نشر موقع "
نادي فالداي" الروسي، تقريرا، تحدث فيه عن ظهور ملامح توازن في العالم، سوف تصبح أساس نظام سلمي وعادل نسبيا مستقبلا.
وقال الموقع، في تقريره، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الأحداث والعمليات الرئيسية التي جرت السنة الماضية على مستوى السياسة الدولية، أظهرت أن التغييرات الأساسية الحالية أمر طبيعي، وأن المسارات الرئيسية بنّاءة".
وذكر الموقع أن "المؤرّخين المستقبليين سيعتبرون العام المنتهي بمثابة نهاية فترة الإدراك الدرامي للواقع الجديد وبداية فترة تطوير موقف بنّاء تجاهه. وسيصبح واضحا أن انهيار
النظام الدولي السابق لا يشكل كارثة بل يحمل في طياته العديد من الإيجابيات".
وأضاف أنه "من بين العلامات الدالة على النظام الدولي الجديد ظهور التعددية القطبية الديمقراطية، التي تعد منظمة
البريكس أحد رموزها، فضلا عن التراجع التدريجي لاحتكار في مختلف قطاعات الاقتصاد العالمي من طرف مجموعة صغيرة من الدول، ناهيك عن إحياء نشاط السياسة الخارجية لأغلبية الدول، التي لا تحدد لنفسها مهام ثورية، وإنما تسعى جاهدةً لتعزيز استقلاليتها في الشؤون العالمية وتحديد مستقبلها".
وذكر
الموقع أن "القوى الأكثر محافظة في الشؤون الدولية، التي تدخل في تحالفات سياسية عسكرية بقيادة الولايات المتحدة، إما إنها تتحرك نحو إعادة النظر في النظام الذي كانت تتمتع فيه بنفوذ قوي، أو إنها تخوض معارك دفاعية، وتتمثل مهمتها في تهيئة الظروف للمفاوضات المستقبلية. وعند الحديث عن قوى التقدم التي تقودها مجموعة البريكس، فإن النضال من أجل التغيير يحمل طابع مراجعة النظام الدولي دون تدميره بشكل جذري".
واسترسل بالقول، إنه "في الحقيقة، هذه المرة الأولى التي تعتمد فيها القوى، التي تهدف أنشطتها العملية إلى مراجعة الأوامر والأعراف الجائرة على مجموعة القانون الدولي القائمة دون أن تضع على عاتقها مهمة تحييد القوى التي هي في حالة صراع مباشر أو غير مباشر معها".
الجدير بالذكر، أن مجموعة البريكس تأسست في عصر تهيمن فيه الولايات المتحدة وأقرب حلفائها الأوروبيين على الشؤون العالمية ويعملون كموزعين رئيسيين للثروة العالمية. وبهذا، فإن هذه ظاهرة أخرى من ظواهر النظام الدولي التي يودعها العالم اليوم. ويعتبر النظام العالمي الليبرالي في طبيعته ومحتواه فترة انتقالية فاصلة بين الاستبداد المطلق للإمبراطوريات الأوروبية في القرن التاسع عشر، والنظام الدولي الجديد، الذي بدأت ملامحه في التبلور اليوم ونشأ كرد فعل على العملية الحتمية لظهور العديد من الدول ذات السيادة، التي اكتسبت في القرن الماضي طابعًا عالميًا.
إلى ذلك، أورد الموقع أن البلدان التي أنشأت مجموعة البريكس خلال عام 2006 أوكلت لنفسها مهمة زيادة نفوذها في الشؤون العالمية من أجل توافق التنمية العالمية مع مصالحها الخاصة، مع العلم أن هذه الدول لا تدعو إلى تدمير النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
في المقابل، تعتبر المساواة في السيادة بين المشاركين، على عكس التحالفات الرسمية وغير الرسمية القائمة في الغرب التي تمنح الولايات المتحدة حق التصرف نيابة عن الحلفاء في مجال الشؤون الخارجية، السمة المميزة لمنظمة البريكس.
ومع تزايد أزمة النظام العالمي الليبرالي، زاد تأثير ودور مجموعة البريكس في الشؤون العالمية تدريجيًا، بحيث نمت الأهمية السياسية للمجموعة باعتبارها وسيلة لتحديد نهج بديل للنهج الغربي وحل مشاكل التنمية العالمية والأجندة الدولية الأوسع. وفي الوقت نفسه، لم تحدد دول البريكس مهامًا يمكن اعتبارها تحديًا مباشرًا للغرب أو تعكس رؤية نظام عالمي مثالي يضاهي في وضوحه النظام الغربي.
اظهار أخبار متعلقة
ويرى الموقع نفسه، أن هذا "يعد نتيجةً حتمية لعدم هيمنة قوة واحدة على المنظمة، الأمر الذي يساعد من جهة على ظهور مصالح مشتركة داخل المجموعة ويقوض من جهة أخرى فرصة تحديد الأهداف والغايات وتنفيذها. ورغم خصائصها واختلافاتها عن المؤسسات التقليدية، أصبحت مجموعة البريكس الظاهرة الرئيسية في السياسة الدولية لسنة 2023".
وأفاد الموقع بأن "قرار توسيع منظمة البريكس، الذي اتُخذ في آب/ أغسطس 2023، سيجعلها مجتمعًا من الدول كبيرة ومتوسطة الحجم في سنة 2024. ويبقى السؤال المطروح هو كيفية تحرك مجموعة البريكس، مع تكوين جديد من المشاركين وتطوير الشراكات مع القوى الأخرى، نحو تحقيق مهامها الرئيسية في ما يتعلق بالاقتصاد العالمي والمتمثلة في إنشاء "شبكات أمان" تسمح للعولمة بالبقاء في الظروف التي لم يعد فيها قادة العالم السابقون في الغرب قادرين على أداء هذه الوظائف بشكل كامل".
وأضاف: "إنشاء آليات مالية بديلة والحد من الوضع الاحتكاري للدولار الأمريكي لم يعد في الوقت الراهن وسيلة لتدمير النظام العالمي القديم، بل أدوات ضرورية لمنع الاقتصاد العالمي من الانزلاق نحو الفوضى. وبناء عليه، سيسمح هذا بالحفاظ على أهم إنجازات العولمة وهي انفتاح السوق العالمية والتجارة الحرة والتبادل التكنولوجي باعتبارهما القدرات الهيكلية التي تعتمد عليها السياسات المستقلة لدول الأغلبية العالمية".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف بأنه "حددت هذه الدول لنفسها مهمة تدمير النظام الدولي القائم وتدمير العولمة والزيادة تدريجيًا من مستوى استقلاليتها على مستوى تحديد قرارات السياسة الخارجية والشراكات الاقتصادية".
وفي الختام، نوّه الموقع إلى أن "دول الأغلبية العالمية تنقسم إلى مجموعتين، تحدد الأولى مسارات مستقلة لتحقيق أهداف التنمية الرئيسية وتتصرف كشريك لكل من الغرب وخصومه الرئيسيين، بينما تزيد الثانية مستوى مطالبها من الولايات المتحدة وحلفائها في ما يتعلق بشروط الحفاظ على علاقات محترمة رسميًا. ويعكس كلا النوعين علامات على ظهور عصر جديد في السياسة الدولية".