خلا التقرير الأحدث لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "
سيبري" الصادر الاثنين الماضي، من اسم
مصر كإحدى دول العالم والأقطار العربية والأفريقية المتقدمة من حيث الإنفاق العسكري، وذلك رغم ما كشفه المعهد السويدي الذي يعمل في هذا المجال منذ العام 1966، عن ارتفاع الإنفاق العسكري في أنحاء العالم خاصة في الشرق الأوسط.
التقرير، الذي كشف عن أسماء 40 دولة اعتبرها الأكثر إنفاقا على التسليح العسكري خلال العام الماضي، نتائجه لم تذكر اسم مصر من بين تلك الدول، ما يشير إلى تراجع الإنفاق العسكري المصري وعمليات شراء السلاح في البلاد رغم انتعاشها بسنوات حكم رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي (2014- 2030).
وجاءت أمريكا والصين وروسيا والهند والسعودية بالمراكز الخمسة الأولى بحسب "سيبري"، فيما ارتفع الإنفاق العسكري بالشرق الأوسط، مع زيادة إنفاق الاحتلال الإسرائيلي بنسبة 24 بالمئة إلى 27.5 مليار دولار في 2023، ليحل ثانيا بعد
السعودية أكبر منفق في الإقليم، بنحو 75.8 مليار دولار.
"تراجع مصري"
وبحسب ما يعرضه "
سيبري" من بيانات نشرها عبر "ملف إكسيل"، حول الإنفاق العسكري لدول العالم مقومة بالدولار أو بالعملات المحلية لكل دولة خلال الأعوام من 1949 إلى 2023، وبينها الإنفاق العسكري للجيش المصري، مقدرا بالجنيه.
ووفق الملف، فقد جاء الإنفاق العسكري المصري لعام 2013 (4359.8 مليار جنيه)، وفي 2014 (5085.1 مليار جنيه)، وفي 2015 (5475.5)، وفي 2016 (4513)، وللعام 2017 (2765.6 مليار جنيه)، وفي 2018 (3119.6 مليار جنيه)، وفي 2019 (3743.7 مليار جنيه)، وفي عام 2020 (4505.4 مليار جنيه)، وخلال 2021 (5165.4)، وفي 2022 (4645.9)، وفي العام 2023 (3164.6 مليار جنيه).
وبحسب
التقرير السنوي للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية فقد كانت مصر الأقل إنفاقا عسكريا في الشرق الأوسط لعام 2023 بمعدل أقل من 20 بالمئة عن العام 2022.
كما أنه ووفق ما نشره موقع "الدفاع العربي"، في أيلول/ سبتمبر 2022، فإن جيش مصر يأتي رقم 9 عربيا و47 عالميا في الإنفاق العسكري.
اللافت هنا، أن تقرير معهد
ستوكهولم الصادر في آذار/ مارس 2022، كان قد أكد أن مصر كانت ضمن الدول العشر الأولى في العالم الأكثر استيرادا للأسلحة، خلال 5 سنوات في الفترة 2017- 2021، حيث احتلت المرتبة الثالثة عالميا بعد
الهند والسعودية.
اظهار أخبار متعلقة
تقرير "سيبري" وثّق حينها عمليات شراء السلاح الواسعة مع حكم السيسي لمصر منتصف 2014، ووضعها بالمرتبة الثالثة عالميا، وفق تقاريره لأعوام (2015- 2019)، و(2016- 2020)، و(2017- 2021).
لكنه، وفي دراسة لمدير "
مركز كارنيغي للشرق الأوسط" الباحث، يزيد صايغ، أكد أن هناك غموضا في المعلومات حول إنفاق الجيش المصري، وأوضح أن 60 بالمئة من ميزانية الدفاع تتمثل في الرواتب ومعاشات التقاعد، فيما ينفق الرصيد المتبقي على المهام والرعاية الصحية والوقود وتجديد وصيانة المعدات القتالية والذخائر والعقارات والاستثمار في منشآت أو معدات جديدة.
وتراجع تصنيف الجيش المصري من المرتبة التاسعة عالميا خلال السنوات السابقة إلى المرتبة الـ15 عالميا في 2024.
ووفقا لتصنيف "غلوبال فاير باور" لأقوى جيوش العالم لعام 2020، فقد سجل الجيش المصري المركز التاسع عالميا والأول عربيا، بعدد يبلغ حوالي 920 ألف جندي، منهم 440 ألفا في الخدمة، و480 ألف احتياط.
لكنه وبعد نحو عامين تراجع 6 درجات كاملة حيث صنف ذات الموقع الجيش المصري في المرتبة رقم 15 بين أضخم 145 جيشا في العالم، فيما يتصدر قائمة أقوى الجيوش العربية، وحل في المرتبة الثالثة بين أقوى جيوش الشرق الأوسط بعد تركيا وإيران.
ووفق تقرير "غلوبال فاير بور" في 2023، فإنه يصل عدد جنود الجيش المصري إلى مليون و220 ألف جندي، بينهم 440 ألف فرد قوات عاملة، 480 ألف فرد قوات احتياطية، و300 ألف فرد قوات شبه عسكرية، فيما قدر ميزانية الدفاع المصرية بـ9.4 مليار دولار.
وتقول الإحصاءات الرسمية إن تعداد مصر في الداخل تعدى الـ106 ملايين نسمة في شباط/ فبراير الماضي، بينهم 37 مليون مصري يصلحون للخدمة العسكرية، و1.6 مليون نسمة يصلون سن التجنيد سنويا.
ومنذ اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية "كامب ديفيد" 1978، فإن الجيش المصري ما انفك يحصل على دعم أمريكي سنوي يصل 1.3 مليار دولار، على هيئة مساعدات مالية ومعدات عسكرية.
اظهار أخبار متعلقة
المثير أن تراجع إنفاق مصر العسكري يأتي رغم تفاقم أزمات إقليم الشرق الأوسط والمنطقة العربية منذ حرب الإبادة الجماعية التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأدت إلى زيادة التوترات بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بجانب الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية المصرية، في السودان.
"تقارير غير واقعية"
وفي قراءته، قال الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي، إن "7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أحدث زلزالا هائلا في العلوم الاستراتيجية والعسكرية العالمية قلبت موازينها رأسا على عقب، بل وأخرجت مراكز الأبحاث الغربية من الخدمة (مؤقتا)، وأصبحت الدراسات والتقارير السنوية التي تستعرض فيها تصنيفات الجيوش وقدراتها جزءا من الماضي لعدم واقعيتها".
البروفيسور المقيم في لندن، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "المقاومة الفلسطينية المحاصرة برا وبحرا وجوا أحدثت نصرا ساحقا ومذلا وكاملا غير مسبوق بكل المعايير العسكرية في نصف نهار على جيش الاحتلال الإسرائيلي المصنف عالميا من الفئة الأولى، بامتلاكه قدرات وإمكانات تسليحية وتكنولوجية هجومية تستند إلى دعم غربي غير محدود، تقدر بنحو تريليون دولار في الـ40 عاما الأخيرة من جيوب دافعي الضرائب في أمريكا وأوروبا الغربية".
ولفت إلى أن "المقاومة الفلسطينية التي ضيقوا عليها الأرض بما رحبت لم تجد لها مكانا إلا تحتها، وتبعا لذلك فهي غير مصنفة أصلا من قبل مراكز الدراسات العسكرية الغربية كجيش نظامي لدولة محتلة ترفض أمريكا الاعتراف بها".
وبناء عليه فإن الخبير الدولي أكد أنه لم يؤمن "يوما بالتقارير السنوية التي تصدر عن معاهد دولية غربية، ومراكز دولية للدراسات العسكرية والاستراتيجية بخصوص حجم الإنفاق العسكري السنوي لكل دولة، وتصنيف الجيوش عالميا".
ويعتبر أنها "تستند إلى بيانات ومعلومات غير واقعية بالأساس، ولا تخضع للمنهج العلمي في البحث والاستدلال والتحليل والنتائج لأسباب متعددة، كشفتها (حرب 7 أكتوبر) التي بدأت وانتهت في نفس اليوم، والتي تلتها في اليوم التالي حرب انتقامية إجرامية وإبادة جماعية وتطهير عرقي لـ2.3 مليون إنسان في قطاع غزة 85 بالمئة منهم نساء وأطفال وكبار سن ومرضى".
"الأهم من شراء السلاح"
ويرى فهمي، أن "بناء القدرات البشرية، وجودة النظام التعليمي، والتوسع في الإنتاج الصناعي، والنهضة التكنولوجية، والاستثمار في البحث العلمي، والارتقاء بالمهارات، وتوطين الصناعات العسكرية؛ أهم بكثير من شراء الأسلحة التي تعتمدها مراكز الأبحاث كمعيار للإنفاق العسكري وتبني عليه تصنيفاتها".
اظهار أخبار متعلقة
"وفوق ذلك فإن الإيمان بالقضية العادلة، والإرادة التي لا ولن تنكسر، والخضوع لقانون السببية كما خضع لها صاحب الرسالة بالأخذ بأسباب القوة والحذر حتى مع فقر الإمكانيات، واستثمار القدرات البشرية، وما توفر من إمكانيات عسكرية وتكنولوجية بالشكل الأمثل، والتوكل على الله والصبر والمرابطة.. هذا التكامل أثبت نجاحا هائلا يومي 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، و7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما تفوق أصحاب الأرض على المحتل، والتقييمات والتصنيفات التي تقوم على القوة المادية فقط"، بحسب رؤية الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية.
وعن مصر، وفي نهاية حديثه قال: "بالرغم من كونها مريضة، وأن شعبها يبدو مستسلما لقدره فلا يغرنكم كمونها، فكم من مرة مرضت بداء لا يُرجى منه شفاء عبر تاريخها الضارب في أعماق التاريخ فتتهيأ لها الأسباب من حيث لا يحتسب أحد، فيأذن لها ربها بمغتسل بارد وشراب كما أذن لها من قبل، رحمة منه وذكرى لأولي الألباب، ومن قرأ التاريخ يعرف أن 10سنوات في تاريخ مصر لا يغدو أكثر من ساعة من نهار".
"فقدان المعلومات وغياب الشفافية"
وفي رؤيته، يرى الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا، أن "الإنفاق العسكري في تقارير (سيبري) يُقصد بها صفقات شراء الأسلحة، والرواتب والأجور، ومستلزمات وتكاليف صيانة المعدات والأسلحة، وعلاج الأفراد داخل المؤسسة العسكرية، وعمليات البحث والتطوير داخل الجيوش، والمعاشات المرتبطة بالمتقاعدين من العسكريين".
الباحث في مجال الدراسات الأمنية، أوضح في حديثه لـ"عربي21" أنه "تحت هذه البنود يُوضع عنوان كبير اسمه الإنفاق العسكري، ويعتمد فيه (سيبري) على بيانات معلنة، فبعض الدول لديها قدر من الشفافية تعرض قيم صفقات الأسلحة والرواتب والأجور وكل التكاليف الخاصة بها".
وضرب مثلا بـ"الموازنة العسكرية الأمريكية التي تُنشر سنويا بشكل شديد التفاصيل تكلفة كل بند فيها؛ وهناك دول يبقى مجهولا فيها الأمر، وبينها مصر حيث لا تكون هذه البنود واضحة، كما أن الموازنة العسكرية ترد كرقم واحد بالموازنة العامة للدولة".
وأشار إلى أنه "بالطبع هناك موازنة خاصة بالجيش وصناديق خاصة أخرى تابعة للهيئات العسكرية، ولا ترد حولها أية تفاصيل في الموازنة، وبالتالي يكون الحجم الحقيقي والدقيق للإنفاق العسكري المصري فيه قدر كبير من الغموض وعدم الوضوح".
وحول تراجع الإنفاق العسكري المصري أو عدم وجود مصر بين 40 دولة كبرى بهذا النوع من الإنفاق، أكد مولانا، أن "هذا ليس جديدا ومصر التي كانت متصدرة لقائمة أكثر الدول شراء للأسلحة لنعرف أنه بند واحد فقط بين بنود كثيرة في عملية تقييم الإنفاق العسكري، كما أنها لم تكن بالسنوات الأخيرة ضمن أكبر 10 أو 20 أو حتى 30 دولة الأولى عالميا في الإنفاق العسكري".
اظهار أخبار متعلقة
الباحث المصري، قارن بين الإنفاق الأمريكي والسعودي، ونظيره المصري بقوله: "إنفاق واشنطن حاليا فوق 900 مليار دولار سنويا، وفي مرحلة بداية حرب اليمن إنفاق الرياض العسكري كان نحو 80 مليار دولار، لكن تقديرات إنفاق مصر العسكري تتمحور بين 2 أو 2.5 أو 3 مليارات دولار على أكثر تقدير".
وأوضح أنه "عندما جاءت مصر بموقع متصدر في شراء الأسلحة الثالثة أو الرابعة عالميا ببعض الأوقات كان ذلك في استيراد السلاح وليس في الإنفاق العسكري"، ملمحا إلى أن "أمريكا الأولى في الإنفاق ولكنها ليست الأولى في الاستيراد لأنها تصنع سلاحها محليا"، ومبينا أن "مصر لم يحدث لها تدهور في الإنفاق العسكري ولكن ربما حصل انخفاض بشراء واستيراد صفقات الأسلحة".
"لهذا تراجعت الصفقات"
ولفت الباحث المصري إلى بعض أسباب هذا التراجع، ملمحا إلى أن "مصر منذ عام 2020، تشهد أزمة مالية وتضخما في الديون، وعدم قدرة على سداد مستحقات شركات النفط والغاز، ومع بداية حرب غزة شهدت انخفاضا بدخل قناة السويس، وكذلك تحويلات المصريين بالخارج، وتراجع صادرات الغاز".
وقال إنها "كلها عوامل مؤثرة اقتصاديا، وتجعل مصر ليست في سعة لعقد صفقات أسلحة كبرى، مثل طائرات (رافال) الفرنسية، وسفينتي (مسترال) والغواصات الألمانية في 2015 و2016 وما بعدها".
واستدرك: "ولكن ملاحظ أنه بعد 2020 تراجعت تلك الصفقات في ظل أن بعضها كانت تموله السعودية والإمارات وتوقفت حاليا، فضلا عن الأزمات الاقتصادية، وطبيعي أن ينعكس ذلك على تراجع صفقات الأسلحة".
ويرى الخبير المصري، أن "زيادة الإنفاق العسكري وضعفه يعكس شعور الدولة بالتهديد، فتنفق بشكل أكبر مثل السعودية أثناء حرب اليمن، والأمر الثاني مرتبط بقيود الميزانية والوضع الاقتصادي فإن الدولة التي تكون معاناتها الاقتصادية عميقة تنفق أقل على شراء الأسلحة مقارنة بالاقتصاديات المنتعشة".
"لا يعكس القوة الفعلية"
وبخصوص ترتيب الجيوش وفق موقع "غلوبال فاير باور"، يعتقد مولانا أنه "لا يعكس القوة الحقيقية للجيوش لأنه يتكلم عن عدد المعدات وما شابه، ولكن الأهم هو مستوى التدريب، والتخطيط، ونوعية المعدات".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "مثلا يجعل مصر بمرحلة متقدمة على جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قد يكون أقل عددا، ولكنه أكثر تطورا، من حيث التدريب والتسليح"، مبينا أنه "هنا لا يعكس القوة الحقيقية"، ملمحا إلى أن "مصر عام 1967 صورت جيشها بالضخم ولديه أسلحة، وفي النهاية كان أداؤه سيئا حينها، وجيش الاحتلال في 7 أكتوبر الماضي كان أداؤه سيئا رغم أنه لا وجه للمقارنة بينه وبين المقاومة الفلسطينية".
وختم مولانا بالقول إن "المعايير التي يضعها الموقع الأمريكي شكلية؛ لكن المهم المعايير الفعلية، والأداء الحقيقي، ومستوى القيادة والسيطرة والتحكم والتخطيط، والقدرة على القيام بعمليات مشتركة، وهذا للأسف لأن الجيوش العربية وفي القلب منها المصري أداؤها ضعيف، ولذلك استغرق في سيناء قرابة الـ10 سنوات لمواجهة تمرد يمكن القول إنه محدود وليس عميقا وواسعا ولكن نتيجة مشاكل بيروقراطية وفي عمليات القيادة والسيطرة والتخطيط استغرق سنوات ليستقر الوضع هناك".