بعد إعلان رئيس وزراء
مصر مصطفى مدبولي الجمعة الماضي، عن بيع واستثمار مدينة "رأس الحكمة" في الساحل الشمالي الغربي لمصر إلى الإمارات، يتواصل الإعلان عن بيع أراض مصرية جديدة بمواقع استراتيجية، والتفريط في أصول هامة تتعلق بالأمن القومي، ومن ذلك منح جميع المطارات المدنية لإدارات أجنبية.
وفي مقابلة مع قناة "CNBC عربية"، الاثنين، قال وزير الطيران المدني المصري محمد عباس حلمي، إن مصر ستعلن قريبا عن مزايدة عالمية لإدارة وتشغيل المطارات المصرية، مشيرا إلى أن الطرح سيتضمن كل المطارات بما في ذلك مطار
القاهرة الدولي.
وفي مصر نحو 17 مطارا مدنيا دوليا، هي: "القاهرة" بالعاصمة المصرية، و"سفنكس" بالجيزة، و"برج العرب" بالإسكندرية، و"مرسى مطروح" شمال غرب، و"شرم الشيخ" و"طابا" و"سانت كاترين" بجنوب سيناء، و"العريش" و"البردويل" بشمال سيناء، و"الغردقة" و"مرسى علم" بالبحر الأحمر، و"أسيوط" و"الأقصر" و"سوهاج" و"أسوان" بصعيد مصر، و"العلمين" بمرسى مطروح، و"العاصمة الإدارية".
بجانب نحو 15 مطارا مدنيا داخليا، مثل: "حلوان" و"ألماظة" بالقاهرة، "إمبابة" و"السادس من أكتوبر "بالجيزة، و"شرق العوينات" بالصحراء الغربية، و"أبوسمبل" جنوب مصر، و"الجورة" بشمال سيناء، و"الطور" و"النقب" بجنوب سيناء، و"بورسعيد" شمال شرق، و"الوادي الجديد" و"الداخلة" و"الخارجة" بالصحراء الغربية، و"رأس غارب" و"أبو رديس" بالبحر الأحمر.
وكان رئيس الوزراء مدبولي، قد أعلن في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن توجه حكومته لطرح إدارة وتشغيل قطاع الطيران المدني أمام القطاع الخاص.
"رأس جميلة"
وفي السياق، كشف وزير قطاع الأعمال المصري محمود عصمت، لمواقع محلية، عن اختيار مكتب استشاري عالمي لوضع التصميم اللازم استعدادا لطرح أرض منطقة "رأس جميلة" بمدينة شرم الشيخ جنوب سيناء للاستثمار على مساحة 820 ألف متر، وهى الأرض التي جرى الإعلان قبل أيام عن رغبة سعودية في تملكها مقابل 15 مليار دولار.
ووفق موقع "القاهرة 24"، الاثنين، فإن الوزير أشار إلى أنه لم تُقدم عروض استثمارية حتى الآن للمشروع الذي يتضمن إقامة فندق 5 نجوم بمساحة 403 آلاف و615 مترا مربعا، وفندقا 4 نجوم بطاقة استيعابية 844 غرفة، مع 1288 شقة فندقية.
"رأس جميلة" ذات موقع استراتيجي، كونها آخر قطعة أرض تطل على البحر الأحمر بمدينة شرم الشيخ، كما أنها ملاصقة لمطار المدينة الشهير، وتطل أيضا على جزيرتي "تيران وصنافير"، اللتين حصلت عليهما السعودية في نيسان/ أبريل 2016، في صفقة ترسيم للحدود البحرية أثارت الجدل وغضب المصريين.
وبحسب ما نقلته صحيفة "المصري اليوم" المحلية، الاثنين الماضي، عن مصادر حكومية، فإنه تم تشكيل لجنة من عدة وزارات لطرح الأراضي الجديدة للاستثمار، تشمل أماكن سياحية مميزة مطلة على البحر الأحمر وجزرا شاطئية ومناطق من الغردقة حتى مرسى علم، سبق لمستثمرين -خليجيين- طلب الاستثمار فيها.
وأوضحت الصحيفة أن الصندوقين السعودي والقطري للاستثمار يدخلان بقوة بعروض للاستثمار في المناطق الجديدة، في الوقت الذي تبحث فيه الإمارات عن المزيد من الاستثمار في الموانئ ومنطقة البحر المتوسط.
"تتابع مثير"
وسبق الحديث عن تطوير "رأس جميلة"، وفي "صفقة تاريخية"، وفق تعبير رئيس وزراء مصر، توقيع مصر والإمارات الجمعة، عقد بيع واستثمار مدينة "رأس الحكمة" على ساحل مصر الشمالي الغربي بقيمة استثمار إجمالي تبلغ 150 مليار دولار.
الصفقة المثيرة للجدل، تأتي مقابل 35 مليار دولار تسددها أبوظبي للقاهرة خلال شهرين، بدفعة أولى 15 مليار دولار تسدد بعد أسبوع، ودفعة ثانية 20 مليار دولار تسدد بعد شهرين مع إسقاط ودائع قيمتها 11 مليار دولار مستحقة للإمارات، 5 منها بالدفعة الأولى، و6 بالدفعة الثانية.
وفي بيع لأراضي مصرية أخرى، خصصت مصر في 22 شباط/ فبراير الجاري، قطعة أرض بمنطقة "حدائق الأندلس" بالقاهرة الجديدة على الطريق الأوسطي تبلغ 665 ألف متر لشركة "يو دي سي" الإماراتية للتطوير العقاري، التابعة لمجموعة محمد عمر بن حيدر القابضة الذي يستثمر في مصر للمرة الأولى، لإقامة مشروع عمراني باستثمارات تتجاوز الـ60 مليار جنيه، على أن يتم الدفع بالدولار.
وفي اليوم ذاته تم تخصيص قطعة أرض لمشروع طبي عمراني في مدينة الشروق بـ300 مليون دولار لشركة "إن إتش إم سي مصر" للخدمات الطبية - الذراع المحلية لشركة "إن إتش إم سي" العالمية للرعاية الصحية والتمويل والتكنولوجيا - ومقرها لندن، على أن يتم سداد قيمة الأرض بالدولار.
خبراء وأكاديميون مصريون قدموا في حديثهم لـ"عربي21"، قراءتهم حول أنباء طرح وتشغيل أكثر من 30 مطارا مصريا دوليا وداخليا، على إدارات أجنبية، وأجابوا عن التساؤلات المطروحة حول ما إذا كانت مزايدة إدارة المطارات المصرية تعني بيعها.
وتطرقوا إلى الحديث عن مدى اعتبار ذلك القرار غير معيب اقتصاديا وتلجأ له دول عديدة لتنمية أصولها وإدارتها بطريقة أفضل، لكنهم في الوقت ذاته أعربوا عن مخاوفهم من الفشل المحتمل خاصة أن التجارب المماثلة لإدارة الأصول المصرية من قبل شركات عالمية لم تحقق نجاحا ملموسا.
"تغلغل سياسي واقتصادي"
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبدالشافي، قال إنه "من الناحية الاقتصادية فهذا القرار غير معيب؛ لأن هناك عشرات الدول تلجأ إلى شركات وإدارات دولية لإدارة مطاراتها، وبالتالي فالأمر ليس فيه إشكالية من الناحية الاقتصادية والإدارية".
مدير "المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية"، أضاف لـ"عربي21": "ولدينا سوابق مهمة لمشروعات كثيرة حول العالم، بما فيها بدول متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها التي توقع أحيانا اتفاقيات دولية مماثلة، مثل اليونان التي وقعت اتفاقية مع الصين لتطوير بعض مطاراتها".
ولكن عبدالشافي، يرى أن "الإشكال هو أن هذه الدول تسعى بالأساس لتحسين الإدارة ورفع الكفاءة الفعلية؛ ولكن الأمر في الحالة المصرية الآن هو مصدر من مصادر التغلغل السياسي والاقتصادي للدول التي يتم الاتفاق معها".
وأوضح أن ذلك "يجري في إطار أن هذا النظام يعاني أزمة اقتصادية حقيقية، وبالتالي يتم توزيع المشروعات كنوع من أنواع الابتزاز السياسي، وأيضا التنازل عن الأصول الأساسية في أهم المرافق التي تمتع بها الدولة".
مؤسس ورئيس "أكاديمية العلاقات الدولية"، قال إن "الحديث عن الإدارة من وجهة نظري لن تكون ناجحة في مطار القاهرة مثلا، لأن نجاح الإدارة يرتبط بالعديد من الإجراءات ويتطلب ممارسات أقلها شفافية المعلومات، وسيادة القانون، والنزاهة، وتجفيف منابع الفساد الإداري والمهني بهذه الشركات".
وأكد أن ذلك شرط أساسي، "لتتمكن الشركات الدولية من إدارة المطارات وتعمل ببيئة صحية، وهو ما لن يتوفر في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية على عملية صنع القرار، وعلى كل المشروعات الاقتصادية والتجارية والإدارية".
"إرضاء للمملكة"
وفي رؤيته، لملف طرح "رأس جميلة" الآن، يرى عبدالشافي، أن "طرح رأس جميلة على السعودية هو إرضا للمملكة، لأنه بمجرد الإعلان عن توقيع اتفاق رأس الحكمة مع الإمارات فقد بدأت وسائل إعلام النظام تتحدث مباشرة عن أن هناك مشروعا عملاقا في مكان أكبر وأهم، وأنه سيكون هناك صفقة أكبر وأعظم، كأنها محاولة لاحتواء الغضب السعودي من التغلغل الإماراتي في المرافق المصرية".
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة صقاريا، أن "الأمر هنا ليس من باب الاستثمار الجيد المدروس المخطط له؛ ولكن من باب أن هذا النظام يدفع ضريبة للأطراف التي ساندت انقلابه عام 2013، فالإمارات والسعودية و’إسرائيل’ أهم ثلاثة أطراف في الانقلاب، وأكثر الدول التي يدين لها بالتبعية في سياساته الخارجية، وأكثر الدول التي يحتاج الآن لدعمها وتمويلها للخروج من أزماته وعثراته الاقتصادية؛ ولهذا يقوم بتوزيع هذه الأراضي والثروات".
ولفت إلى أن "السعودية حصلت في نيسان/ أبريل 2016، على جزيرتي تيران وصنافير من مصر، وفي 2017 أعلنت عن مشروع (نيوم)، ومن بين المشروعات التي تحدثت عنها في (نيوم) شمالي شبه جزيرة سيناء، وتطوير المنطقة الشرقية منها، كما أن رأس جميلة من أهم المناطق السياحية بشرم الشيخ وقريبة من مطار المدينة، ومن محمية رأس محمد".
وأشار إلى حجم استفادة السعودية من تلك الصفقة مؤكدا أنه "عندما تسيطر السعودية على رأس جميلة، فهي تسيطر على شرق جزيرتي تيران وصنافير وعلى الجزيرتين وغربي الجزيرتين، وكأنها تتحكم في مدخل خليج العقبة بالكامل جنوب شرق سيناء".
ولكن، ماذا لو حصلت السعودية على "رأس جميلة"؟ هل سيتم عقد مقاصة للودائع السعودية لدى البنك المركزي المصري والبالغة نحو 10.3 مليار دولار، كما نفذت الإمارات في صفقة رأس الحكمة؟
وهنا قال عبدالشافي: "وارد جدا؛ لأن هذا حدث بالفعل في صفقة رأس الحكمة، وفق ما ذكرته الإمارات حول بنود الصفقة بأنها قامت بمقاصة لنحو 11 مليار دولار ديون أو ودائع لدى البنك المركزي، والسعودية ستطبق نفس المبدأ".
وألمح إلى أن "هناك درجة عالية من درجات عدم الثقة في هذا النظام، ودرجة من درجات عدم الثقة في قدرته على الوفاء بالديون المستحقة عليه أو الودائع لدى البنك المركزي، وبالتالي تتجه الدول الدائنة لهذا النظام للحصول على أصول مقابل الديون، تتحكم فيها وتديرها وتتحكم في مواردها".
وأضاف: "هي ترى أن هذه الديون أو الودائع مفقودة ومعدومة وبالتالي بدأ التفكير في وضع اليد مباشرة على أصول الدولة المصرية، سواء بالتحكم والسيطرة على الموانئ أو الجزر، ووصلنا الآن لمرحلة التحكم بالمطارات تحت مظلة الإدارة، ثم انتقلنا إلى توسيع نفوذ الإمارات لتهيمن على ساحل البحر المتوسط، والسعودية تسعى للسيطرة على ساحل البحر الأحمر".
وأكد أن "الملف ليس فقط ذا أبعاد اقتصادية ولكن به أبعاد سياسية شديدة الهيمنة والخطورة؛ الإمارات بسيطرتها على الساحل الشمال الغربي المطل على المتوسط تكون قريبة من إدارة الملف الليبي، ومن إدارة تحالفاتها مع قبرص واليونان وإيطاليا، بمواجهة تركيا رغم التعاون التجاري بين الدولتين".
وختم بالقول: "والسعودية تريد الهيمنة على البحر الأحمر والتحكم في مداخله؛ وكل ذلك على حساب الدولة المصرية التي ترى فيها دول إقليمية عائقا تاريخيا وحضاريا وثقافيا على هيمنتها على عملية صنع القرار في الوطن العربي".
"خطة إغراق مصر"
وفي قراءته لملفي طرح مطارات مصر على إدارات أجنبية واستمرار التفريط في الأراضي الاستراتيجية، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين: "يبدو أننا دخلنا مرحلة عصيبة جدا، والآن نحن أمام مرحلة احتلال عسكري شديد جدا؛ فلا يوجد دولة تفعل ما يحدث في مصر الآن، من بيع كامل للأصول بدعوى التطوير والاستثمار والخصخصة".
أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الدول التي تحترم نفسها لا تفعل ذلك، وأكبر مثال هو الإمارات عندما أرادت موانئ دبي إدارة 6 موانئ أمريكية عام 2006، قابلها الكونغرس الأمريكي بالرفض لمخاطر على الأمن القومي".
وأضاف: "أما عندنا فتباع قطعة وراء قطعة، والآن لن يكون لك سيادة على بلدك لأن هذه من الأمور السيادية".
حصول الإمارات على "رأس الحكمة"، واحتمالات حصول السعودية على "رأس جميلة"، بحسب رؤية شاهين، "أبدا لا يبني اقتصادا"، مبينا أن "بناء أي اقتصاد بمعادلة بسيطة هو الإنتاج، خاصة الإنتاج السلعي وليس الخدمي والسياحي، فلدينا عجز مزمن بميزان المدفوعات، من الناحية السلعية مثل القمح والأرز والسلع الأساسية التي يحتاجها المواطن".
وختم بالقول: "
السيسي ينفذ خطة لإغراق مصر؛ وهذا هو الواقع أمام أعيننا وحذرنا منه طوال 10 سنوات، ولم يعد لنا صوت يصل ولا أحد يسمع بعدما أوضحنا كل شيء، والشعب عاجز تماما مقابل فئة مجرمة فئة المصالح والمرتزقة"، متوقعا أن "ينهب مقابل تلك الصفقات من أموال كما نهب غيرها من قبل".
"العسكر وصفة فشل وخراب"
ووجه الصحفي المصري جمال سلطان، الانتقادات لقرارات التفريط في الأصول المصرية، قائلا: "الجيش الذي كنا نعتقد أنه يحمي الأرض والمقدرات هو الذي يتولى بيعها اليوم".
وأضاف: "مصر التي بنت أول مطار مدني بالمنطقة، وعرفت أول طائرة مدنية وأول طيار عربي، والتي يملأ خبراؤها العالم، والأكثر من 110 ملايين إنسان، يقول حكامها العسكر الفشلة إنهم عاجزون عن إدارة مطاراتها، فيقررون بيعها بالكامل لشركات أجنبية تديرها وتشرف عليها".
وطرح التساؤل: "ما الإنجاز في أنك تبيع أرض الوطن قطعة قطعة لتعويض فشلك في الإدارة والإنتاج، وتنفق على الخراب الذي تسببت فيه وتسدد الديون التي ورطت البلد فيها؟ ما الإنجاز في أنك تأتي بأجانب ليديروا مطارات البلد ومنشآتها؟ ما الحاجة لوجودك أساسا ومنحك كل تلك السلطات؟".