تدهورت ثقة الأعمال في
مصر إلى أدنى مستوى لها منذ نحو 12 عاما، حيث تراجع مستوى الثقة لدى شركات القطاع الخاص في مصر بشكل غير مسبوق منذ عام 2012.
وأرجع مؤشر
مديري المشتريات تراجع ثقة شركات القطاع الخاص في مصر لشهر تشرين الثاني/
نوفمبر ، السبب إلى ارتفاع معدل التضخم
والانخفاض المستمر في الإنتاج والطلبات الجديدة.
وتسببت الضغوط
الناجمة عن التضخم، بحسب مؤشر مديري المشتريات الصادر عن "إس أند بي
غلوبال" إلى انخفاض حاد في المبيعات إلى العملاء، وارتفاع كبير في الأسعار
الناتج عن ضعف العملة وصعوبات الحصول على مستلزمات الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض في
التوظيف والمشتريات.
كما واصل نشاط
القطاع الخاص الانكماش للشهر الـ 36 على التوالي، وسجل مؤشر مديري المشتريات 48.4
نقطة في تشرين الأول/ نوفمبر، وظلت دون حاجز 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش
منذ تشرين الأول/ نوفمبر 2020، وبذلك ظل نشاط القطاع الخاص في منطقة الانكماش
لثلاث سنوات.
إظهار أخبار متعلقة
تواجه الشركات
المصنعة في مصر من انخفاض الإنتاج بسبب استمرار مشكلات الاستيراد التي وعدت
الحكومة مرارا بحلها، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج في عدد من القطاعات، واضطرت أيضا
إلى رفع أسعارها بمعدل أسرع لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج، نتيجة ضعف العملة ونقص
الإمدادات.
مع انخفاض ثقة
الأعمال إلى أدنى مستوياتها منذ نيسان/ أبريل 2012، أظهرت بيانات المسح أن التشاؤم
بشأن مستويات الإنتاج خلال الأشهر العام المقبل، انخفض أيضا إلى أدنى مستوى له على
الإطلاق، إذ تتوقع الشركات أن يستمر التضخم في خفض الطلب ورفع تكاليف المدخلات.
التضخم
والدولار والفائدة
بلغت معدلات
التضخم الأساسي على أساس سنوي مستويات قياسية هذا العام متجاوزة 40%، ولكن بعض
السلع تجاوز التضخم فيها 100%، على خلفية الخفض المتتالي لقيمة العملة المحلية
والنقص المستمر في العملات الأجنبية.
من المثير
للتشاؤم أيضا، أن مسلسل تخفيض قيمة العملة لم ينته بعد، ومن المتوقع على نطاق واسع
أن تُجري مصر تخفيضا آخر (رابع) لقيمة الجنيه، ورفع أسعار الفائدة إلى أعلى
مستوياتها منذ عدة عقود بعد الانتخابات الرئاسية المقررة هذا الشهر، ومن شأن ذلك
أن يؤدي إلى موجة جديدة من التضخم وزيادة الضغوط على النشاط
الاقتصادي.
انعكس تراجع الإنتاج على معدلات الصادرات،
وارتفع عجز الميزان التجاري في أيلول/ سبتمبر الماضي بنسبة 10.3%، ليسجل 3.14
مليار دولار ، وذلك بعد انخفاض صادرات مصر في الشهر ذاته بنسبة 33.7%، وفقا
لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
بيئة الأعمال
في ضيق وتضييق
يعتقد الخبير
المصرفي والمالي، شريف عثمان، أن "مناخ الاستثمار الناجح في أي بلد يتطلب عدة
أمور، مثل الثقة في العملة، وبيئة تشريعية قوية، وقدرة على البيع والتخارج من
السوق، وأعتقد أن جميعها لا تتوفر في السوق المصرية".
وعزا في تصريحات لـ"عربي21"، تراجع
ثقة المستثمرين والشركات إلى أن "هناك كيانات تسيطر على النشاط الاقتصادي..
وتسمح بالفتات للقطاع الخاص، ومن ثم هذا القطاع فقد الثقة ويحاول الابتعاد كلما
سنحت الفرصة، ولنا في الإخوة ساويرس أوضح مثال، حيث ينقلون أنشطتهم، الواحد تلو
الآخر، خارج مصر".
إظهار أخبار متعلقة
دفعت بيئة الأعمال المضطربة في مصر أغنى رجل في
مصر، الملياردير ناصف ساويرس، إلى إعلان نقل مكتب عائلته إلى أبوظبي بدولة
الإمارات بدلا من مصر؛ في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الناجمة عن مجموعة من
المشاكل.
أعرب رجل الأعمال المصري الملياردير، نجيب
ساويرس، عن تشاؤمه من الوضع الاقتصادي الحالي وضبابية المشهد، وقال: "الوحيد
الذي يعرف أين سوف يصل سعر الدولار هو الله"، منتقدا عدم استقرار سعر الجنيه
مقابل الدولار، بما يؤثر سلبا على مشروعاته في مصر.
واعتبر
ساويرس، في تصريحات صحفية على هامش منتدى "شغلني" في القاهرة، أن
التضخم وأسعار المواد الأساسية وارتفاع نسبة الفائدة على القروض، كلها عوامل تأكل
من أرباح المطورين العقاريين، مشيرا إلى أنه لم يربح من مشروعه في مدينة الشيخ
زايد "جنيها"، على حد قوله.
غياب الثقة والشفافية وعدم القضاء على الفساد
وبشأن تدهور
بيئة العمل والاستثمار في مصر، رغم ما تعلنه الحكومة المصرية من إجراءات لتحسينها، وصف الباحث الاقتصادي والاجتماعي، إلهامي الميرغني، تلك الإجراءات بأنها "غير
مجدية؛ لأنها تعالج المشاكل بطريقة خاطئة، ولا تعالج جذور المشكلة التي تبني جسور
الثقة مع المستثمرين، وتفضيل شركات الدولة والقوات المسلحة ومحاباتها على حساب
القطاع الخاص، من ثم لا يوجد حرية استثمار".
إلى جانب غياب جسور الثقة والمحاباة، يرى
الميرغني في حديثه لـ"عربي21"، أن "ظاهرة الفساد، تعد أحد أكثر
العراقيل أمام حرية الاستثمار، وغياب الشفافية، والمطالع للمؤشرات الاقتصادية
للدولة هي مؤشرات سلبية وفي تراجع مستمر، ورغم ذلك لا يوجد أي إجراءات حقيقية لوقف
هذا التدهور، ووقف نزوح رأس المال والاستثمارات خارج مصر".
تحتاج بيئة
المناخ في مصر للتشجيع على الاستثمار، وفقا للاقتصادي المصري، تضافر عدد من
الإجراءات على رأسها القضاء على الفساد والمحسوبية، وبحاجة إلى الشفافية في كل
شيء، وتساوي الفرص أمام جميع المستثمرين، واستقرار الوضع الاقتصادي وهيكلته على
أسس صحية، وحتى تحقيق هذه الخطوات ستظل بيئة ومناخ الاستثمار في تدهور.
تهيمن ديون مصر المستحقة في عام 2024 التي تواصل
الارتفاع على جهود الحكومة المصرية لتجنب شبح التخلف عن سدادها، إذ توقع البنك
المركزي أن يبلغ إجمالي أقساط الديون والفوائد المستحقة على البلاد نحو 42.3 مليار
دولار خلال عام 2024 وحده.
إظهار أخبار متعلقة
ارتفعت الديون متوسطة وطويلة الأجل المستحقة على
مصر خلال عام 2024 وحده إلى نحو 32.8
مليار دولار، ما يعادل 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد 2024، إلى جانب سداد
نحو 9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول
من 2024.
وتضاعف دين مصر الخارجي بنحو أربع مرات خلال
العقد الماضي، ليبلغ مستوى قياسيا عند 165.4 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس
الماضي، أي ما يعادل نحو 40.3% من الناتج
المحلي الإجمالي للبلاد، وتمثل الديون المقومة بالدولار أكثر من ثلثي الديون
الخارجية للبلاد.