في الوقت الذي أدت فيه حرب إسرائيل الإبادية على
غزة، وتؤدي، إلى حدوث خضات كبيرة في العالم الغربي، كان لافتاً خفوت انعكاساتها في العالمين العربي والإسلامي.
وتتصاعد ردود الفعل الشعبية الغاضبة على تلك الحرب وعلى مواقف الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية المنحازة بالمطلق إلى إسرائيل و«حقها» المزعوم في «الدفاع عن نفسها» ضد النساء والأطفال العزل المحاصرين في قطاع غزة. فمن مظاهرات شبه يومية في أبرز عواصم ومدن تلك الدول إلى تصريحات أصحاب الضمير الحي من صناع الرأي وصولاً إلى إحراق الجندي الأمريكي آرون بوشنل لنفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن وهو يصرخ: «لن أكون شريكاً في إبادة الشعب
الفلسطيني!» تتواصل ردود الفعل الغاضبة، فيما لا تخرج مظاهرات شعبية مماثلة في المدن والعواصم العربية، لأسباب ليس هذا مقام الخوض فيها.
أما في
تركيا فقد شهدت إسطنبول ومدن أخرى عدداً من المظاهرات الكبيرة تنديداً بالحرب الإسرائيلية وتضامناً مع الشعب الفلسطيني. وهذا طبيعي بالنظر إلى مكانة القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي التركي، ولدى التيارات السياسية الإسلامية واليسارية. غير أن التفاعل الحكومي الذي كان متوقعاً مع الحدث بدا فاتراً إلى حد ما، وأقل من التوقعات بالنظر إلى مواقف سابقة للحكومة التركية كلفتها قطيعة مديدة مع إسرائيل، وتصريحات نارية للرئيس أردوغان، في مناسبات عدة، أدت إلى نمو شعبية كبيرة له في العالم العربي منذ بدايات العشرية الثانية من القرن.
أما في جبهة المعارضة، وبخاصة حزبي الشعب الجمهوري و«الجيد» فقد غابت حرب غزة عن تصريحات قادتهم وحملاتهم الانتخابية غياباً تاماً،
فقد كان الموقف الرسمي التركي «متوازناً» بين إدانة قتل المدنيين الإسرائيليين وقتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في غزة. ويعزى ذلك إلى سعي القيادة التركية، في هذه الفترة، إلى ترميم علاقاتها مع دول حلف شمال الأطلسي، وبالأخص مع الإدارة الأمريكية. فقد صادق البرلمان التركي على رفع الفيتو التركي السابق على دخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي، مقابل تمرير صفقة طائرات F 16 الأمريكية في الكونغرس التي كانت عالقة فيه منذ سنوات. ومن علامات حرص القيادة التركية على ترميم علاقاتها مع واشنطن أن الشرطة فرقت، بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، مظاهرة نظمتها مبادرات مدنية للاحتجاج على الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية، أمام قاعدة إنجرليك العسكرية قرب مدينة أضنة في الجنوب.
وتعرض الموقف الرسمي التركي من الحرب على غزة لانتقادات لاذعة من أوساط التيار المحافظ، كحزب السعادة الإسلامي، وحزب المستقبل الإسلامي، وحزب الديمقراطية والتقدم المعروف اختصاراً باسم «دواء» وهي أحزاب معارضة، كما من حزب الرفاه من جديد وحزب «خودا بار» الإسلاميين اللذين تحالفا مع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في شهر أيار العام الماضي. وركزت انتقادات قادة وممثلي تلك الأحزاب على عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات عملية في مواجهة إسرائيل، وبالأخص عدم تعليق التجارة معها أو سحب السفير التركي من تل أبيب. كما انتقدت استثمار بعض مرشحي الحزب الحاكم للحرب على غزة في حملتهم الانتخابية للانتخابات المحلية الوشيكة، كحال مراد قرم المرشح لرئاسة بلدية إسطنبول الذي طلب، في إحدى جولاته الانتخابية، من الناخبين التصويت له باعتباره شكلاً من التضامن مع الشعب الفلسطيني!
أما في جبهة المعارضة، وبخاصة حزبي الشعب الجمهوري و«الجيد» فقد غابت حرب غزة عن تصريحات قادتهم وحملاتهم الانتخابية غياباً تاماً، بما يعكس هامشية القضية الفلسطينية في سلّم اهتماماتهم، مقابل تركيز كل فعالياتهم على انتقاد الحزب الحاكم.
اظهار أخبار متعلقة
وتنعكس هذه الصورة الموصوفة أعلاه على أداء الإعلام التركي أيضاً بصورة أقرب إلى الدقة، فتحتل الانتخابات المحلية صدارة اهتمامات وسائل الإعلام الموالية والمعارضة على حد سواء، تليها الأحداث المحلية وتصريحات زعماء الأحزاب السياسية، ليبقى هامش ضيق لأحداث العالم والإقليم، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على غزة أو الوضع في سوريا وليبيا وغيرها.
الانتخابات المحلية: وبالنسبة للانتخابات المحلية، استمر التحالف الوثيق بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، فتفاهما على توزيع الترشيحات في مختلف البلديات بينهما بما يعكس القوة النسبية لكل منهما في كل دائرة، مع استئثار الحزب الحاكم بترشيح مرشحيه في أهم المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة. بالمقابل فك حزب الرفاه من جديد تحالفه السابق مع «العدالة والتنمية» وتقدم بمرشحيه المستقلين في أهم المدن، بعدما ارتفعت شعبيته بصورة لافتة منذ انتخابات شهر أيار، وإن كان في المحصلة حزباً صغيراً بالقياس إلى الأحزاب الكبرى.
أما تحالف المعارضة «السداسي» فقد انفرط عقده بصورة تامة بعد فشله في الانتخابات السابقة، فتقدم حزب «الجيد» بمرشحيه المستقلين في كل المدن التي يتمتع فيها بنفوذ، حتى لو كان من غير المتوقع أن يفوز مرشحوه برئاسة أي من بلديات المدن الكبرى. أما حزب المساواة والديمقراطية (الاسم الجديد لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يحظى بأصوات قسم كبير من الناخبين الكرد) فقد تقدم بدوره بمرشحيه المستقلين في معظم المدن، بما في ذلك إسطنبول، وقد كان داعماً في الانتخابات السابقة لتحالف المعارضة من خارجه بدون اتفاق معلن.
وتحظى انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول بالاهتمام الأكبر سواء لدى الحزب الحاكم أو حزب الشعب الجمهوري، نظراً للأهمية الرمزية لها (من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا!) كما بسبب ضخامة ميزانيتها وما توفره من فرص للحزب الذي يفوز بها.
المصدر: القدس العربي