الكتاب: الحروب الموجهة إعلامياً
الكاتب: يواريم بيري
الناشر: مركز دراسات الأمن القومي
ترجمة: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية،
2018م.
ظهر مصطلح الحرب الموجهة إعلاميا عام 2006م،
على خلاف من مصطلح المغطاة إعلامياً، خبرت إسرائيل أكثر من أي دولة في العالم مثل
تلك الحروب، التي خاضتها ضد حزب الله في جنوب لبنان، أو ضد المقاومة الفلسطينية في
فلسطين المحتلة خلال السنوات الأخيرة، فعلى خلاف الحروب المهنية ضد جيوش الدول
العربية التي انتهت بانتصار الجيش الإسرائيلي، فإن نتائج الحروب غير المتكافئة،
مختلفة فكل طرف يفسرها بطريقة مختلفة عبر نتائجها.
كان هناك مرحلتان للحرب الموجهة اعلامياً،
في المرحلة الأولى: برز الجانب البصري الذي نشأ مع ظهور التلفزيون، المرحلة
الثانية: جاءت مع تطور الإنترنت، والتحسن في عملية الرقمنة، والتطور المتسارع في
الإعلام المجتمعي، هذه التغيرات التكنولوجية أنتجت الإعلام الاجتماعي المختلف
تماماً عن الإعلام الجماهيري، المنظومة الاجتماعية الجديدة لها خاصية تفاعلية،
وليس جغرافية، وليست مبنية بطريقة هرمية، لا يوجد فيها بث واستقبال، التدفق فيها
من كل النقاط إلى كل النقاط، كل واحدة منها هي في ذات الوقت منتج مستهلك للمعلومات
وفق تعبير تويلر: "هذا البناء يكاد يكون غير قابل للمراقبة والسيطرة، ولا
سيما من دولة ديمقراطية على خلاف الدول ذات الطابع الاستبدادي".
يقول تويلر:" في الحرب غير المتكافئة
ازدادت كثيراً تدخلات المجتمعات المدنية، بالتالي ارتفع أيضا وزن الإعلام، وبدأت
الحروب تدور حول الروايات الشرعية؛ لذلك أضيف إليها المعيار الحركتي التقليدي، في
الحرب أيضاً ظهر معياريين جديين، المعيار الإعلامي، والقانوني نتيجة لذلك تحول
الصراع على الوعي؛ ليصبح أكثر تعقيداً من الماضي.
الحرب الموجهة إعلاميا معناها تتسلل إلى
المنطق الإعلامي، طرق الإنتاج، ومبادئ العمل الأساسي، وطريقة العمل داخل حقول
مجتمعية أخرى، جعلها تغير خصائصها، هذا بمعنى عملية الصحفنة التي بدأت قبل نهاية
القرن الماضي في السياسة والثقافة، وصلت بداية القرن الحالي إلى عالم الحرب، هذا
التطور يوجب على المشتغلين في الحرب أن يفهموا جيداً هذا المنطق من دون فهم كهذا
لا يمكنهم الوصول إلى الإنجازات العسكرية.
الطيف الإلكتروني
يسمى أيضاً الوسط اللاسلكي الذي أًصبح ساحة
قتال جديدة أخرى، إضافة إلى ساحات القتال التقليدية، الهجوم الطيفي هو استخدام
الطاقة الالكترونية أو السلاح الإلكتروني من أجل إصابة بني وذخائر أو عتاد، وما
شابه من أجل تشويش، تحييد، قطع، خداع، بل وتدمير قدرات العدو العسكرية أو أي جهة
أخرى؛ لذلك كتب العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي أبراهام هكوهين عن الطيف
الإلكتروني بأنه:" أداة هجوم عصرية تنتج إنجازات عملياتي، كونه لا يدمر، أو
يخلق ضرراً مباشراً، أو عرضياً مادياً، إنه أداة فاعلة صالحة وعصرية، تناسب المحيط
القانوني، الجماهيري والدولي".
ظهرت وثيقة إسرائيلية بداية عام 2016م، كشف
عنها إسحاق بريك رئيس قسم المظالم في الجيش الإسرائيلي، جاء فيها: التأثير المدمر
للهواتف النقالة على صورة القيادة العسكرية، تميزت الزعامة في الجيش الإسرائيلي
بالمصطلح "هيا خلفي"، والمقصود به أن القائد في المقدمة، أي أن الوثيقة
تلزم القائد بتحمل المسؤولية الشخصية، والقدوة المهنية، والشعور بالانتماء، وبث
الثقة، وتلزمه بالقرب من جنوده من غير وسيط، وأن يعرفهم شخصياً واحدا واحداً،
وجهاً لوجه.
النقطة الأساسية التي تضمنتها الوثيقة هي
تحول الهاتف الذكي إلى حلقة وصل بين مراتب القيادة، والحد من اتصال العين بالعين،
وملاحظة لغة الجسد، فقد اكتشف بريك أن قادة كثيرين يمتنعون عن الحديث مباشرة مع
الجنود، وبدلاً من ذلك يوجهون الأوامر عبر الهاتف أو وسائل الاتصالات الالكترونية
غير المباشرة، دون قدرتهم على التأكد إن كانت قد وصلت رسالة التوجيهات بالمضمون
الذي أراده القائد.
توسعت الوثيقة في وصف الضرر الذي يلحقه
الهاتف بالجيش، حيث اتضح أن الجنود يلتصقون بالأجهزة الخلوية طوال ساعات اليوم،
كما هو الحال في المنظومة المدنية دون أن يكونوا على اطلاع على الأثر، الذي يخلفه
من أضرار على طريقة أداء الجيش، بأن استخدام الهاتف الخلوي يأتي على حساب التفاعل
الشخصي بين الجنود في الوحدة، ويمس بالتعارف بينهم والتوحد، فالجنود يحملون
هواتفهم الذكية حتى في أوقات المهمات التنفيذية، الأمر من شأنه أن يستخدم كنقطة
تعقب، بالفعل فقد كانت هناك حالات نجحت فيها تنظيمات المقاومة بالتسلل لمثل هذه
الهواتف، وتعقب أحد الجنود، وزرعت فيها رسائل تهديد، ويضيف الكاتب" الآثار
التشغيلية لهذا الأمر هي آثار تنطوي على الكثير من المخاطر بسبب قدرة العدو على
احباط تنفيذ المهمة".
في أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006م،
أجريت بحوث عن العلاقة بين الاتصالات والحرب في مركز" هرتسوغ للاتصالات
والمجتمع والسياسة"، كما أن لجنة فينوغراد التي حققت في حرب لبنان الثانية،
أشارت إلى مشكلة ادخال الجنود للهواتف النقالة إلى أرض المعركة، هذا المنعطف الذي
جعل حروب الماضي تختلف عن حروب اليوم.
عام 2014م ظهر نموذج جديد للحرب، التي أعقبت
التغيير الجذري الذي أحدثته الاتصالات على صورة الحرب، إنها الحرب المحركة
إعلامياً، هذه الدراسة انتجت في مركز جولدن هورن للبحوث الإسرائيلية في جامعة
ميرلاند.
تحول المجتمع نحو الاتصالات
التقى رؤساء الأجهزة الأمنية الأمريكية عام
2016م مع رؤساء شبكات التواصل الاجتماعي في وادي السيلكون، هدف اللقاء مع مدراء
فيسبوك، وتوتير، وآبل، وجوجل؛ صياغة استراتيجية لمحاربة داعش؛ ليصعب أن تجد في
الحدث الذي يبرز بطريقة تصويرية مماثلة خصائص الحرب التي تغرق فيها الولايات
المتحدة في مواجهة العدو الكوني الجديد تنظيمات الجهاد العالمي، هذه الحرب تدور في
مجال المعلومات، المستوى التوعوي لا يستثنى من مكونها الحركي، بل وربما يطغى عليها
لكي تحسم هذه الحرب يجب أن تعرف وتفهم كيف تستغل وسائل الاتصال الأكثر حداثة، وعلى
رأسها
الاعلام الاجتماعي بنفس قدر الأدوات القتالية.
أظهرت الوثيقة الأمريكية الخطوط العريضة
للحروب في الـ 20 عاماً المقبلة، وبينت أن مفردة "الميديا" نوقشت فيها
ليس أقل من 8 مرات، بينما تنبأت ورقة تقدير موقف "لمركز سورنستين للبحوث
السياسة والاعلام في هارفارد"، أن الحرب القادمة ستكون على البث المباشر من
ميدان المعركة، ويصف المراسلون العمليات القتالية للمرة الأولى في تاريخ الحروب،
في بث مباشر من ميادين القتال، حتى حرب لبنان الثانية عام 2006م، لم تبث أي شبكة
في الوقت الصحيح الواقع من ميدان القتال، سواء لتدمير البيوت والقرى، وكذلك
الطلعات الجوية للقصف، وحال كبار السن الذين يتحركون بلا هدف بين الأنقاض، الأطفال
يحتضون ألعابهم الممزقة، وصواريخ حزب الله تسقط في شمال فلسطين، وتفرض على آلاف
الأشخاص الهروب من بيوتهم للاختباء في الملاجئ حرب إسرائيل، في ذلك الصيف كانت
الحرب الأولى التي تبث مباشرة بكل معنى الكلمة على كافة الفضائيات العربية
والأجنبية. ص12
يقول جيمس
دور دريان: "الحروب الجديدة
تدور بنفس الطريقة التي تعرض فيها، وتنهار الحدود بين الحرب نفسها وتمثيلها؛ هذا
الوضع أدى أيضاً إلى انهيار المساحة الفاصلة بين المشاهد، وبين الحرب نفسها".
فكرة المقاومة فكرة متنوعة ومتباينة لديها عمل حثيث على تغيير وجه المجتمع المحلي العربي الإسلامي، والسعي إلى التقليل من تأثير الثقافة الغربية لكي يحل محلها بديلاً سياسياً وثقافياً، والطريقة هذه التي سعى من خلالها الثوار لتحقيق هدفهم ضد إسرائيل هي تغيير شكل الحرب من المواجهة المباشرة بين جبهتين تتقاتلان في حرب متواصلة بين مجتمعين إلى حرب تستخدم فيها عقيدة هجومية ضد الجبهة الداخلية المدنية، والعقيدة الدفاعية ضد الجيش الإسرائيلي فالأولى تضمنت عمليات، وإطلاق النار من سلاج أرض- أرض، واستغلال المساحة تحت الأرضية.
الكثير من الأحداث التي كان من الممكن أن
تعتبر نجاحاً كبيرا تحولت إلى فشل ذريع، فقط لأنها صورة حقيقية لما يجري في ميادين
القتال، مثال ذلك قضية الشاباك عام 1984م، أربعة فدائيين فلسطينيين سيطروا على
حافلة تابعة لشركة ايغد على شارع "300، التي سافرت من تل أبيب إلى عسقلان،
طالبوا بتحرير مئات الأسرى مقابل اطلاق سراح المسافرين، بانتهاء الحدث نشر أن
اثنين من الفدائيين قتلاً في معركة الإنقاذ، واثنين ألقى القبض عليهما، لكن وبعد
وقت قصير تغيرت الصيغة، وقيل أن الأربعة جميعهم قتلوا في معركة الإنقاذ، لكن صورة
شوهد فيها أحدهم وهو ينزل الحافلة حياً، كشفت أن الفدائيين اعتقلا أحياء، وأن رجال
الشاباك قتلوهما، بتعليمات من رئيس الشاباك أبراهام شالوم، أثارت هذه القضية عاصفة
شعبية، وأدت إلى هزة كبيرة في صفوف الشاباك بسبب قتل الأسيرين، وبسبب ثقافة الكذب
التي كشف فيها أيضاً.
كذلك أصدر شمعون بيرس أوامره بوقف عملية
عناقيد الغضب في لبنان عام 1996م، في اعقاب التصاوير التي انتشرت في العالم، وفيها
شوهدت الأضرار الكبيرة التي ألحقها الجيش الإسرائيلي بالمدنيين ورجال الأمم
المتحدة في قرية قانا، أدى هذا الحدث أيضاً إلى قرار مجلس الأمن الذي تضمن
استنكاراً واضحاً لإسرائيل، وطلباً بأن توقف عمليات الجيش الإسرائيلي في الجنوب
اللبناني.
وجود الإعلام البصري القادر على بث 24 ساعة
أدى إلى تحويل المنظومة الدولية والمؤسسات الدولية إلى ناشطين أكثر أهمية في
الحروب، حققت الظاهرتان سرعة الإبلاغ، وارتفاع تأثير المستوى البصري على صناع
القرار في الحرب، ولكن المستوى البصري أصبح أكثر أهمية عندما بدأت الحروب الجديدة؛
حروب موجهة اعلامياً، هذا التطور حدث في نهايات القرن الماضي عندما فهمت تنظيمات
الدول أنها لن نستطيع التغلب على التفوق التقني للجيوش النظامية، وطورت عقائد
لإدارة الانتفاضات، وحروب العصابات، والإرهاب. ص29
التحول البصري مركزية الصورة
في تاريخ الاعلام حدث تحول في الحرب الموجهة
إعلامياً، عبر عنها الكاتب في نقطتين جوهريتين الأولى: التحول البصري الذي طرأ مع
ظهور التلفزيون بعد الحرب العالمية الثانية، والنقطة الثانية: هي انتشار منظومة
الإعلام الاجتماعي قبل عقدين، على أثرهما تشكل مجتمع الانترنت، وهي المنظومة
الشبكية غير المبنية بطريقة استعراضية التي ليس فيها مقدمين ومتألقين، التي يكون
التدفق فيها من أي نقطة إلى أي نقطة، المهم في التحول البصري الوسيط الجديد الذي
أدى إلى استبدال الثقافة الكتابية بثقافة جديدة حجرها الأساسي هي الصورة، التي تشمل
في آن واحد الخيال، والرؤية، والصورة، والشخصية، فالصورة المنعكسة على الشاشة ليست
مجرد صورة أو تصوير، وإنما قنبلة تتضمن ضوء،ً وصورة، وصوتاً، ونصاً، ومنها مجتمعة
يستوعب المستهلك البعض منها فقط والباقي يتم باستخدام خياله، ليملأ المشاهد الفراغ
ما بين الصور، لذلك هو متدخل بقوة في عملية المشاهدة. ص31
هل جميع الحروب الجديدة هي حروب الثقل
الإعلامي فيها هو الحاسم؟
يفترض الكاتب أنه طالما كانت المواجهة غير
متكافئة أكثر، كلما كان نصيب المكون الإعلامي أكبر فيه مقارنة بالمكون الحركي، لكن
الاعتراف بعدد المعايير الكثيرة في الحرب الجديدة لا يبرر الاحتجاج بأن جميع
الحروب في أيامنا هي حروب موجهة إعلامياً؛ أولاً وقبل كل شيء؛ لأنه ليس في جميع
الحروب يأتي الاعلام إلى ميادين القتال، فالحروب تصنف عبر محورين الأول: يشير إلى
مستوى التكافؤ في الحرب، ومحور أخر يشير إلى مستوى التغطية الإعلامية لهذه الحرب
وتحتهما يندرج أربع أنواع للحروب المتكافئة، وغير المتكافئة إعلامياً وقتالياً.
في جميع الحروب، وحتى في الحروب المهنية في
الماضي، كان غرض الحرب في نهاية المطاف الوصول إلى وعي الخصم، وجعله يعترف بأنه
غير معني لمواصلتها، لكن الأدوات التي تحقق هذا الهدف كانت أولاً وقبل كل شيء
العمليات الحركية، والطريقة الحصرية كانت تحطيم معنويات جيش العدو، واحتلال أرض
دولته؛ هذه العمليات المادية كان من شأنها أن تصل إلى وعي المجتمع وتؤثر عليه؛ لأن
هذه الاحتمالات اعتبرت في الحروب غير المتكافئة غير قابلة للتحقق في نظر
المتمردين، فقد وجدوا طريقاً بديلاً: الوصول مباشرة إلى وعي المجتمع الخصم، في
المجتمع المعاصر فقط يمكن الوصول إلى وعي
المجتمع الخصم مباشرة من خلال الإعلام، الصور التي يوفرها هي الوسائل الأكثر
فاعلية لفعل ذلك؛ لذلك فإن جميع جوانب الحرب الحديثة، ومن بينها اعدادها وأهدافها
ومجرياتها ومنطقها التنفيذي يجب أن تأخذ بالحسبان اللوجستية الإعلامية يشير
الكاتب: " ميدان القتال ليس ميدانياً، إنه موجود داخل أرواح الناس، الحرب
تدور ليس في ميدان القتال، وإنما في رؤوس الناس" الحرب الجديدة أصبحت حرباً
على الوعي، حرب الروايات، وحرب الأفكار، حرب على القلوب، وعلى العقول، أو على حد
قول السير لورانس فريدمان هذه الحروب " مقررة في البعد المعرفي، وليس في
البعد المادي".
فكرة المقاومة فكرة متنوعة ومتباينة لديها
عمل حثيث على تغيير وجه المجتمع المحلي العربي الإسلامي، والسعي إلى التقليل من
تأثير الثقافة الغربية لكي يحل محلها بديلاً سياسياً وثقافياً، والطريقة هذه التي سعى من خلالها الثوار لتحقيق
هدفهم ضد إسرائيل هي تغيير شكل الحرب من المواجهة المباشرة بين جبهتين تتقاتلان في
حرب متواصلة بين مجتمعين إلى حرب تستخدم فيها عقيدة هجومية ضد الجبهة الداخلية
المدنية، والعقيدة الدفاعية ضد الجيش الإسرائيلي فالأولى تضمنت عمليات، وإطلاق
النار من سلاج أرض- أرض، واستغلال المساحة تحت الأرضية.
تكمن أهمية هذه الترجمات أنها تضع القارئ
أمام أخر مستجدات الدراسات السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي يضعها مسؤولين
سابقين في منظومة الجيش الإسرائيلي، إذ تكشف متل تلك الدراسات خبايا الحياة
السياسية والعسكرية داخل التجمع الإسرائيلي، وقراءته للمشهد الفلسطيني والعربي
والإقليمي من مراكز متخصصة في مراقبة التطورات السياسية والميدانية داخل دولة
الاحتلال والمحيط الإقليمي والدولي.