نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن صفقة بقيمة 8 ملايين جنيه إسترليني وقّعتها وزارة الدفاع البريطانية مع شركة زُعم فيما بعد أنها كانت وسيلة لتقديم مدفوعات سرية للأمير السعودي
متعب بن عبد الله.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وزارة الدفاع البريطانية دفعت ملايين الجنيهات الإسترلينية لشركة زُعم لاحقًا أنها كانت قناة لمدفوعات سرية لمسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك أحد أفراد العائلة المالكة. وقُدّمت مدفوعات وزارة الدفاع، البالغة قيمتها 8 ملايين جنيه إسترليني، بموجب عقد يحمل الاسم الرمزي "مشروع أرو" واستمر حتى سنة 2017 على الأقل، وذلك وفقًا للوثائق التي ظهرت في محاكمة جنائية. وتم توقيع العقد وسط تدافع مسؤولي وزارة الدفاع لمواصلة صفقة دفاع بقيمة 1.6 مليار جنيه إسترليني لتزويد السعوديين بمعدات اتصالات عسكرية.
وكانت تلك الصفقة، التي تسمى "سانغكوم"، في ذلك الوقت قيد التحقيق من قبل مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة الذي كان يحقق في المدفوعات للأمير السعودي متعب بن عبد الله في فترة سابقة بين سنتي 2007 و2010. كان الأمير متعب هو الذي أمر وزارة الدفاع، في خضم تحقيق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في سنة 2014، بتوقيع عقد مشروع "أرو" بقيمة 8 ملايين جنيه إسترليني مع شركة سعودية، وهي شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن، وذلك حسب ما استمعت إليه المحكمة.
اظهار أخبار متعلقة
وعلى الرغم من المخاوف بين كبار مسؤولي الدفاع بشأن العلاقة بين شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن ومتعب، وقّعت وزارة الدفاع العقد في آب/ أغسطس 2014. كان وزير الدفاع في الوقت الذي كانت فيه وزارة الدفاع تدرس ما إذا كان سيتم دفع مبالغ إلى شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن، هو فيليب هاموند، الذي أصبح فيما بعد مستشارًا في عهد تيريزا ماي. وتم إطلاع اللورد هاموند على الأمر قبل وقت قصير من اجتماعه مع متعب، رئيس الحرس الوطني السعودي آنذاك.
وبعد ثلاث سنوات، في سنة 2017، كان متعب أحد أبرز السعوديين المحتجزين في فندق ريتز كارلتون بالرياض خلال حملة التطهير التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "لمكافحة الفساد". وتم إطلاق سراحه لاحقًا بعد موافقته على تسوية بقيمة مليار دولار، على الرغم من عدم معرفة التهمة الموجهة إليه على وجه التحديد.
ظهرت الوثائق التي تكشف عن عقد وزارة الدفاع مع شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن أثناء محاكمة مديري الأعمال جيفري كوك وجون ماسون. واتهم مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة كليهما بدفع رشاوى لمسؤولين، بما في ذلك متعب، كجزء من صفقة سانغكوم خلال فترة سابقة، بين سنتي 2007 و2010.
ركزت القضية على المدفوعات التي قدمتها شركة "جي بي تي" البريطانية، والتي تعاقدت معها وزارة الدفاع لتزويد الحرس الوطني السعودي بالمعدات، الذي يديره متعب. وقامت شركة "جي بي تي" بدفع مبالغ من خلال أطراف ثالثة إلى شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن، والتي زعم مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة أنها كانت في ذلك الوقت قناة رئيسية للمدفوعات إلى متعب.
وفي سنة 2021، اعترفت شركة "جي بي تي" بالذنب في تهم الفساد ودفعت غرامات قدرها 30 مليون جنيه إسترليني. وفي يوم الأربعاء، برّأت هيئة المحلفين كوك وماسون من ارتكاب أي مخالفات فيما يتعلق بالمدفوعات. وقد قبلوا بأن المدفوعات قد تمت لكنهم قالوا إنها تمت بموافقة الحكومة. وبعد أن أطلق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة تحقيقاته في سنة 2011، تم إيقاف المدفوعات من شركة "جي بي تي". وفي محاكمة كوك وماسون، زعم محاموهما أن وزارة الدفاع فهمت أنه يجب استئناف المدفوعات للسعوديين إذا أريد لصفقة الدفاع أن تستمر.
اظهار أخبار متعلقة
وحسب الصحيفة، كشفت الوثائق المعروضة في المحكمة كيف سعى المسؤولون في الوزارة إلى إيجاد طرق لإبقاء صفقة سانغكوم على المسار الصحيح بما في ذلك المناقشات حول مشروع أرو. في 19 آذار/مارس 2014، أرسل أحد كبار مسؤولي وزارة الدفاع، العميد تيم واتس، بريدًا إلكترونيًا إلى زملائه لتحذيرهم بشأن "الكرة السريعة" التي تلقاها من السعوديين والتي توجه الوزارة للموافقة على عقد مع شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن بقيمة 8 ملايين جنيه إسترليني.
وفي رسالة البريد الإلكتروني التي تم بثها في المحكمة، قال واتس إن التعليمات الصادرة عن متعب، سيكون "من الصعب رفضها"، وعلى العكس من ذلك فهي فرصة حقيقية لبناء النفوذ والسمعة مع الشخص الوحيد الذي نريده حقًا في حكومة صاحب الجلالة.
لكن كان هناك قلق داخل القسم. كتب آلان ريتشاردسون، وهو مسؤول آخر بوزارة الدفاع، في رسالة بالبريد الإلكتروني عُرضت على المحكمة: "بينما أدرك الفرصة التي يوفرها هذا، فإننا سنحتاج إلى الوضوح المطلق بشأن التسعير لضمان عدم وجود أي اتهام، سواء كان حقيقيا أو متصورا، بأي مخالفات خاصة بالنظر إلى من يملك الشركات المعنية".
وكانت تلك إشارة إلى عائلة فستق، عائلة رجال الأعمال اللبنانيين الذين يقفون وراء شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن. وتعود علاقة عائلة فستق بالعائلة المالكة
السعودية إلى الخمسينات من القرن الماضي. وأصبح محمود، أحد أفراد عائلة فستق، لاحقا وسيطا للأمير عبد الله، نجل مؤسس السعودية، حيث قام بالترتيب للشركات الغربية لتقديم عطاءات للحصول على عقود من الحكومة السعودية. وفي المقابل، سيحصل هو وعبد الله على حصة، وذلك وفقًا لوثائق الحكومة البريطانية. وعندما توفي محمود في سنة 2006، تولى شقيقه الأصغر صلاح مسؤولية علاقة العائلة بالعائلة المالكة السعودية، وذلك حسب المحكمة.
واتهم مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة صلاح فستق في المحاكمة الأخيرة بأنه وسيط حصل على جزء من المدفوعات. وأصبح عبد الله ملكا في سنة 2005 وتولى ابنه متعب فيما بعد قيادة الحرس الوطني، وهو الدور الذي من شأنه أن يمنحه الإشراف على صفقة سانغكوم. واستمعت المحكمة إلى أن متعب أقام علاقته الخاصة مع عائلة فستق. وقال المسؤولون للمحكمة إنه بحلول الوقت الذي وافقت فيه وزارة الدفاع على صفقة أرو، كان يشتبه في أن متعب يستفيد من الفساد أو ترددت شائعات عنه. وتم إطلاع هاموند على مشروع أرو قبل لقائه بمتعب في نيسان/ أبريل 2014، وذلك حسب ما استمعت إليه المحكمة.
ولم تكن المذكرة الموجزة من بين الوثائق المعروضة على هيئة المحلفين. ومن غير الواضح على وجه التحديد ما قيل لهاموند، الذي يشغل الآن منصب عضو في مجلس اللوردات أو ما ناقشه مع الأمير السعودي علما بأنه تم الاتصال بهاموند للتعليق.
وفي اليوم السابق لاجتماع هاموند مع متعب، نصح واتس زملاءه بأن "هذا ليس شيئًا ينبغي لنا - أو يمكننا - أن نرفض قبوله إلا في الظروف القصوى". ونفى واتس في المحكمة أن يكون مشروع "أرو" قد تم إنشاؤه لتمكين دفع الأموال لأعضاء الحرس الوطني، وقال إنه كان سيشعر "بالقلق الشديد" لو تم اقتراح مثل هذه الفكرة.
ومن غير المعروف ما حدث لمتعب منذ احتجازه في فندق ريتز كارلتون سنة 2017. ورغم أن الفساد بين أفراد العائلة المالكة السعودية راسخ، إلا أن النقاد قالوا إن حملة التطهير "لمكافحة الفساد" التي اعتُقل فيها هو وآخرون كانت عبارة عن جهد خارج نطاق القضاء من قبل الأمير محمد للقضاء على المنافسين. وأثناء محاكمة كوك وماسون، وصف مارك هيوود كيه سي، محامي مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، مشروع "أرو" بأنه عقدٌ مشروعٌ للمعدات العسكرية.
وقالت الدكتورة سوزان هاولي، مديرة برنامج أضواء على الفساد إن "قرار وزارة الدفاع الواضح بالتعاقد مباشرة مع شركة سعودية في قلب التحقيق الجنائي الذي يجريه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، بناءً على طلب مباشر من المسؤول السعودي المتورط في الادعاءات، أمر صادم للغاية". ومن جهتها، لم ترد شركة البنائين العرب لخدمات الاتصالات والأمن على أسئلة الغارديان، ورفضت عائلة فستق التعليق.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)