نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن أسباب الصراع الدائر في
السودان، وتحوله إلى أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
كيف بدأ الصراع الحالي؟
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن القتال في
الخرطوم، عاصمة السودان، اندلع في 15 نيسان/ أبريل 2023، حيث تحول الصراع المتصاعد على السلطة بين الفصيلين الرئيسيين في النظام العسكري إلى صراع مميت.
فمن ناحية، هناك القوات المسلحة السودانية التي لا تزال موالية على نطاق واسع للجنرال عبد الفتاح
البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد. وتواجهه القوات شبه العسكرية التابعة لقوات
الدعم السريع، وهي مجموعة من المليشيات التي تتبع أمير الحرب السابق الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
وحسب الصحيفة، تأسست قوات الدعم السريع على يد الحاكم الديكتاتوري السابق عمر البشير كميليشيا عربية لمكافحة التمرد. وقد أراد البشير سحق التمرد في منطقة دارفور، الذي بدأ قبل أكثر من 20 سنة بسبب التهميش السياسي والاقتصادي للسكان المحليين.
وسرعان ما أصبحت قوات الدعم السريع، التي كانت تُعرف في البداية باسم الجنجويد، مرادفة للفظائع واسعة النطاق. وفي سنة 2013، حول البشير الجماعة إلى قوة شبه عسكرية شبه منظمة، ومنح قادتها رتبًا عسكرية، قبل نشرهم لسحق تمرد جديد في جنوب دارفور.
ويمكن إرجاع صراع حميدتي الحالي على السلطة مع البرهان إلى سنة 2019، عندما تعاونت قوات الدعم السريع والقوات العسكرية النظامية للإطاحة بالبشير من السلطة. وعندما تعثرت محاولات الانتقال إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، شعر العديد من المحللين أن المواجهة النهائية بين البرهان وحميدتي كانت حتمية.
لماذا تقع دارفور في مركز الصراع؟
وأوضحت الصحيفة أن منطقة دارفور، التي يقطنها حوالي 9 ملايين شخص، المنطقة الشاسعة والقاحلة إلى حد كبير في غرب وجنوب غرب السودان، في قلب الصراع المستمر إلى حد كبير لأنها لا تزال معقل زعيم قوات الدعم السريع حميدتي. ويأتي العديد من مجندي قوات الدعم السريع من المنطقة ومن قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي.
اظهار أخبار متعلقة
وعلى امتداد سنوات، قامت قوات الدعم السريع بترويع المجتمعات المحلية في دارفور، ويشهد معظم المنطقة حالة من الفوضى، فالميليشيات والجماعات المسلحة الأخرى تهاجم المدنيين مع الإفلات الفعلي من العقاب. وتشير الأدلة الأخيرة إلى أن قوات الدعم السريع متورطة في أعمال عنف عرقية داخل دارفور ضد مجتمعات مثل المساليت.
وذكرت الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة، استثمرت قوات الدعم السريع موارد كبيرة في دارفور في محاولة للسيطرة على أصولها الإستراتيجية، مثل مهابط الطائرات والمناجم ومصادر المياه والطرق الرئيسية. وإذا سار الصراع بشكل سيئ بالنسبة لحميدتي في أماكن أخرى من السودان ــ وخاصة في الخرطوم والمناطق المحيطة بها ــ فمن المرجح أن ينسحب إلى دارفور. ومع قوته المكونة من عشرات الآلاف من المقاتلين المتمرسين، ستكون المنطقة منيعة فعليًّا.
ويعزو المحللون العديد من جذور الصراع الأخير إلى أعمال العنف المروعة وانتهاكات حقوق الإنسان ـ وربما الإبادة الجماعية ـ في دارفور منذ نحو عشرين سنة. وقد حذرت خبيرة الأمم المتحدة المعنية بالإبادة الجماعية، أليس وايريمو نديريتو، في الأشهر الأخيرة من "دوامة العنف التي لا نهاية لها".
ما هي التكلفة البشرية؟
وبينت الصحيفة أن الصراع أدى إلى دخول السودان في "واحدة من أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث"، وذلك وفقا لمسؤولي الأمم المتحدة، الذين حذروا أيضا من أنه قد يؤدي إلى أكبر أزمة جوع في العالم. وقالت منظمة اليونيسيف، إن بعض المجتمعات في السودان قد دفعت إلى حافة المجاعة.
وأدى الصراع في السودان إلى خلق أسوأ أزمة نزوح في العالم، حيث أدى إلى تشتيت أكثر من 8 ملايين شخص داخليّا وعبر حدود السودان. وقد فر حوالي مليوني شخص إلى البلدان المجاورة هربا من القتال، مما زاد الضغط على تشاد وجنوب السودان.
ويعني نقص الأموال في جنوب السودان أن ثلاثة ملايين شخص يعانون من الجوع الشديد لا يتلقون أي مساعدة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وفي تشاد، فإن نقصًا مماثلاً في الأموال يعني أنه سيتعين عليها إنهاء الدعم لجميع اللاجئين البالغ عددهم 1.2 مليون لاجئ داخل البلاد في نيسان/ أبريل.
ويحذر مسؤولون من برنامج الأغذية العالمي من أن حوالي 28 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم 18 مليون في السودان، و7 ملايين في جنوب السودان، وحوالي 3 ملايين في تشاد.
وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى قبل اندلاع القتال، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 3 ملايين امرأة وفتاة في السودان معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومنذ النزاع، وردت تقارير عديدة عن قيام القوات المسلحة باستخدام الاغتصاب كسلاح.
اظهار أخبار متعلقة
ووفق الصحيفة؛ فقد حرم الصراع أعدادا كبيرة من السودانيين من التعليم، حيث بلغ إجمالي عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في السودان 19 مليونا.
ما هو تأثير الصراع على المنطقة الأوسع؟
ولفتت الصحيفة إلى أن السودان، أحد أكبر دول أفريقيا، يقع في منطقة مضطربة على الحدود مع البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي. وقد اجتذب موقعه الإستراتيجي وثرواته الزراعية قوى إقليمية، مما أدى إلى تعقيد فرص الانتقال الناجح إلى حكومة يقودها المدنيون.
وأشارت إلى أن العديد من جيران السودان – بما في ذلك إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان – تأثروا بالاضطرابات السياسية والصراعات. وقد فرت أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين من القتال إلى الدول المجاورة للبلاد، بما في ذلك مئات الآلاف الذين عبروا الحدود إلى تشاد.
ونوهت الصحيفة إلى أن تضخيم التوترات هو الأبعاد الجيوسياسية الرئيسية المؤثرة. وتعد روسيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، ومؤخرا إيران، من بين القوى التي تتصارع على النفوذ في السودان.
ورأت السعودية والإمارات في محاولة السودان للانتقال إلى حكومة يقودها مدنيون فرصة للتصدي للنفوذ الإسلامي في المنطقة. ويشكل هؤلاء، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، "الرباعية"، التي رعت الوساطة في السودان إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، حسب التقرير.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن القوى الغربية تخشى من احتمال إقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر، الأمر الذي أعرب القادة العسكريون السودانيون عن انفتاحهم عليه. وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن إيران ضغطت على السودان -دون جدوى حتى الآن- للسماح لها ببناء قاعدة بحرية دائمة على سواحله.