نشرت صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، في نسختها الإنجليزية، تقريرًا، سلطت من خلاله الضوء على الأطراف التي ستتحمل تكاليف إعادة بناء قطاع
غزة، بعد الدمار الشديد الذي شهده نتيجة العدوان عليه من الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه "حتى مع استمرار القتال والموت والدمار، بدأ الجدل حول تمويل عملية إعادة الإعمار. وبينما الخسائر البشرية الناجمة عن الصراع في غزة لا تحصى، فإن تكاليف إعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي لغزة ليست كذلك".
وتشير التقديرات الأولية، إلى أن "الخسائر المادية قد تصل إلى 50 مليار دولار (46.4 مليار يورو)"؛ فيما أشارت وسائل إعلام عبرية، هذا الأسبوع، إلى أن بنيامين نتنياهو، أبلغ لجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة له، أن السعوديين والإماراتيين سيكونون على استعداد لدفع فاتورة إعادة إعمار غزة.
وقد اقترح نتنياهو، أن الاتحاد الأوروبي، وألمانيا على وجه الخصوص، كان من كبار المانحين على المدى الطويل للمساعدات الإنسانية للأراضي
الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن أن الولايات المتحدة، هي إحدى أكبر الجهات المانحة، ومن المرجح أن تتم دعوتها لتمويل عملية إعادة الإعمار.
وأردفت الصحيفة، أنه "في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، تشير تقارير مطلعة، إلى أن صناع القرار يتساءلون خلف الكواليس بالفعل عن السبب الذي يدفعهم مرة أخرى إلى دفع الملايين من أموال دافعي الضرائب لإعادة بناء البنية الأساسية التي من المرجح أن تتعرض للقصف مرة أخرى، في المستقبل القريب".
اظهار أخبار متعلقة
هذا الأسبوع، كتب كبير المعلقين على الشؤون الخارجية في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، جدعون راشمان: "لقد سمعت كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقولون بشكل لا لبس فيه، إن أوروبا لن تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة". وأضاف: "يبدو أن الكونغرس الأمريكي انقلب ضد جميع أشكال المساعدات الخارجية".
هل ستدفع "إسرائيل" ثمن الدمار؟
أوضحت الصحيفة نفسها، أنه "كانت هناك دعوات تطالب إسرائيل بدفع ثمن الأضرار التي ألحقتها خلال حملتها الحالية في غزة، حيث يعتقد البعض أنه نظرًا لأن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية أخرى، تعتبرها قوة احتلال هناك، فيجب عليها تحمل مسؤولية إعادة بناء غزة".
واسترسلت أنه "في عام 2010، وافقت إسرائيل على تعويض وكالة الأمم المتحدة الرئيسية العاملة في غزة، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، بمبلغ 10.5 ملايين دولار مقابل المباني التي دُمرت خلال هجومها الأصغر بكثير في سنة 2009 على القطاع".
وأوضحت أن "هذا التعويض قد أثار جدلا بين الإسرائيليين، الذين تساءلوا عما إذا كان المبلغ يعني أنهم يعترفون بالذنب. لكن كانت هذه حالة نادرة وافقت فيها إسرائيل على دفع تعويضات".
وأضافت الصحيفة أن "أكثر من نصف المساكن في غزة دُمر؛ ما يصل إلى 50 ألف وحدة سكنية، مع تضرر أكثر من 200 ألف وحدة أخرى، ناهيك عن تدمير عشرات المستشفيات ومئات المدارس والمباني الحكومية، وكذلك المنشآت الزراعية، التي بُني العديد منها بتمويل من الجهات المانحة الدولية".
وخلال هجوم الاحتلال الإسرائيلي الأخير على غزة خلال عام 2021، دُمرت حوالي ألف وحدة سكنية وتجارية، وتضررت 16.257 وحدة أخرى، بالإضافة إلى 60 مدرسة. وقُدّرت تكلفة إعادة الإعمار بحوالي 8 مليارات دولار (7.4 مليارات يورو).
إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن مديرة مكتب الأونروا التمثيلي في أوروبا، مارتا لورينزو، أن "مستوى الأضرار والدمار الهيكلي غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بأي حرب أخرى في غزة. لذا من الصعب للغاية الآن معرفة كم سيكلف ذلك، لكنها لن تكون مسؤولية مانح واحد فقط".
اظهار أخبار متعلقة
وفي حوارها مع صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، أوضحت المتحدثة نفسها، أن "ما سيحدث على الأرجح عندما ينحسر العنف، هو أنه قد ينعقد مؤتمر للتعهد بتكاليف إعادة الإعمار وخلاله نتوقع أن يتقاسم المجتمع الدولي هذه المسؤولية".
تمويل غزة لعبة سياسية
أما فيما يتعلّق بالطرف الذي سيتحمل الحصة الأكبر من عبء تكاليف إعادة إعمار غزة، قالت الصحيفة إن "الإجابة صعبة لأن تمويل المساعدات وإعادة الإعمار في غزة، فضلاً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها من المشاريع المرتبطة بالفلسطينيين، كان محفوفا بالمخاطر السياسية لعقود من الزمن".
وأضافت: "حقيقة أن حماس تحكم غزة منذ عام 2007 كانت مشكلة بالنسبة للمانحين، الذين تساءلوا عن كيفية إيصال المساعدات والأموال إلى من يحتاجون إليها، دون تمويل أنشطة حماس العسكرية".
وأوضحت الصحيفة أن "الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر على غزة منذ 16 عاما، أدى إلى تدهور اقتصاد غزة. بينما قالت الأمم المتحدة، إنه في عام 2022، كان 80 في المائة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات. وكانت الأونروا قد قدّمت الكثير من تلك المساعدات قبل الأزمة الحالية، بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والمدارس والعيادات الصحية، وهي ثاني أكبر جهة توظيف في غزة".
وأشارت الصحيفة الألمانية إلى أنه "على الرغم من أن كبار الوزراء في الحكومة الإسرائيلية، قالوا إنهم يريدون التخلص من الأونروا تماما، إلاّ أن السياسيين المعتدلين في الدول المانحة، يعتقدون أن وجود المنظمة ضروري".
وأردفت: "مثال آخر على هذا النوع من الجدل الدائر حول إعادة الإعمار، هو ما يسمى بآلية إعادة إعمار غزة التي تم إنشاؤها خلال عام 2014 كإجراء مؤقت لمنع حماس من وضع أيديها على مواد البناء؛ ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكنها، على سبيل المثال، من بناء الأنفاق، وانتهى بها الأمر إلى أن أصبحت نظامًا معقدًا وبيروقراطيًا للغاية، وهو النظام الذي أدى إلى تأخير كبير في وصول مواد البناء إلى غزة".
لا يوجد حل في الأفق
حسب ناثان براون، وهو زميل بارز في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيجي، فإن "هذه الخلافات لن تختفي بمجرد انتهاء حملة الدمار الاستثنائية"، مشيرًا إلى "أن الأمر في الواقع سيزداد سوءًا".
وأضاف براون: "لن يكون التمويل هو المشكلة بل السياسة". مشيرا إلى أن "الكثير من المانحين سيكونون على استعداد للتبرع إذا بدا أن القضية في طريقها إلى الحل الدائم".
وخلال الأيام القليلة الماضية، كانت هناك عدة تقارير، تفيد بأن "الإمارات ستدفع بالفعل تكاليف إعادة البناء في غزة، ولكن فقط إذا تم ضمان حل الدولتين". ولكن براون يقول إن "التوصل إلى حل دائم يبدو غير مرجح في الوقت الراهن".
اظهار أخبار متعلقة
وأضافت يارا عاصي، وهي الزميلة غير المقيمة في المركز العربي بواشنطن العاصمة، أنه "في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأسئلة دون إجابة"؛ مستفسرة "إذا لم يكن هناك حكم شرعي في غزة، فهل سيكون المانحون مرتاحين لإرسال عشرات الملايين من الدولارات؟ يريدون بعض الضمانات لمستقبل سياسي من نوع مختلف قبل أن يرسلوا كل هذه الأموال مرة أخرى".
كما أشارت إلى أنه "إذا كان الأوروبيون والأمريكيون غير راضين حقاً عن تعرض الدفيئات الزراعية والمدارس والمستشفيات التي يساعدون في بنائها لدوامات متكررة من العنف، فيتعين عليهم أن يبذلوا محاولات أكثر تصميما للمساعدة في حل الحرب الفلسطينية الإسرائيلية".