نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقال رأي للكاتب جو جيل تحدث فيه عن تحليل الكاتب الرائد المناهض للاستعمار فرانتز فانون في إطار الحرب الدائرة في
غزة اليوم، مع تشابه حرب تحرير الجزائر وسلوك الغرب اليوم من عدة نواح.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في كتابه المؤثر "معذبو الأرض" كان من الممكن أن يكتب فرانتز فانون عن غزة عندما قال: "في كل الصراعات المسلحة، هناك ما يمكن أن نسميه نقطة اللاعودة. ودائمًا ما يتم تمييزه بقمع ضخم وشامل يجتاح جميع فئات الشعب المستعمر". وفي إسرائيل وغزة والضفة الغربية، وصلت الشعوب إلى هذه النقطة.
وفرانتز فانون من أشهر المناضلين من أجل الحرية، توفي في الجزائر عام 1961.
من غزة إلى البحر الأحمر، وعلى كافة الجبهات، أصبح الغرب الآن مكشوفًا باعتباره آلة قتل خارجة عن القانون تخشى فقدان السيطرة على نفوذها. وتعكس الإبادة الجماعية والمجاعة والحرب، التي يُدافع عنها باستخدام خطاب دبلوماسي مزدوج، الإجابات الوحيدة على حقيقة أن الجنوب العالمي ودول الشرق الأوسط (إن لم يكن قادتها) لم تعد ترغب في العيش تحت هيمنة الولايات المتحدة.
كتب جان بول سارتر، في مقدمته لكتاب فانون عن الاستعمار الغربي: "إن ميكافيليتنا لا تملك إلا القليل من التأثير على هذا العالم اليقظ الذي فضح أكاذيبنا واحدةً تلو الأخرى. ولا يلجأ المستوطن إلا إلى شيء واحد: القوة الغاشمة… ليس أمام المواطن إلا خيار واحد إما العبودية أو السيادة". كان فانون مفكرًا ثوريًا وطبيبًا نفسيًا مناهضا للعنصرية الاستعمارية وتأثيرها النفسي على المستعمَر والمستعمِر. وكتب هو وسارتر عن هزيمة فرنسا الوشيكة في الجزائر بعد سبع سنوات من الحرب الوحشية.
قد يبدو سخيفا بعد مرور أربعة أشهر فقط على هذه الحرب قول إن الإمبراطورية الأنغلوسكسونية التي تقودها الولايات المتحدة تواجه هزيمة أخرى. لقد كشفت الحروب في أوكرانيا وغزة حدود القوة الغربية، ونهجها المزدوج تجاه القانون الدولي وقوانين الحرب. فروسيا متهمة بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، في حين يدعم الغرب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في غزة بكل الوسائل الضرورية، حتى في مواجهة الحكم المؤقت الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها.
وأوضح الكاتب أن القرار الذي جاء في أعقاب هذا الحكم التاريخي كان سحب التمويل عن وكالة الأونروا من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعشرات من حلفائهم الذين في معظمهم أوروبيون، هو خطوة سافرة ومخزية لتجويع
الفلسطينيين وإجبار حماس على الاستسلام.
وقف تمويل الأونروا بشكل وقح
مع تعليق التمويل عن الأونروا - هيئة المساعدات الرئيسية التي تقدم المساعدات للفلسطينيين - استنادًا إلى مزاعم إسرائيلية غير مثبتة، تعتقد إسرائيل أنها فازت بجائزة كبيرة من حلفائها الغربيين، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الوضع الكارثي في غزة أسوأ. وكل هذا يهدف إلى فرض ضغوط لا يمكن تصورها على الفلسطينيين وإرغام حماس على الموافقة على تبادل الرهائن. بالنسبة لوزراء بنيامين نتنياهو، يعزز وقف تمويل الأونروا المرحلة التالية من حربه، التي كما أظهر المؤتمر الأخير حول غزة في إسرائيل تتمثل في التطهير العرقي وإعادة التوطين في القطاع.
كما أوضح خبير الاقتصاد الكلي فيليب بيلكينغتون مؤخرًا، فإن الحصار الذي فرضه الحوثيون على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، هو الأول في التاريخ الذي يكون دون قوة بحرية. ردّت الولايات المتحدة وحلفاؤها على استراتيجية المقاومة هذه التي غيرت قواعد اللعبة بضربات جوية ضد أهداف يمنية وإسقاط طائرات الحوثيين المسيّرة. وبدلاً من التراجع، كان رد فعل الحركة اليمنية على ذلك التحدي والتعبئة الجماعية للملايين من أنصارها في شوارع صنعاء والمدن الأخرى.
حسب الكاتب، يشير هذا إلى مشكلة أكبر كشف عنها هجوم الطائرات بدون طيار هذا الأسبوع على قاعدة أمريكية على الحدود السورية الأردنية. وتتألّف القوى الرئيسية التي تقاتل الولايات المتحدة وإسرائيل من جهات فاعلة غير تابعة لدولة ذات دوافع عالية، وليست الديكتاتوريات الضعيفة التي هاجمها محور الإمبراطوريّة الغربية في الماضي. وقد تمكنت قوة الغزو التابعة للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من الاستيلاء على بغداد في غضون أسابيع في سنة 2003، معلنةً إنجاز المهمة في الأول من أيار/ مايو 2003 (لكنها فشلت في تأمين البلاد في السنوات التالية). وقد استغرق حلف شمال الأطلسي حوالي سبعة أشهر لمطاردة معمر القذافي في ليبيا، عندما قتلته قوات المتمردين في خندق في سنة 2011. وعلى النقيض من ذلك، حارب حزب الله إسرائيل في لبنان على مدى شهر واحد في سنة 2006.
إرهاق الحرب في أوكرانيا
أوضح الكاتب أن الجمهوريين في الولايات المتحدة يربطون المزيد من الدعم لأوكرانيا بدعواتهم إلى انتهاج سياسة حدودية أكثر صرامة، في حين أنه من المرجح أن يُلغى تعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 50 مليار يورو لأوكرانيا لميزانية كييف. حيال هذا الشأن، كتب بيلكنغتون: "لقد أصبح الوضع السياسي في الولايات المتحدة محموماً للغاية ويتّجه نحو أزمة دستورية محتملة. وكل هذا يحدث مع انتخابات مثيرة للجدل للغاية ومزعزعة للاستقرار تلوح في الأفق في البلاد في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل".
وأضاف الكاتب أن التوترات تظهر بين حكومة المحافظين برئاسة ريشي سوناك ووزارة الدفاع البريطانية بشأن الاستراتيجية البريطانية فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية والتحديات الأوسع، حيث أثار رئيس الأركان المنتهية ولايته احتمال عودة التجنيد الإجباري في مواجهة الصراع العالمي الوشيك. وكان خطاب باتريك ساندرز ينتقد بشدة القدرة العسكرية المنخفضة للمملكة المتحدة لدرجة أن وزارة الدفاع رفضت نشره لوسائل الإعلام.
وفي تصريحاته لقناة سكاي نيوز، قال توبياس إلوود، وزير الدفاع البريطاني السابق وصقر الحرب: "هناك شعور بأننا في سنة 1939 في العالم الآن. إن هذه الدول الاستبدادية تعيد تسليح نفسها. وهناك نفور من المخاطرة بشأن رغبة الغرب في التعامل مع ذلك، ومؤسساتنا العالمية، مثل الأمم المتحدة، غير قادرة على محاسبة هذه الدول الضالة".
وبينما يعتقد إلوود أن الغرب يتجنب المخاطرة، يرى بقية العالم الولايات المتحدة وحلفاءها في حالة غضب، متحدّين محكمة العدل الدولية، ومساهمين في تجويع المدنيين المحاصرين في غزة، وقصف واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض. وتشن الولايات المتحدة وبريطانيا حربا في البحر الأحمر بضربات ضد اليمن ردًا على الحصار البحري الذي تفرضه على السفن الإسرائيلية. ومنذ الضربات، أعلن الحوثيون أنهم سيستهدفون سفن الشحن البريطانية والأمريكية. وبغض النظر عن عدد المرات التي ينفي فيها الساسة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن الحوثيين يفعلون ذلك من أجل الفلسطينيين في غزة، لا يمكن حجب تصريحات اليمنيين بفضل مواقع التواصل الاجتماعي.
مخاطر التصعيد
كل يوم يحمل معه مخاطر تصعيد جديدة. ويدفع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الآن الرئيس جو بايدن لمهاجمة إيران، بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة على الحدود السورية في غارة بطائرة بدون طيار تبنتها ميليشيا عراقية. ومن خلال دعم أوكرانيا، وربما حتى الانضمام إلى الحرب، يخطط الغرب لحرب عالمية ثالثة. تقاتل روسيا على حدودها، ويستطيع بوتين أن يصوّر الحرب وكأنها معركة وجودية ضد عدوها الأبدي، الغرب، التي يبدو أن الروس انتصروا فيها.
وخلص الكاتب إلى أن كل هذه التصعيدات تشير إلى حريق شامل يمتد من البحر الأحمر إلى لبنان إلى بحر البلطيق. وقد لا يكون هذا ما يريده بايدن أو سوناك في عامهم الانتخابي، حيث سئم الناخبون من الحرب وتؤيد الأغلبية وقف إطلاق النار في غزة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)