أعلن رئيس مجلس الوزراء
المصري الدكتور مصطفى مدبولي، عن مشروع تنمية منطقة
رأس الحكمة في الساحل الشمالي الغربي، بالشراكة بين مصر ودولة
الإمارات العربية
المتحدة، ووصفه بأنه أضخم صفقة
استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر.
ويتكون المشروع من شقين: الشق الأول، يمثل استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 35
مليار دولار ستدخل إلى الدولة خلال شهرين، منها الدفعة الأولى 15 مليار دولار بعد
أسبوع، ستكون مقسمة إلى 10 مليارات دولار تأتي سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة
إلى تنازل شركة أبو ظبي التنموية القابضة عن جزء من الودائع الموجودة في البنك
المركزي بـ11 مليار دولار، وسيتم تحويل الدفعة الأولى بـ5 مليارات دولار من دولار
إلى جنيه مصري من أجل أن تستخدمها شركة أبوظبي التنموية وشركة المشروع في إنشائه. ثم
تعقبها الدفعة الثانية 20 مليار دولار بعد شهرين، هي عبارة عن 14 مليارا سيولة
ستأتي مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقي من الودائع وهو 6 مليارات دولار، وهو
يعني 24 مليارا سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليارا موجودة كودائع وسيتم تحويلها
في البنك المركزي بالجنيه المصري، تستخدمها الشركة في المشروع.
وأشار مدبولي إلى طبيعة المشروع، وأنه من خلاله تقوم الدولة بتخصيص أرض
للمطور وتأخذ الدولة مقابل الأرض مقدما نقديا، أيضا يكون لها حصة من أرباح المشروع
من أجل تعظيم أصول الدولة.
في رأينا أن هذه الصفقة رغم ما قيل عن مزاياها فإنها مزايا لا تتعدي المسكنات، فهذه الأموال لن تبقى طويلا وسوف تتبخر كغيرها من عشرات المليارات التي دخلت للحكومة ولا يعرف أحد نتاجا لها سوى مزيد من التورط في الديون.
إن هذه الأموال موجهة بالأساس لمشروع خدمي ترفي، فلن ينتج عنها إنتاج حقيقي يعزز الصادرات ويرشد الواردات
ويتضمن المشروع تأسيس شركة رأس الحكمة كشركة مساهمة مصرية، وستتضمن إقامة
فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنتجعات سياحية ومنطقة المال والأعمال، وإنشاء مطار دولي
جنوب المدينة، ومارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية، لافتا إلى أنه ستكون
هناك تنمية متكاملة في كل المجالات وستستقطب نحو 8 ملايين سائح متوقع.
كما أشار كذلك إلى وجود تدفق أموال من الجانب الإماراتي بما لا يقل عن 150
مليار دولار، طوال مدة تنفيذ المشروع، وأن مساحة مدينة رأس الحكمة تصل إلى 170
مليون متر مربع (40600 فدان)، وأن المشروع يأتي في إطار مخطط التنمية العمرانية
لمصر عام 2052، بتنمية مجتمعات عمرانية متكاملة منها: العلمين، ورأس الحكمة، والنجيلة،
وسيدي براني، وجرجوب، كمدن جديدة تمكن تنميتها بالإضافة إلى تنمية مطروح والسلوم
حتى تكون لدينا سلسلة من المدن الجديدة الذكية؛ فيها بنية أساسية مطورة تستوعب
ملايين السكان وتخلق ملايين من فرص العمل للشباب المصري.
وقد طرحت هذه الصفقة تساؤلات ما بين مؤيد معارض لها، فيرى رئيس الوزراء
والمصري وغيره أنها الحل لمشكلة السيولة الدولارية الموجودة في مصر، وكبح جماح
التضخم، وفتح المجال لتشغيل شركات المقاولات والتطوير العقاري المصرية والشركات
اللوجستية والمصانع التي يبرز دورها في توفير المواد الخام والتشييد والبناء
وتشغيله، فضلا عن توفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط السياحة،
وتعظيم شراكة القطاع الخاص، وزيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة.
وفي رأينا أن هذه الصفقة رغم ما قيل عن مزاياها فإنها مزايا لا تتعدي
المسكنات، فهذه الأموال لن تبقى طويلا وسوف تتبخر كغيرها من عشرات المليارات التي
دخلت للحكومة ولا يعرف أحد نتاجا لها سوى مزيد من التورط في الديون.
إن هذه الأموال موجهة بالأساس لمشروع خدمي ترفي، فلن ينتج عنها إنتاج
حقيقي يعزز الصادرات ويرشد الواردات، والأمل في تنشيط السياحة أمل لا يرقي للوجود
في ظل معالمنا السياحية الحالية الكبيرة وفشلنا الذريع في تسويقها، كما أن هذا
المشروع لا يمس حياة الطبقة العظمى في مصر، وهو مخصص لترسيخ الطبقية المقيتة
للمترفين ولن يستفيد منه إلا المستثمر الإماراتي الذي سيكون له شاة حلوبا يستفيد
من حلبها ويترك لأهل البلد روثها، كما أنه يفتح الباب كذلك لاقتصادات الحرام وغسل
الأموال.
أخشى ما أخشاه أن تكون صفقة رأس الحكمة هي صفقة القرن الصغرى رغم وصفها بأنها أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، ثم تليها صفقة القرن الكبرى بالتخلي عن جزء من سيناء لتوطين أهل غزة مقابل إغداق وإغراء مالي من صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية وخليجية، لا سيما في ظل التصريحات المتوالية التي تتجه هذا الاتجاه والتي ظاهرها الرفض وباطنها القبول
إن الحكومة وإن كانت ستنخفض ديونها بقدر 11 مليار دولار، من الودائع الإماراتية
لديها، فضلا عن توفير سيولة لديها تمكنها من تعويم جزئي جديد للجنيه المصري، فإن
هذا الأمر لن يكون سوى تغذية اضطرارية خلال فترة معينة بعدها ينتقل
الاقتصاد إلى
أزمة أكبر، وتحتاج الحكومة للبحث عن بيع أصول جديدة كما باعت تيران وصنافير من
قبل.
إن قرار صفقة رأس الحكمة جانبتها الحكمة، فهي صفقة باختصار تمثل تهديدا
للأمن القومي المصري، فلا يمكن للدولة أن تترك تلك المساحة مستباحة لدولة أخرى تحت
اسم الشراكة وهي في حقيقتها تخلٍ عن الأرض بالتخصيص والإدارة بعد ذلك بما لهذا
المشروع من حماية، ليكون دولة داخل الدولة.
إن التاريخ يثبت أنه ما أسقط الدول والإمبراطوريات إلا الديون ومنح
الامتيازات للأجانب، وليس ببعيد عنا ما حدث للإمبراطورية العثمانية نتيجة ذلك؛ وهي
التي حكمت في ثلاث قارات لأكثر من ستة قرون، فضلا عما حدث لمصر بسفه ديون الخديوي
إسماعيل.
ونحن لسنا ضد الاستثمار الأجنبي، بل نحن معه وفق المصالح المتبادلة بأن
يكون استثمارا حقيقيا يتم به تعزيز ميزان المدفوعات وتلبية حاجة الداخل من السلع
والخدمات ونقل التقنية الحديثة وتشغيل العمالة.
وأخشى ما أخشاه أن تكون صفقة رأس الحكمة هي صفقة القرن الصغرى رغم وصفها
بأنها أضخم صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، ثم تليها صفقة القرن الكبرى بالتخلي
عن جزء من سيناء لتوطين أهل غزة مقابل إغداق وإغراء مالي من صندوق النقد الدولي
والولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية وخليجية، لا سيما في ظل التصريحات
المتوالية التي تتجه هذا الاتجاه والتي ظاهرها الرفض وباطنها القبول. ومع ذلك، فإن
من سوف يسقط هذا الخيار هم أهل غزة أنفسهم بإيمانهم بقضيتهم وثباتهم في أرضهم.
twitter.com/drdawaba