لا
يخلو عدوانٌ من ديماغوجيا تثير مخاوف المُعتدَى عليه وتُنهكه نفسيا قبل تقدم آلة
القتل وتوغلها، لتُطنب في قتل عُزّل يصل خبر مقتلهم إلى نواحٍ أخرى فتفتت العزيمة.
ديماغوجيا
الاحتلال الصهيوني في
فلسطين قديمة جديدة. الديماغوجيا استراتيجية سياسية تستند
إلى نثر المخاوف والتوقعات السلبية بغية تحقيق نصرٍ أو تفوقٍ نفسي. الديماغوجيا هي
حرب نفسية بالمعنى المبسط.
مذابح
بلدة الشيخ، دير ياسين، الطنطورة، وغيرها الكثير وصولا لمجزرة المستشفى المعمداني
ما هي إلا تكتيك يستخدمه المحتل الصهيوني لتثبيط المعنويات وكسر الشموخ وإرداء
الهمم لدى الشعب الفلسطيني؛ الذي ما فتئ يغيظ عدوه المحتل بصمودٍ يشي بلا أدنى شك
بأن الحرب النفسية الصهيوني لا تنطلي عليه ولا تهزه.
من
أحضان المجتمع الفلسطيني ظهرت مقاومة خططت وأعدت حتى نفذت عملية كسرت الغرور
الصهيوني بأنه يملك التميز والتفوق على الفلسطينيين في اختيار وقت المعركة وقرار
الهجوم وسطوة التحكم المطلق بأحوال الفلسطينيين، حد عقولهم.
لكن
المحتل المفلس لا خيار له إلا باستخدام ذات الأدوات لتحقيق ما كان يسعى إليه قبل
عملية طوفان الأقصى، وكأن ذلك سيكون مناسبا لإبقاء هيمنته قائمة. ألبرت أينشتاين
يقول: "الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بذات الأسلوب وذات الخطوات مع انتظار
نتائج مختلفة".
والحق
أن جزءا من الشعب الفلسطيني تأثر في منتصف أربعينيات القرن الماضي بديماغوجيا
الاحتلال والجيوش العربية معا؛ الاحتلال ارتكب مجازره وأشاع الخوف في نفوس
الفلسطينيين حتى ظنوا أن مصيرهم الهلاك لا محالة أمام آلة المحتل القوية. أما
الجيوش العربية فوعدت بسحق المحتل لضمان الأمن للفلسطينيين فوقعت النكبة بخروج
الفلسطيني من أرضه ولم يعد حتى يومنا هذا. مع الوقت زاد وعي الفلسطيني، ولم يعد ينخدع
بأساليب الاحتلال، وصمود نسبة كبيرة في شمال غزة دليل ذلك، وهذا ما يُغيظ الاحتلال
ويدفعه لفرض حصار وتجويع ضد الصامدين.
جاوز
الظالمون المدى وما تعرض إليه الفلسطيني في غزة هجوم بربري يندى له الجبين. طريق
التحرير ليس شهدا سهل الوصول إليه، بل علقم أجاج.
الخلاصة
أن الفلسطيني أدرك بقناعة راسخة أن لديه القدرة على مواجهة عدوه ولو بالصمود وبتجاوز
ديماغوجيا الاحتلال، أيقن أن الحليف من يتشارك المبادئ وليس الهوية القومية أو
اللغة أو حتى الدين، فقه أن التحرير ليس داخليا وحسب بل هناك أعداء خارجيين
يشكّلون حلفا غربيا ضد طموحه وحقوقه. المشوار طويل لكن بلوغ نهاية النفق يقين.