الرأي والرأي الآخر:
تتباين الآراء وتختلف وتتخالف،
فتبنى المواقف في الفكر والرأي في السياسة والمعاملات في الحياة تقاربا وتباعدا،
ولكل رأي مؤيد ولكل فكر من يحمله وللأحزاب في رؤيتها مواقف، كما الدول وقادتها
ويعبر كل حسب ثقافته عن التأييد..
الأمر طبيعي في هذا، فالمشاعر مهما كانت سلطة المنظومة العقلية لها تأثير يتباين وفق الظرفية التي تكشف
عن إمكانية التعبير عنها وأسلوب التعبير ومدى الكلفة المادية والمعنوية لهذا
التعبير، وما يترتب على درجة إظهار تلك المشاعر وكبتها أو تغطيتها أو دفنها في أعماق
النفس؛ إن كانت مستحيلة عرفا أو تضر وإن كانت صادقة. هذه الدرجات لا تعتمد على
العقلية والنفسية وإنما على الظروف المحيطة بالإنسان سواء التعبير بالحب أو
الكراهية أو الانتقاد للسلوك، وغالبا ما تكون الأمور المتعلقة بالأقطار والسلطات أخطر
على المجتمع.
والسلوكيات الفردية تحددها العادات
والتقاليد ومعاني قيمية كالكرم والفضيلة، وهذا ما يراعيه الإنسان للمجتمع وإن
تعرضت تلك الاعتبارات للاختراق عنده بفيض المشاعر، فستكون لها تبعات وفق النظام
والقانون الفاعل، وهنا تقيّم درجة النضج في الأفراد والدول في ضبط النفس وتلافي العقبات
أو رد الفعل على النقد أو الانتقاد.
هؤلاء الناس عندما يعبرون فهم يعبرون
عن ذاتهم في متعدد الأحوال التي ذكرناها، وإن كانت تغطية المشاعر عادة أمرا وقتيا
وقد تكون خادعة لتظهر بتسارع وعنف أحيانا، وهذا غالبا يكون بين الجمهور والسلطة،
لكن الأشد منه تأثيرا انفجاريا هو دفن المشاعر وهذا الغالب في مجتمعنا عندما يكون
ضغط وخوف من تبعات وعرف ومن
ما نراه اليوم أمر مختلف جدا، هنالك أناس يبيعون ولاءهم من أجل المال ويقومون باستحضار العجل المقدس المنزه وهو ملؤه أوزارا لا تحصى؛ لا يظهرون للحوار بل لتبيض الأسود والسب والشتم للمخالف، وإبداء الإعجاب بكل ما يقوله المالك المعطي لهم من مال أو جاه
سلطة معمرة توارثت طغيانها الأجيال، وإن اختلف وتعدد
القائمون عليها كما في نظم الدكتاتوريات العسكرية والتي غالبا تخلت عن قيافة
العسكر واحتفظت بأسلوب تفكيره.
الذباب الإلكتروني:
هؤلاء الناس بدأوا يعبرون عن مشاعرهم
مع ظهور وسائل التواصل، حتى المدفونة منها بدأت تتسرب بحماية الأسماء المستعارة
وأمان الحسابات وسريتها وتشفيرها أحيانا.. ويتحاور المختلفون، يعدل البعض من رأيه،
ويمكن أن يفهم المخالف، واستطاع البعض أن يوصل مشاعره عن بعد دون حصول أي سلبية من
التي تتحدث عن المواجهة أو التقارب بما يؤثر على العلاقات والأعراف، ونذهب بعيدا
بخلاف عشائري أو تشابك بالأيدي في أهون الأحوال من خلال هذا الابتعاد وربما جهل
المتكلمين بعمر ومكان بعضهما، وهذا لا يفرض التزام المواجهة بما يظهر من رد الفعل إلى
أن تهدأ المشاعر وتعود الحياة عند هؤلاء المتحاورين إلى طبيعتها.
سيدي الخير كله ومن
يخالف سيدي الشر كله:
بيد أن ما نراه اليوم أمر مختلف
جدا، هنالك أناس يبيعون ولاءهم من أجل المال ويقومون باستحضار العجل المقدس المنزه
وهو ملؤه أوزارا لا تحصى؛ لا يظهرون للحوار بل لتبيض الأسود والسب والشتم للمخالف،
وإبداء الإعجاب بكل ما يقوله المالك المعطي لهم من مال أو جاه.
سُمّوا ذبابا لإزعاجهم، واستغلالهم
نعمة لا فضل لنا فيها لتشويهها وتشويه قراءة المستوى الثقافي وأهلية نخب المنطقة
التي غالبا تلوذ بالصمت مع الغوغائية وتدني المستوى السلوكي في منطق هؤلاء، وبشكل
منظومة تُقاد وتُوجَه من مراكز وأشخاص يعطون الإشارة فيمتلئ الجو بطنين ودندنة في ساحة
التواصل الاجتماعي، فأي عمل من السيد يتزين ويتبهرج، وأي عمل مهما كان عظيما من
مخالفه فهو شر مطلق.
هم لا يحبون من يعملون
عنده:
هم لا يعملون للبلد ولا للحاكم قناعة؛ بل مؤجرون عنده يعملون للمال الذي يُدفع لهم، وغالبا ما يتدخل أحد النخب ليقدم نصيحة أو تصويبا أو فكرة إصلاحية يمكن أن يتبناها مالكهم، لكنهم يسارعون بإخفائها أو تسفيه رأيه وربما استقباله بمجموعة من الشتائم والاتهامات
هم لا يعملون للبلد ولا للحاكم
قناعة؛ بل مؤجرون عنده يعملون للمال الذي يُدفع لهم، وغالبا ما يتدخل أحد النخب
ليقدم نصيحة أو تصويبا أو فكرة إصلاحية يمكن أن يتبناها مالكهم، لكنهم يسارعون بإخفائها
أو تسفيه رأيه وربما استقباله بمجموعة من الشتائم والاتهامات.
المراقب يرى أن الذباب الإلكتروني
بلا قيم لا يبحث عن الحقيقة، وإنما هو متبن لموقف جامد يعتبر من خالفه عدوا يستحق
الفناء، ويقوم بتأويل أي رأي مخالف لتحويله إلى عدو لسيده وينبري للدفاع عن تفسير
وهمي صنعه هو.
الصراعات الوهمية والدفاع يورط
مالك هؤلاء لأنه سيصدق حتما أن حرب الدونكيشوت هذه حقيقة وأن الخطر من داخل البلاد،
وأن هنالك شعبا، وهؤلاء المخلصون لا بد من دعمهم لصد الأذى.. هي مهنة قذرة لأنها
تجرد الإنسان من قيمته الآدمية، وتستعمر منظومة عقله للأفكار السلبية وتتجسد فيه
صورة بشعة، فلا يهمه تقديم الطريق السليمة وإنما مدح حتى الخطأ في سيده واعتباره
مقدسا.. ومن يصدق هو الصديق أما النفاق فهو ما نراه بوضوح.
الذباب الإلكتروني ليس نخبا وإنما
أناس سفهاء في الغالب أو مثقفون من النخب فسدت نفوسهم وغفت ضمائرهم أو ماتت.. ولكن
كما نوهنا ليس كل مدافع عن سيده أو فكرة أو رأي يعد من الذباب الإلكتروني، فالناس يعتقدون
بما يرون ولهم مستويات متعددة في الرد وتنوع في الأهداف والغايات.
فئة سلبية لا تكمل قراءة ما يُكتب
لترد بكلام ربما لا علاقة له بما تقول، فهو تفريغ عشوائي للرأي والمشاعر السلبية..
غالبا هذا ذباب منفرد له طنين لكنه يعمل لتنفيس ألم نفسه.