سلطت موقع وكالة "
بلومبيرغ" الأمريكية الضوء على التحديات التي تواجه
الولايات المتحدة في مواجهة
الحوثيين الذين يهاجمون سفن الشحن المتجهة إلى الاحتلال في البحر الأحمر.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الجهود الأمريكية للتصدي لهجمات الحوثيين على السفن في أحد أهم الممرات المائية في العالم تواجه عقبة كبيرة بسبب الخلافات بين حلفاء واشنطن العرب، وذلك وفقًا لأشخاص مطلعين على المسألة، حيث تدعم السعودية والإمارات، وهما من أهم الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب الأهلية طويلة الأمد في
اليمن، الفصائل المتنافسة ضد الحوثيين.
وحسب المصادر ذاتها، تعرقل المواقف المتباينة لهذين البلدين الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للردّ بشكل مناسب على الجماعة المدعومة من قبل إيران.
واستهدفت جماعة الحوثيين العديد من ناقلات الوقود وسفن الشحن تضامنًا مع قطاع
غزة وللمطالبة بوقف العدوان ورفع الحصار الإسرائيلي الذي يمنع إدخال المساعدات، وكثّفوا هجماتهم في الأسبوع الماضي مما أدى إلى اضطراب أسواق الشحن وارتفاع أسعار النفط. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أسقطت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية 15 طائرة بدون طيار أُطلقت من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وحسب مسؤول أمريكي، يتواصل البيت الأبيض مع الحوثيين عبر سلطنة عُمان وبعض الوسطاء الآخرين لحثهم على وقف الهجمات، وأكد متحدث باسم الحوثيين هذه الاتصالات، بيد أنه أكّد أن الجماعة ستستمر في تنفيذ الهجمات حتى توقف إسرائيل الحرب في غزة. وتضغط
الإمارات من أجل القيام بردّ عسكري وتريد من الولايات المتحدة إعادة تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابيةً"، وذلك وفقًا لمسؤول يمني موال لأبوظبي.
ونقل الموقع عن إليونورا أرديماني، الخبيرة في شؤون اليمن وزميلة الأبحاث الأولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أن "الإماراتيين يعتقدون أنه يجب تقييد الحوثيين وتقويضهم وإضعافهم". في المقابل، تدعم الرياض نهجا أكثر اعتدالا خوفا من أن أي عمل عدائي سيؤدي إلى استفزاز الحوثيين ليصبحوا أكثر عدوانية، وذلك وفقا لأحد أعضاء الفريق السعودي الذي يتفاوض مع الحوثيين، وأضاف المصدر ذاته أن "ذلك قد يعرّض الهدنة الهشة للخطر في حرب اليمن ويحبط محاولة السعودية التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار مع المتمردين".
لقد أثبت الحوثيون خلال عدة مناسبات قدرتهم على تعطيل أو الإضرار بالبنية التحتية الحيوية في السعودية والإمارات. وجاء الهجوم الأكثر تدميرا الذي أعلنوا مسؤوليتهم عنه في سنة 2019، عندما أوقفوا لفترة وجيزة نصف إنتاج النفط السعودي بسبب هجوم بطائرة بدون طيار على منشأة تكرير. ومنذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في أوائل سنة 2022، امتنعوا إلى حد كبير عن إطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد جيرانهم الإقليميين.
ويعتقد السعوديون أن ارتباطهم الدبلوماسي مع إيران يمكن أن يردع الحوثيين في نهاية المطاف ويضمن عدم تحول "الصراع" بين إسرائيل وفلسطين إلى حرب إقليمية تود كل من الرياض وواشنطن والأسواق العالمية تجنّبها. وقد التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأسبوع الماضي لمناقشة ضرورة وقف إطلاق النار في غزة. وبالتزامن مع ذلك، كان نائب الأمير فيصل في بكين للتأكيد من جديد على التزام الرياض بالتقارب مع إيران الذي توسطت فيه الصين في آذار/ مارس.
وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الحكوميين السعوديين والإماراتيين لم يستجيبوا لطلبات التعليق. ومن جهتها، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على الخلافات بين حليفتيها في الخليج، لكن متحدثًا باسمها قال إن "حل الصراع في اليمن يظل أولوية قصوى".
ويوم الإثنين، تحدّث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الأمير فيصل حيث "أدان الهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية في المياه الدولية في جنوب البحر الأحمر"، وحث "على التعاون بين جميع الشركاء لدعم الأمن البحري"، وذلك حسب بيان لوزارة الخارجية.
وذكر الموقع أن الحوثيين اختطفوا سفينة وحاولوا الاستيلاء على أخرى، بينما أطلقوا الصواريخ على عدة سفن أخرى جنوب البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب. ويقول المسلحون إنهم يستهدفون السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إليها. وفي الأسبوع الماضي، هدد قائد كبير بالبدء في إغراق السفن، وفقاً للموقع.
وعلى خلفية ذلك، أعربت شركات الشحن عن قلقها وأدت الهجمات إلى ارتفاع تكاليف التأمين، ما دفع شركة النفط والغاز العملاقة بريتيش بتروليوم لإيقاف جميع الشحنات المارة عبر البحر الأحمر. وسارت كل من شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة - وهي أكبر خط شحن في العالم - وشركة ميرسك سيلاند على خطاها. وهذا يعني أن سفنهم سيتعين عليها أن تدور حول جنوب أفريقيا بدلا من المرور عبر قناة السويس. وقد أعلنت الشركة المشغلة لقناة السويس المصرية يوم الأحد أن 55 سفينة غيّرت مسارها منذ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر لتسلك المسار الأطول.
وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة تتهم إيران بتمكين الحوثيين من مهاجمة السفن، وهو ما تنفيه طهران، وقال سوليفان: "بينما يضغط الحوثيون على الزناد، تسلمهم إيران السلاح. على إيران مسؤولية اتخاذ خطوات بنفسها لوقف هذه الهجمات".
وقد تلقى الحوثيون التمويل والتدريب من طهران على مدى السنوات الثماني الماضية ويعتبرون جزءا من "محور المقاومة" الإيراني ضد الولايات المتحدة وإسرائيل إلى جانب حماس وحزب الله وجماعات أخرى، وفقاً للموقع.
ووفقًا لبرنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، فإن أنصار الله - كما يُعرف الحوثيون رسميًا - لا يعتبرون أنفسهم مجرد أتباع للتوجيهات الإيرانية. وقال هيكل إن الجماعة لديها "أيديولوجية مختلفة" ولا تربطها علاقات وثيقة مع إيران مثل حزب الله.
ونقل الموقع عن أرديماني من المعهد الإيطالي أنه من الخطأ النظر إلى الحوثيين على أنهم "بيادق ودمى" في يد طهران؛ مشيرا إلى أن دوافعهم تذهب إلى ما هو أبعد من الحرب بين إسرائيل وفلسطين – فهم يسعون إلى تعزيز مكانتهم في اليمن وإبراز أنفسهم كقوة إقليمية لا يستهان بها – مما يعقد الجهود المبذولة للتصدي لهم.
وفي ظل إشارة المسؤولين الإسرائيليين إلى أن الحرب قد تستمر لعدة أشهر أخرى، صرح الحوثيون، الذين أطلقوا أيضًا صواريخ كروز وصواريخ باليستية على "إسرائيل" منذ تشرين الأول/ أكتوبر، أنهم مستعدون لرفع مستوى المواجهة. في تغريدة على موقع إكس الأسبوع الماضي، صرح نائب وزير خارجية الحوثيين حسين العزي: "إننا نتطلع إلى الاشتباك مع أي قوة إسرائيلية في البحر".
وصرّح مصطفى نعمان، الدبلوماسي اليمني السابق، بأنه لا يمكن الاستهانة بالحوثيين. وقال خلال حوار استضافه مركز تشاتام هاوس البحثي: "إنهم يحلمون بأن يهاجمهم الأمريكيون أو الإسرائيليون لأن هذا سيحولهم إلى قوة مقاومة حقيقية. وهذه طبيعة خطتهم".
ومساء أمس أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إطلاق عمليّة متعددة الجنسيات لما وصفته بـ"حماية التجارة في البحر الأحمر"، في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية وبطائرات مسيّرة التي شنتها الحركة اليمنية.