هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ستار" التركية مقال رأي
للكاتب إسماعيل شاهين سلّط فيه الضوء على سياسة الصين الخارجية تجاه القضية
الفلسطينية. اظهار أخبار متعلقة اظهار أخبار متعلقة اظهار أخبار متعلقة اظهار أخبار متعلقة
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته
"عربي21"، إن الولايات المتحدة تتمتّع بسلطة وتأثير كبيرين سياسيا
واقتصاديا وثقافيا وعسكريا في النظام الدولي منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة.
وأضاف أن نظام أحادي القطب نشأ حول مركز قوة واحد. لهذا السبب، حرِصت الدول على التصرّف وفقا
للمعايير والسياسات التي حدّدتها الولايات المتحدة، الدولة الرائدة، واعتماد سياسة
خارجيّة توائم مصالحها الوطنية مع المصالح العالمية للولايات المتحدة.
وذكر الكاتب أن تركيز القوة في مركز واحد أدى
إلى إهمال أو تجاهل مصالح الدول الأخرى خارج الولايات المتحدة بمرور الوقت. والأهم
من ذلك أن الولايات المتحدة أصبحت قوة عالمية تنتهك القانون الدولي بشكل متكرر،
وغير ديمقراطية، فضلا عن ازدواجية المعايير، من أجل حماية مصالحها.
أدت هذه الحالة
إلى خلق جو من عدم الثقة القانونية بين الدول الأخرى، ومن ناحية أخرى، فتحت الباب
أمام أفكار تستند إلى سياسات القوة لتصبح أكثر شيوعًا وقوة بسرعة.
قوة متعددة
أشار الكاتب إلى أن النظام الدولي وصل إلى عتبة
نظام متعدد الأقطاب، وهذا يعني نهاية الهيمنة الأمريكية. وكان الدافع وراء هذا
تحوّل الصين إلى واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم بفضل دورها المتزايد في
التجارة العالمية. ولكن هل هذا مقياسٌ كافٍ لنظام متعدّد الأقطاب؟ بالطبع لا!
في الواقع، على الرغم من أن حصول الصين على
موقع قوي عالميا اقتصاديا يعد عاملا مهما يشير إلى تغيير هيكلي في النظام
الدولي، إلا أنه لا يمكن اعتباره تغييرا كافيا لنظام متعدد الأقطاب لأن النظام
متعدد الأقطاب هو هيكل مرتبط ليس فقط بالقوة الاقتصادية، وإنما أيضا بالعوامل
العسكرية والسياسية والثقافية، وفقا للمقال.
وأوضح الكاتب أن القوة الاقتصادية والتجارية
المتزايدة للصين جعلتها لاعبا رئيسيً في التجارة العالمية، فضلا عن زيادة
استثماراتها على مستوى العالم، والتأثير على النظام المالي الدولي. ومع ذلك، لا
تزال الصين بحاجة أيضا إلى عوامل مميزة مثل القدرة العسكرية والكفاءة الدبلوماسية
والوزن الثقافي والأيديولوجي ودور القيادة العالمي والقدرة على تقديم حلول للمشاكل
العالمية من أجل أن تكون قوة فعالة في نظام متعدد الأقطاب.
ومن الواضح أن قدرة
الصين الحالية على قيادة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وإدارة الأزمات الدولية
وحل النزاعات لا زالت محدودة وضعيفة.
وأشار الكاتب إلى أن تأثير الصين الاستراتيجي
وقوتها ينبعان من كونها من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
فعند فحص السياسة الخارجية التي تتبعها الصين في النظام الحالي، تظهر قاعدتان
رئيسيتان: الأولى، هي الابتعاد عن السياسات التي تتعارض مع هياكل القوة العالمية،
والثانية، هي تجنب التدخل المباشر في الأزمات.
عملًا بهذا المبدأ السياسي الذي يُعرف أيضًا
باسم "مبدأ عدم المواجهة"، تتجنب الصين اتخاذ موقف صارم في العلاقات
الدولية وتكتفي بالمبادرة من أجل عدم الإضرار بتجارتها العالمية
واستثماراتها. لذلك، يمكن القول إن إدارة بكين تعطي أهمية كبيرة لسياسة التوازن
التي تهدف إلى حماية المصالح الوطنية.
وبيّن الكاتب أن هذا الوضع هو ما يضعف دور
الصين القيادي العالمي. في النهاية، تتطلب القيادة العالمية أحيانًا أدوارًا حاسمة
مثل اتخاذ موقف قوي، وتولي زمام المبادرة، وعدم الانحياز، والتدخل الفعال. وعلى
الرغم من أنه من المفترض أن تؤدي سياسة الصين المتوازنة التي لا تتدخل في أي شيء
إلى بناء صورتها كلاعب سلمي لدى الرأي العام الدولي، إلا أن هذا الوضع يُضعف
ادعاءات بكين بالقيادة العالمية.
هل يمكن أن تكون غزة بمثابة اختبار
حقيقي؟
من ناحية أخرى، يمكن أن تكون المجازر في غزة
بمثابة ورقة اختبار خاصة أن سياسة الصين تجاه فلسطين حتى الآن غامضة للغاية.
وأفاد الكاتب بأن الصين تسعى منذ سنوات عديدة
إلى إقامة علاقات عسكرية وتكنولوجية قوية مع إسرائيل من جهة، وتجنب إهمال العلاقات
مع فلسطين من أجل إقامة علاقات جيدة مع دول عربية غنية بالطاقة من جهة أخرى، وذلك
وفقًا لسياسة التوازن الكلاسيكية.
لكن بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم تكن
تصريحات الصين ضد الاحتلال مختلفة كثيرا عن تلك التي تتخذها الدول العادية التي
ليس لها أي قوة في النظام الدولي، وفقا للمقال.
وقال الكاتب إن هذا يعني أن دعوات وزير الخارجية الصيني وانغ
يي لوقف إطلاق النار في غزة، وتكرار الدعوة إلى حل الدولتين في فلسطين، وانتقاد
إسرائيل لتجاوز حدود الدفاع المشروع، هي مجرد تكرار لأفكار مستهلكة لا تكسب الصين
مكانة فاعل عالمي. فهل يمكن للحكومة الصينية أن تتجاوز هذه الأفكار المستهلكة؟
وأضاف أن النهج الحالي لسياسة الصين
الخارجية لا يسمح بذلك. ففي المقام الأول، تعد الصين أكبر مستورد للطاقة في
العالم، وتستورد ما يقارب نصف احتياجاتها من الطاقة من دول الشرق الأوسط بحوالي
200 مليار دولار. وبالتالي، إن الهدف الاستراتيجي الرئيسي لبكين هو الحفاظ على
السلام والاستقرار في الشرق الأوسط دون الإضرار بإمدادات الطاقة للصين، وليس حل
قضية فلسطين.
ولكن أي أزمة يمكن أن تلفت انتباه الولايات
المتحدة من منطقة المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، تمثل
مكسبا جيوسياسية لبكين، طالما أنها لا تؤثر على العلاقات التجارية للصين.
وأي
أزمة خارج منطقة المحيط الهادئ يمكن أن تزيد من العبء العسكري والسياسي والاقتصادي
للولايات المتحدة، تخدم مصالح الصين طالما أنها لا تؤثر على الصين.
وبناء على هذا
الافتراض، ترى إدارة بكين أن تحول الهجمات في غزة إلى صراع إقليمي يضر بمصالحها
الوطنية، وفقا للمقال.
وأضاف الكاتب أن أحد أسباب تصويت الصين بحياد
في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو الحوثيين اليمنيين إلى وقف
فوري لإطلاق النار في البحر الأحمر، هو سياستها لأن الصين كانت خائفة جدا من
تصاعد الأحداث في البحر الأحمر والإضرار بالتجارة العالمية.
وأحد أسباب اتخاذ
إدارة بكين موقفا إلى جانب فلسطين بشأن قضية غزة هو سعيها للحصول على قوة
دبلوماسية في المجتمع الدولي ضد الولايات المتحدة، أكبر حليف وداعم للاحتلال.
وأورد الكاتب أن هذه محاولة من الصين لإظهار
أنها تقف ضد الهيمنة الغربية من خلال الوقوف إلى جانب فلسطين التي تحاول الولايات
المتحدة وحلفاؤها قمعها.
ففي بيئة تتسم بزيادة سلبية الرأي العام الدولي تجاه دولة الاحتلال، قد يساهم موقف بكين هذا في زيادة التعاطف مع الصين على المدى القصير،
ولكن من الواضح بالفعل أن هذا الموقف الأناني لن يتمخض عن نتائج إيجابية للصين على
المدى الطويل.
والمتوقّع من بكين أن تتخذ مبادرة تُظهر أنها تتمتع بفهم أكثر عدلًا
وأخلاقية من الولايات المتحدة، من خلال التحرك بمسؤولية تليق بعضويتها في مجلس الأمن،
وبصفتها أقوى منافس للولايات المتحدة، وبصفتها قائدة للنظام الأمني متعدد الأقطاب
الذي تسعى إلى إنشائه، بالإضافة إلى عكس توازن الرأي العام العالمي، وفقا للمقال.