وأن يكون له الحظوة الأكثر
لدى تلك الدول دون الآخر.
وبرز هذا التنافس من خلال مواقفهما من العمليات
العسكرية التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن منذ تشرين
الثاني/ نوفمبر 2022، وما تلا ذلك من تبعات اقتصادية جراء توقف حركة الملاحة البحرية
عبر مضيق باب المندب (الممر الدولي) على دول أوروبا وشركات الشحن الدولية.
"تأييد أمريكي"
وقد بدأ عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس
الانتقالي المنادي بانفصال جنوب
اليمن عن شماله، هذا السباق مبكرا، ومحاولة
الاستفادة من الهواجس الغربية بشأن هجمات الحوثيين وقدراتهم الهجومية المتزايدة،
حيث أبدى "استعداد مجلسه الذي يمتلك تشكيلات عسكرية تمولها أبوظبي
للتعاون مع واشنطن والفاعلين الغربيين والمشاركة في أي عمليات عسكرية قد توجه
ضد الجماعة الحوثية".
اظهار أخبار متعلقة
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، أكد
الزبيدي خلال اجتماعٍ مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أن المجلس
الانتقالي الجنوبي مستعد للانضمام إلى تحالف لمواجهة هجمات الحوثيين وحماية السفن الدولية
إذا كانت هذه الجهود مدعومة من الولايات المتَّحدة وبلدان أخرى.
وعلى ما يبدو فإن زعيم الانفصاليين الجنوبيين
يسعى من خلال هذا الموقف لـ"الحصول على تأييد أمريكي للمشروع الانفصالي الذي يقوده وتحقيق طموحاته
في إنهاء الوحدة بين الشمال والجنوب التي تحققت عام 1990 تمهيدا لإنشاء دولته المستقبلية
في الجنوب".
وكان لافتا، أن الاجتماع بين الزبيدي وليندر
كينغ، انعقد قبل أيام من إعلان الولايات المتحدة عن إنشاء التحالف البحري الجديد "حارس
الازدهار" لكبح الهجمات الحوثية والحد منها.
"مصالح مشتركة"
ومع شعور رئيس المجلس الرئاسي "العليمي"،
الأشد قربا من السعودية، بتصدر خصمه "الزبيدي" الذي يوصف بأنه رجل الإمارات
الأول واجهة الأزمة في البحر الأحمر، فإنه بدأ حراكا مكثفا ووجه دعوات متكررة في منتديات غربية
رفيعة المستوى لـ"دعم قوات الجيش الحكومية وتمكينه من تعزيز سلطاته وبسطها على
كامل الأراضي اليمنية".
وبالتالي، فثمار هذه المساعدة العسكرية
- بحسب رؤية العليمي ـ ستصب في المصلحة المشتركة للطرفين الدولي واليمني
على سواء والمتمثلة في "الحد من تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة الدولية".
وقال العليمي خلال مؤتمر ميونيخ للأمن منتصف
شباط/ فبراير الماضي: "طالما أن مصدر هذه التهديدات يأتي من الميدان، فينبغي أن
تبدأ الحلول من الميدان أيضا، وهذه قضية يمنية في الأساس"، في إشارة إلى شن عملية
برية للقوات الحكومية بدعم غربي ضد الحوثيين.
"أهداف مختلفة"
وفي السياق، قال الكاتب وأستاذ علم الاجتماع
السياسي اليمني، عبدالكريم غانم، إن مواقف كلا الرجلين (العليمي والزبيدي) لها أهداف
ومنطلقات مختلفة عن الأخرى.
وأكد غانم في حديث لـ"عربي21"
أن عرض الزبيدي "استعداده للمشاركة في تأمين الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر
وخليج عدن ينطلق من سعيه لمقايضة دوره العسكري في مواجهة ’الحوثي’ في البحر الأحمر وخليج
عدن، بالحصول على تأييد أمريكي وبريطاني داعم لمشروعه الانفصالي".
بينما أشار الكاتب والأكاديمي اليمني إلى
أن طلب رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي للدعم العسكري نابع من احتياج القوات المسلحة
الحكومية لتطوير ترسانتها من الأسلحة، وحاجتها لغطاء جوي انطلاقا من إيمانه بالتقاء
المصلحة الدولية في تأمين البحر الأحمر وخليج عدن من الهجمات الجوية الحوثية مع المصلحة
اليمنية في هزيمة القوات الحوثية".
وذلك لن يتحقق وفقا لأستاذ علم الاجتماع
السياسي اليمني إلا "عبر معركة برية فاصلة تنهي الاحتلال القائم في التوازن العسكري
بين قوات الحكومة المعترف بها وقوات الحوثي، لدفعه نحو الجلوس على طاولة المفاوضات
معها".
اظهار أخبار متعلقة
" منافسة مستعرة"
فيما قال الصحفي والناشط السياسي اليمني
صلاح السقلدي إن العليمي والزبيدي حاولا وما زالا استمالة الطرف الأمريكي إلى صف كل
منهما، مضيفا أن "ثمة خيبة اعترت الرجلين من الفتور الأمريكي لمطالبهما".
وتابع السقلدي حديثه لـ"عربي21" بأن العليمي فشل تماما في انتزاع الدعم لسلطته وقواته على الأرض من الفاعلين الغربيين،
في الوقت الذي لم يبدِ فيه استعداده للمشاركة جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في شن
هجمات مشتركة ضد الحوثيين.
وبحسب الصحفي والناشط الموالي للمجلس الانتقالي
فإن العليمي، بدا أكثر تحفظا في تصريحاته بشأن الاصطفاف في تحالف "حارس الازدهار"
الذي أعلنت واشنطن عن تأسيسه لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وقال إن هذا الموقف من رئيس مجلس القيادة
الرئاسي يأتي "إدراكا منه أن أي مشاركة عسكرية ضد الحوثيين ستقويها في الشارع اليمني
وتعزز من شعبيتها وسلطتها في المناطق التي تسيطر عليها شمال البلاد، فضلا عن إظهار
الحكومة المعترف بها دوليا أنها أداة طيعة بيد الغرب والأمريكيين".
وأوضح أن الزبيدي كان أكثر اندفاعا وجرأة
في دعوته ومطالبه من الولايات المتحدة، "كونه لا يكترث برأي الشارع اليمني في
مناطق سيطرة الحوثيين لأسباب عدة أبرزها "مشروعه المتمثل بانفصال جنوب البلاد
عن شماله".
وأكد الصحفي السقلدي أنه رغم محاولة المجلس
الانتقالي الجنوبي ورئيسه الزبيدي التقرب من الجانب الأمريكي منذ بداية أحداث
البحر الأحمر واستعداده للانخراط في ما سمي بـ"قوات حماية الازدهار"، إلا
أن واشنطن لم تعر طلبات "الانتقالي" أي اهتمام، لمعرفتهم أن قدرات قوات الانتقالي في البحر "متواضعة إن لم تكن معدومة".
وأشار إلى أن محاولة الزبيدي خطب ود الجانب
الأمريكي وتحقيق اختراق في جدار التمنع الأمريكي تجاه القضية الجنوبية ومشروع
المجلس الانتقالي باستعادة دولة الجنوب سابقا، والذي تعارضه واشنطن بقوة، يبدو أنها
تعثرت حتى الآن.
ومضى قائلا: "فالمصالح الأمريكية متسقة
تماما مع المصالح السعودية في عدم دعم مشروع المجلس الانتقالي على الأقل في المدى المنظور".
وختم حديثه بالقول: "إن رئيس المجلس
الرئاسي اليمني لن ينجح في الدخول بتحالف مع أمريكا خشية من المملكة، في الوقت الذي
لم يطلب فيه أصلا من واشنطن الانخراط في عملياتها ضد الحوثيين بل إنه ذهب عوضا عن ذلك للحديث
عن هزيمة الجماعة ووقف هجماتها في البحر الأحمر من خلال "دعم قوات الجيش الوطني"
وتدريبه ليقوم بالمهمة وبسط سلطة الدولة على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين".