نشر موقع "ذا هيل" مقالا بالألمانية، للبرفسور الزائر بجامعة ولاية أوكلاهوما، قومرز صالحي، تحدث فيه عن "القمع" غير المسبوق لحرية التعبير، للأصوات المتعاطفة مع
فلسطين، في ألمانيا.
وأشار بداية إلى عنوان ورد في الصحيفة الألمانية الشعبية "بيلد"، وهو: "اسحبوا جواز السفر الألماني من ريم اللاجئة". إذ أنه في الـ14 عاما، ووسط ما أطلق عليها "أزمة اللاجئين" عام 2015، ألقت ريم سحويل، كلمة لها، في قاعة عامة، مع المستشارة الألمانية في حينه، أنغيلا ميركل، وكانت الدموع تملأ عينيها وتحدثت بلغة ألمانية فصيحة، بأنها تريد البقاء في البلد، وهو ما أثار التعاطف معها في كل ألمانيا وفي وسائل الإعلام.
لكن التعاطف كان مشروطا بصمتها، كما يعلق صالحي. وتواجه سحويل اليوم، دعوات من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وهو أكبر الأحزاب السياسية في ألمانيا، والحزب الديمقراطي الحر، لسحب جنسيتها وترحيلها من البلد. وجريمتها المزعومة هي: منشور على انستغرام احتوى على عبارة "النهر إلى البحر".
ويقول الكاتب، إنه ومنذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، خاضت كل المؤسسات الألمانية تقريبا، معركة لقمع الأقليات العرقية، بطريقة لم تر في كثافتها وحجمها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتستهدف الحملة الفلسطينيين والملونين والمعادين للصهيونية واليهود على حد سواء. وتظهر قائمة من حوادث الرقابة التي سجلت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، الكثافة والضغط الذي تمارسه الصحافة والمؤسسات الثقافية، والتي تحاول إسكات الأصوات المهمشة، وبعضها نظر إليها باعتبارها احتفالا بالتنوع والأدب المفتوح والمشهد الفني.
فقد ألغى معرض فرانكفورت للكتاب، حفلة تسليم جائزة، وتكريم الروائية الفلسطينية، عدنية شبلي، وسحبت مدينة بوخوم جائزة بيتر ويز، من الكاتبة البريطانية- الغانية المقيمة في برلين، شارون دوداو أوتو، وألغى البينالي الألماني للتصوير المعاصر جولته لعام 2024، بعدما عزل مديره المصور المشهور، شهيد الله علم، وألغى متحف سار لاند معرضا لعام 2024، للفنانة اليهودية الجنوبي أفريقية المقيمة في برلين، كانديس بريتز.
وفي الفترة الأخيرة توصل مجلس شيوخ ولاية ومؤسسة هنريش بول المرتبطة بحزب الخضر، لسحب جائزة حنا أرنت للتفكير السياسي من الكاتبة الروسية الأمريكية، وهي يهودية.
اظهار أخبار متعلقة
وإلى جانب هذا، فقد تم التعامل مع التضامن مع فلسطين بعنف من الشرطة، فيما ذكرت عدة تقارير موثوقة، أن الشرطة تقوم بتنميط واعتقال حتى غير المشاركين، من المارين في الشوارع. إذ منعت شرطة برلين، مسيرة شبابية ضد العنصرية، وتظاهرة، لتذكر الأطفال الذين قتلوا في
غزة وكذا تحركات نظمها ناشطون يهود وإسرائيليون.
وبحسب الشرطة، فإن المسيرة التي نظمتها منظمة "الصوت اليهودي": "لن يسمح بها، لأنها ستكون مفتوحة وبشكل واضح لمشاركين من أصل فلسطيني". ويدعو الاتحاد المسيحي الديمقراطي لقرار يجعل من دعم إسرائيل كشرط للحصول على الجنسية الألمانية، ممّا يهدد أصحاب الجنسية المزدوجة بنفس العقوبة التي يتمنونها لريم سحويل.
وبعد منع برلين رفع العلم الفلسطيني والألوان المرتبطة به، والكوفية، وهو ما أبرزته صور مدرس وهو يضرب تلميذا يحمل العلم، وتم تعليق دراسة طالبين، أما الأستاذ فلم يواجه بعد تداعيات فعله.
وتعلق صالحي، "إن التعاطف الكبير بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والمقارنة مع مناخ 9/11 في الولايات المتحدة بمستويات متعددة وبمبررات من كل الأطراف. إلا أن مثل هذه المقارنات لها أكبر من الجدارة في ألمانيا والقمع القانوني والثقافي والسياسي لأي شخص يعبر عن علاقة تعاطف ولو بسيطة مع الحقوق الفلسطينية، وهذا مشهد غير مسبوق".
وفي السياق نفسه، أصبحت المؤسسات الثقافية في "أرض المفكرين والشعراء" منفصمة عن الواقع، وليس فيما يتعلق بالدروس العامة للتراث الامبريالي ولكن مع بقية المفكرين والشعراء حول العالم.
اظهار أخبار متعلقة
وشاركت مؤرخة الفن وباحثة الآثار الألمانية – الإسرائيلية، كاترينا غالور، في كتاب نشر عام 2020 "المثلث الأخلاقي: الألمان، الإسرائيليون والفلسطينيون"، مشيرة إلى أن "تقنين الدعم لإسرائيل كشرط للمواطنة، يعني أن الشتات الفلسطيني وهو الأكبر في أوروبا؛ يفهمون التاريخ وسياق العنف، ولكنهم لا يستطيعون الحديث، ليس لأن هناك تداعيات اجتماعية بل لأن هذا يترك تداعيات على حياتهم وبقائهم بما في ذلك خسارة وظائفهم".
وقالت الكاتبة اليهودية، المقيمة في برلين، ديبورا فيلدمان، وبنوع من التحسر، إنها ومنذ انتقالها إلى ألمانيا لم تكن قادرة على مناقشة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني باستثناء الإسرائيليين والفلسطينيين "ويميل الألمان لقطع أي محاولة بناءة للحوار وبعبارة مفضلة للجميع وهي أن ذلك الموضوع معقد".
وفي مناقشة مع نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، على برنامج شعبي "ماركوس لانز" تتذكر فيلدمان قائلة: "أخبرته في لحظة ما، عليك الاختيار ما بين إسرائيل واليهود، لأن هذين الأمريكيين ليسا متداخلين، بل وأحيانا متناقضين، لأن الكثير من ملامح الحياة اليهودية مهددة بالولاء المطلق لدولة ترى أن بعض اليهود يستحقون الحماية".
وفي نهاية الحلقة اعترف مقدم الحلقة، بأن منتجي البرنامج لم يكونوا قادرين على دعوة ضيوف فلسطينيين مستعدين للمشاركة في البرنامج. وكما ناقش الباحث في الإبادة، إي ديرك موسيز، في مقال نشره عام 2021، فقد تم بناء الهوية الوطنية الألمانية المعاصرة كـ"نسخة تائبة تصبح فيها تضحية اليهود في الهولوكوست على يد النازيين، أساس الشرعية للجمهورية الفدرالية".
ولهذا السبب يبدو الهولوكوست أكثر من كونه حدثا تاريخيا مهما، إنه صدمة مقدسة لا يمكن احتواؤها بأخرى كافرة، أي غير اليهود، أي الضحايا غير اليهود والإبادات الأخرى التي من شأنها أن تنزع عنه وظيفته القربانية".
ولم يبدأ الألمان بالعودة إلى تراثهم الاستعماري الخاص إلا بعد الانتفاضات المضادة للعنصرية في الولايات المتحدة عام 2020، مع أن التواصل بين الحكم النازي والاستعماري للقيصر ويليهم الثاني موثق جدا. فسياسة الإمبراطورية الألمانية للإبادة الاستيطانية- الاستعمارية فيما تعرف اليوم في نامبيا، قتلت ما يقرب عددهم من 100.000 شخص في الفترة ما بين 1904 – 1908، حيث محت نسبة 80 في المئة، من قبائل هيروري من شعب الناما.
اظهار أخبار متعلقة
وفي الوقت نفسه كانت ألمانيا الإمبريالية، رائدة في معسكرات القتل والتجارب الطبية الفظيعة التي ستصبح علامة فارقة للحكم النازي. وعلى خلاف الولايات المتحدة، ففكرة أن المجتمع الألماني قد يكون عنصريا في جوهره وليس هامشه، ليست متصورة. وانتقد كارامبا ديباي، أول عضو في البودنستاغ في 2020، ميل المجتمع الألماني للتقليل من مشاعر التفوق الأبيض العميقة والكراهية للأجانب المحايدة. وتلقى تهديدات بالقتل وأطلق النار على مكتبه في هالي.
ولم يعد بالإمكان الآن- لتحليل الثقافة الألمانية فيما بعد الحرب العالمية بدقة وبدون فحص دور الهوية الفلسطينية في الوعي الوطني الألماني ذاته. ويجب على البيض الألمان وهم التيار الرئيس تعلم درس آخر من الماضي، لا يمكنهم التغلب عليه أو تجاوزه بسهولة: ليس لهم الحق في إخبار شعب آخر ما يجب التفكير به.