حكومة
الحرب
الإسرائيلية تتجه سريعا نحو قمة الجنون عبر الاستعداد لقصف واجتياح مدينة
رفح التي تحتضن نحو مليون ونصف المليون فلسطيني حاليا، وهناك عنصران ضاغطان بشدة
على تلك الحكومة ورئيسها نتنياهو نحو هذا الجنون، أولهما مفاوضات الهدنة الجارية
حاليا وأحدث جولاتها في القاهرة، وثانيهما قرب انتهاء المهلة التي حددتها محكمة
العدل الدولية لها لتقديم تقرير عن مدى التزامها بالإجراءات التي طلبتها المحكمة
لحماية المدنيين الفلسطينيين وتجنب الإبادة الإنسانية، والسماح بدخول مواد
الإغاثة.
تريد
حكومة الحرب الإسرائيلية تحقيق صورة نصر على الأرض أو انتقام واسع يشفي غليلها قبل
إعلان الهدنة التي قد تتطور تحت الضغط إلى وقف دائم للعدوان؛ لم تحقق تلك الحكومة
حتى الآن أهدافها المعلنة، وهي تدمير قدرات حماس العسكرية، وحرمانها من أي دور
سياسي مستقبلي في قطاع
غزة، وتحرير الأسرى الإسرائيليين.
عنصر الوقت حتى الآن ليس في صالحها، فلقد راهنت عليه لينتهي مخزون حماس التسليحي، وكتائبها العسكرية، لكن حماس ومعها فصائل المقاومة الأخرى لا تزال ترشق العمق الإسرائيلي بالصواريخ، ولا تزال تخوض مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال في شمال غزة ووسطها وجنوبها، بل إن الحياة تعود تدريجيا في شمال القطاع الذي ادعى جيش الاحتلال السيطرة التامة عليه
وعنصر
الوقت حتى الآن ليس في صالحها، فلقد راهنت عليه لينتهي مخزون حماس التسليحي،
وكتائبها العسكرية، لكن حماس ومعها فصائل المقاومة الأخرى لا تزال ترشق العمق
الإسرائيلي بالصواريخ، ولا تزال تخوض مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال في شمال غزة
ووسطها وجنوبها، بل إن الحياة تعود تدريجيا في شمال القطاع الذي ادعى جيش الاحتلال
السيطرة التامة عليه، وكان من مظاهر تلك العودة ظهور قوات شرطة فلسطينية تابعة
لحماس، وتأدية صلاة الجمعة الماضية في مخيم جباليا وغيره.
الجنون
الإسرائيلي سينفجر هذه المرة في رفح المكتظة بأهلها وبالنازحين إليها، وقد أمر
نتنياهو الجيش بالتحضير لإخلاء المدينة من المدنيين، وبدء عملية عسكرية للقضاء على
كتائب القسام التي يزعم تركزها الآن في تلك المنطقة، ورغم أنه لم يحدد موعدا لهذه
العملية إلا أن التقديرات تشير إلى أنها ستكون خلال أيام قليلة.
تستهدف
العملية العسكرية المرتقبة إيقاع خسائر مروعة، غير مسبوقة، تجبر الفلسطينيين على
الهرب إلى سيناء، وهي الخطة التي رسمها نتنياهو وحكومته منذ بداية العدوان رغم
معارضة الفلسطينيين والمصريين لها.. سيناريو واحد ظهر بصيغ مختلفة خلال الأيام
الماضية لتنفيذ خطة التهجير؛ من خلال توجيه ضربات مكثفة توقع عددا ضخما من الشهداء
(نظرا لحجم الاكتظاظ الكبير فإن من المتوقع أن صاروخا أو قذيفة واحدة يمكن أن توقع
في المرة الواحدة عددا من الضحايا يساوي ما وقع منذ بداية العدوان)، ثم توجيه
ضربات للجدار الحدودي لفتح ثغرات تمكن الفلسطينيين من الهرب إلى
مصر التي لن
تستطيع في هذه الحالة ردهم إلى الجحيم.
البعض
يرى أن تلويح جيش الاحتلال بهذه العملية الجديدة مجرد تهديد لدفع حماس لتقديم تنازلات
في جولة المفاوضات الجديدة؛ بعد أن قدمت خلال الأسبوع الماضي ردها على مقترحات اتفاق
باريس، وكان ردها قويا لم يتنازل عما أعلنته منذ البداية، وهو ضرورة أن تنتهي أي
هدنة مؤقتة بوقف دائم للعدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، والسماح للمهجرين
بالعودة إلى مناطقهم، بينما تريد حكومة الكيان الخروج
المشكلة الآن لدى مصر أنها ستجد نفسها مضطرة إلى الدخول في مواجهة عسكرية حتمية مع الكيان في حال إصراره على تنفيذ خطته، وحال التحرك عسكريا في محور فيلادلفيا، الذي أعلنته مصر خطا أحمر
من جولة المفاوضات بما
يمكنها اعتباره انتصارا بإطلاق سراح أسراها، وهو أحد الأهداف المعلنة لها، وستضيف
إليه مزاعمها بقتل النسبة الأكبر من عناصر كتائب القسام، وتحطيم الأنفاق.. إلخ،
لترسم في النهاية صورة نصر زائف أمام جمهورها، وهو ما تحرمها منه المقاومة حتى
الآن.
المشكلة
الآن لدى مصر أنها ستجد نفسها مضطرة إلى الدخول في مواجهة عسكرية حتمية مع الكيان في
حال إصراره على تنفيذ خطته، وحال التحرك عسكريا في محور فيلادلفيا، الذي أعلنته
مصر خطا أحمر. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن مصر هددت بتعليق اتفاق
السلام مع الكيان في حال اجتياح قواته لمدينة رفح والتسبب في هجرة الفلسطينيين إلى
أراضيها، كما أنها عززت حضورها العسكري في منطقة الحدود بنحو 40 دبابة وناقلة جند،
وأجهزة رؤية ليلية.
الحرب
ليست الخيار الأمثل لنظام السيسي الذي يدرك فضل الكيان الصهيوني عليه شخصيا، والذي
يدرك أيضا ضعف جبهته الداخلية نتيجة سياساته القمعية لجميع التيارات الوطنية، ولكن
أنباء صحفية أشارت إلى حدوث تباين في الرأي داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة،
بين من يرون معالجة الهياج الإسرائيلي عبر العمل السياسي ومن يرون ضرورة المواجهة
العسكرية عند اللزوم. ومن الواضح أن تلويح مصر بورقة اتفاقية السلام هو الموقف
الأكثر جدية حتى الآن من مصر تجاه الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة، وقد سبق أن
اخترقت قوات الاحتلال الحدود المصرية من قبل أكثر من مرة واشتبكت مع عناصر عسكرية
مصرية.
اتفاقية
السلام إذن على المحك لأول مرة منذ توقيعها في آذار/ مارس 1979، ورغم الانتقادات
الكبيرة لهذه الاتفاقية من القوى الوطنية المصرية منذ توقيعها، ورغم أن مصر
الرسمية حافظت على احترامها لتلك المعاهدة، إلا أن الكيان الصهيوني اخترق تلك
الاتفاقية مرات عديدة من قبل، وتساهلت مصر مع تلك الاختراقات حتى تتجنب المواجهة العسكرية.
إعلان مصر أن ممر فيلادلفيا خط أحمر وإن جاء متأخرا زمانا ومكانا (كان ينبغي أن يكون الخط الأحمر هو خان يونس منذ بداية العدوان)، إلا أنه أصبح يمثل التزاما عسكريا في رقبة النظام أمام المصريين الذين أغضبتهم الانتهاكات الإسرائيلية السابقة للحدود المصرية منذ بدء العدوان على قطاع غزة،
تنص
الاتفاقية في مادتها الثالثة على ضرورة احترام كل من الطرفين لسيادة الطرف الآخر
وسلامة أراضيه، واستقلاله السياسي، والامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو
استخدامها -أحدهما ضد الآخر- على نحو مباشر أو غير مباشر، وتعهد كل طرف بعدم صدور
فعل من أفعال الحرب، أو الأفعال العدوانية، أو أفعال العنف، أو التهديد بها من
داخل إقليمه، أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه، ضد السكان أو
المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر، والامتناع عن التنظيم أو التحريض أو
المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب، أو الأفعال العدوانية، أو النشاط
الهدام أو أفعال العنف لمواجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. وليس خافيا الآن مدى
الاختراق الإسرائيلي العمدي لهذا البند وغيره.
إعلان
مصر أن ممر فيلادلفيا خط أحمر وإن جاء متأخرا زمانا ومكانا (كان ينبغي أن يكون
الخط الأحمر هو خان يونس منذ بداية العدوان)، إلا أنه أصبح يمثل التزاما عسكريا في
رقبة النظام أمام المصريين الذين أغضبتهم الانتهاكات الإسرائيلية السابقة للحدود
المصرية منذ بدء العدوان على قطاع غزة، والذين يرزحون تحت وطأة أوضاع اقتصادية
بالغة الصعوبة؛ لكنها لا تصرف اهتمامهم عن أمن وسيادة وطنهم، ولا عن مناصرة
أشقائهم في قطاع غزة.
twitter.com/kotbelaraby