مدونات

السقوط الأمريكي في زمن بايدن

محمد صالح البدراني
جيتي
جيتي
الصهيونية حركة سياسية مؤدلجة:

من المعلوم أن الصهيونية حركة سياسية ولا شرط أن تكون يهوديا لتنتمي إليها، كما أن ليس كل يهودي صهيوني، فبالتالي هي ليست دينا ولا عرقا ولا أي أمر مادي محسوس، كمعاداة اليهود لأنهم يهود أو معاداة المسلمين لأنهم مسلمون.

ونرى ما ظهر من إفرازات للتدهور الفكري الحضاري في الغرب رغم التقدم المدني الذي يزداد تطورا ليبرز وحشية مستخدمه، كما لاحظنا أخيرا في السلاح الذي زودت به الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الكيان وما خلّف من دمار وقتل الآلاف من الغزيين.

فعندما تصدر أمريكا تجريما موازيا لمعاداة السامية (اللقب الذي استحوذت عليه الصهيونية على أنه لليهود رغم أنه عرق الغزيين أيضا بل العرب أجمعين) فكأنما تصدر تجريما لمخالف حزب في الهند أو باكستان أو في أوروبا أو أي مكان، فالصهيونية ليست عرقا ليمنع انتقاده وإنما فكرة تختلف معها وتتفق.

الليبرالية الحديثة تسقط الليبرالية:

توسعت النظرة الليبرالية الحديثة بما تحمل من شذوذ في الفكرة والسلوك، بعد أن عجز النظام الليبرالي ككل عن تحقيق وعود الرفاهية رغم انتقاله في مراحل عديدة ليصل إلى حالة من اللا فكرة. فالليبرالية انتهت وسقطت عندما خالفت جوهرها أساسا ناهيك عن المعايير المفقودة والسلوكيات التي لم تعد تغطي غياب المنظومة الأخلاقية عن الدولة الحديثة مذ تأسيسها إلى الآن، حيث تمر بمرحلة الفشل وما تحتاج إلا وجود البديل بلا حرب ولا إعلام ولا تهويل، فهي نخرت ذاتها بوجود شخصيات وجودها في رأس الهرم يحتاج دراسة فهي لا تمتلك الثقافة الكافية ولا يبدو أنها من صناع القرار.

كل ما يجري مخالف للفطرة ويطعن في المصداقية، عندما تتابع تصريحات لسياسيين أمريكيين تحس أنك أمام ناس لا يستحون من الكذب وأنهم لا يهتمون لعشرات الألوف من الضحايا في غزة، ولكنهم يتهمون القسام بقتل أناس اعترف الكيان أن طائراته قصفتهم بالخطأ، ولا أسلوب علميا في تحري ما يصرحون به، فيعتمدون العواطف والأمنيات بما كشف أنهم دينامو المشكلة بل الجزء الأكبر وأن الصهاينة لو تُركوا ربما سيكونون في توازن يُمكن أن يُحدث إعادة تنظيم للحياة والتعايش الإيجابي.

السقوط الأمريكي زمن بايدن:

الكل يعرف نشأة أمريكا وما بنيت عليه من عصابات وقتل وإبادة جماعية للسكان الأصليين، ناهيك عن نوعية المهاجرين، لكن ظهرت شخصيات سُميت الآباء المؤسسون ومن أشهرهم في النشاط بنيامين فرانكلين، وجيفرسون وهو أصلا عامل طباعة لكنه يعد مفكرا فيلسوفا وكاتبا، وهاملتون وكان يعمل في الشحن لكن له مقالات مؤثرة، أما جورج واشنطن فهو عسكري فاشل ولم ينجح في السياسة بادئ الأمر.

ما يهمنا من هؤلاء أن هنالك تأسيس لحماية الرأسمالية بالديمقراطية والليبرالية، ولو دخلنا دواخل تاريخهم لوجدنا أحاديث كثيرة تضعف مصداقيتهم، ما خلا بنيامين فرانكلين الذي تنبأ تماما بما يحصل اليوم في الولايات المتحدة من سلطة للصهيونية لكنه كان يسميهم اليهود، ومن يريد التأكد يراجع خطابه في المتحف الأمريكي.

قيام دولة ضخمة بلا فكر حضاري وحتى كلمة حضارة غير موجودة في اللغة الإنكليزية مثلا، وإنما تترجم المدنية والحضارة بكلمة المدنية عندما تنقل عن العربية، والعرب أنفسهم لم يحدثوا معنى المدنية والحضارة لتكون الحضارة متعلقة بالفكر والمدنية بتراكم الجهد البشري لأنهم في حالة هزيمة يُسعى لديمومتها بفقدان الثقة بالنفس وتسقيط القيادات، ووضع نماذج هزيلة ترفع وتحجب النماذج الجيدة.

الولايات المتحدة نموذج فاقع للدولة الحديثة الذي يقوم على النفعية، وخال من الدعامات لمنظومة الأخلاق رغم ارتباط السلوك وحسن إدارة الحياة بالنفعية، وهذه منظومة هشة مع تقارب العالم وبالذات مع الإسلام؛ المنظومة الأخلاقية العليا التي يكون شعب كالشعب الأمريكي أكثر تفاعلا معها من الذين يسمون المسلمين اليوم وهم لا يفهمون ما لديهم من قيم وكتاب، ويعيشون في الماضي وخلافاته ولا ينظرون إلى الواقع من خلال منظومتهم التي لا يخضعها زمان ولا مكان.

كل ما مضى وتشعب في شجونه المهمة، يشير إلى انتقال الليبرالية من الحالة الكلاسيكية لجيفرسون مثلا، إلى حالة الليبرالية التي تخلت عن بعض المحددات أساسا، وكل هذا يتجه إلى سيادة القانون الذي لولا قوته لتمزقت المجتمعات إلى أفراد أقوياء وضعفاء وهو ما تتجه به الليبرالية الحديثة التي معاييرها اللذة والرفاهية، وربما افتضحت بشفافية الرئيس ترامب ليجهز عليها بايدن وجنوحه الغريب لفرض رؤاه على الشعوب، وإن كانت الحكومات تماهت معه في معظمها إلا أن هنالك حكومات وشعوبا رفضت الطرح الذي لاذ بالصمت لكن أنه ما زال يدمر الأواصر بالخفاء وربما يظهر بشكل مفاجئ لنرى تفكك دول كبرى أو انتحارها بالحروب مع تطور الأسلحة الفتاكة.
التعليقات (0)