كتاب عربي 21

إيرن والعرب والمقاومة

محمد هنيد
المشروع الإيراني بشقّيه العقائدي والسياسي تبلور ووضح عند تأسيس الجمهورية الخمينية نفسها علما بأنه يحمل جذوره التاريخية مع نشأة الدولة الصفوية.  (الأناضول)
المشروع الإيراني بشقّيه العقائدي والسياسي تبلور ووضح عند تأسيس الجمهورية الخمينية نفسها علما بأنه يحمل جذوره التاريخية مع نشأة الدولة الصفوية. (الأناضول)
لم يستأثر موضوع من المواضيع الجدالية بما استأثر به موضوع علاقة المقاومة في غزة بالمشروع الإيراني خلال الأسابيع الماضية، حيث انقسم الشارع العربي المتابع للحرب على غزة إلى موقفين أساسيين.  يرى الموقف الأول أن صمود المقاومة في غزة إنما يعود في جزء كبير منه إلى الدعم الكبير الذي حصلت عليه من إيران وحلفائها في المنطقة وهو موقف يستند أساسا إلى تصريحات قادة المقاومة في شكر طهران على دعمها ومساعدتها. أما الموقف الثاني فيرى أن المقاومة قد انتصرت بأدواتها المحلية وليس شكر دول الإقليم إلا مناورة سياسية وسط محيط من العداء العربي.

المشروع الإيراني والمقاومة

ليس هذا المشروع وليد اليوم بشقّيه العقائدي والسياسي بل تبلور ووضح عند تأسيس الجمهورية الخمينية نفسها علما بأنه يحمل جذوره التاريخية مع نشأة الدولة الصفوية. دخلت إيران الحرب مع العراق التي ستشكل الخصائص الرئيسية لعلاقة المحيط العربي بالجمهورية الجديدة وهي الحرب التي مكّنت إيران من زرع الأسس الأولى لخلاياها داخل الحزام العربي في العراق وسوريا ولبنان أساسا مستفيدة من وجود الجسم الشيعي العربي الذي يعاني القمع والتهميش.

استفاد النظام الإيراني بعد ذلك استفادة قصوى من الحرب الأمريكية على العراق في بداية التسعينات ونسّقت خلاياه العراقية مع طهران من جهة ومع المحتل من جهة ثانية وسط حالة من الهلع والخوف في صفوف الحزام العربي خاصة في الخليج بفعل غزو الكويت. ثم تمكنت من فرصة ثانية بعد الغزو الثاني للعراق في 2003 لتضع يدها بشكل نهائي على القرار السيادي العراقي بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة عبر ميليشياتها المسلحة هناك. ثم استفادت مرة ثالثة من ثورات الربيع العربي خاصة في سوريا لتخترق الصف العربي وتتحول إلى لاعب أساسي في الشام بعد التحالف المباشر مع نظام قبل أن يمنحها الغزو السعودي لليمن فرصة رابعة لتضع يدها على صنعاء وتصير لاعبا مركزيا في خاصرة الخليج العربي على الحدود مع السعودية.

لم يكتف العرب بمحاربة المقاومة بل خلّصوا المحور الإيراني من كل منافسة محلية بعد أن أشرفوا عن قصد أو عن غفلة على محاربة التنظيمات العربية السنية داخل بلدانهم وخارجها. لكنهم في المقابل يتهمون التنظيمات الفلسطينية وخاصة في غزة بالتحالف مع إيران بسبب شكر قادة المقاومة لطهران؟
ارتكز الطابع التوسعي على أداتين أساسيتين : أما الأولى فعقائدية المظهر وتستند على فكرة المظلومية الشيعية باعتبارها بديلا لما يسمونه المشروع السنّي أو حتى الوهابي. أما الأداة الثانية فسياسية أساسا تقوم على فكرة المقاومة والممانعة ومحاربة نظام الاستكبار العالمي وحلفائه في المنطقة والمقصود بهم كل الأنظمة العربية غير الموالية للمشروع الإيراني.

تبدو الوسيلة الأولى في الحقيقة سندا للثانية أي أن المشروع السياسي للثورة الخمينية هو جوهر المشروع وليس الشق العقدي منه. المقاومة هي الجوهر الذي تدور حوله بقية المفاهيم وهي مقاومة تتخذ ثلاثة أبعاد رئيسية : مقاومة الاستكبار العالمي ورأسه الصهيونية والشيطان الأكبر ومقاومة الأنظمة والحكومات الرافضة سياسيا للمشروع الإيراني ثم مقاومة الفكر السنّي وحركاته السياسية ممثلا في كل الحركات الإسلامية السنية تقريبا.

تسللت إيران إلى الحاضنة السنية على الخطوط المشتعلة وتحديدا في فلسطين مالئة الفراغ الكبير الذي تركه العرب هناك لكنها لم تنجح رغم كل الجهود في تحقيق استقطاب كامل لحركة المقاومة الإسلامية هناك. وهو ما يفسر العلاقة الحذرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والنظام الإيراني في طهران.

العرب والمقاومة

نقصد بها أساسا مكونات النظام الرسمي العربي التي على خلاف إيران فإنها لم تمتلك يوما مشروعا قوميا أو إقليميا أو محليا مهما كان نوعه بل يمكن القول إن الصراعات البينية هي الخاصية الأساسية للفعل السياسي العربي. إن المشروع الوحيد الذي تملكه الأنظمة العربية هو مشروع ضمان البقاء في السلطة سواء كان النظام عسكريا أو وراثيا أو جمهوريا أمنيا وهو ما أوجب عليها لضمان ذلك قمع كل فكر معارض أو مقاوم.

تطوّر هذا المشروع بعد ثورات الربيع إلى مشروع أخطر متمثلا في الهرولة نحو مشاريع التطبيع التي شملت الاقتصاد والثقافة والسياسة وصولا إلى مشروع الديانة الإبراهيمية. ليست هذه المشاريع إلا آخر محطات السقوط الرسمي التي تحولت إلى ظهير صريح للاحتلال وعدو أكثر صراحة للشعوب والمقاومة. إن تصريحات المسؤولين الصهاينة اليوم عن مطالب بعض الدول العربية من جيش الاحتلال سحق المقاومة في غزة تشكل دليلا فاضحا على حجم التآمر الرسمي على غزة وعلى القضية الفلسطينية.

الصادم في هذا الموقف أن الدول الخليجية ومعها مصر تعتقد أن التطبيع والتحالف مع الاحتلال ووكلائه في الغرب ضامن لسلطتها حامٍ لعرشها في حين أن الاحتلال نفسه قد استنجد بالأساطيل الأمريكية والجيوش الأوروبية والمرتزقة من كل القارات ولم ينجح في دحر المقاومة والانتصار عليها.

حاربت الحكومات العربية باستثناءات نادرة كل أشكال المقاومة في فلسطين وخارجها ودعمت السلطة العميلة في الضفة بما هي ذراع للتنسيق الأمني الصريح مع المحتل. شكّل ذلك تحالفا موضوعيا مع الجيش الصهيوني وفتح الباب أمام الأذرع الإيرانية التي تتغطى بالمقاومة خاصة في لبنان والعراق وسوريا.

لم يكتف العرب بمحاربة المقاومة بل خلّصوا المحور الإيراني من كل منافسة محلية بعد أن أشرفوا عن قصد أو عن غفلة على محاربة التنظيمات العربية السنية داخل بلدانهم وخارجها. لكنهم في المقابل يتهمون التنظيمات الفلسطينية وخاصة في غزة بالتحالف مع إيران بسبب شكر قادة المقاومة لطهران؟

إن المشروع الوحيد الذي تملكه الأنظمة العربية هو مشروع ضمان البقاء في السلطة سواء كان النظام عسكريا أو وراثيا أو جمهوريا أمنيا وهو ما أوجب عليها لضمان ذلك قمع كل فكر معارض أو مقاوم.
لم يسأل العرب أنفسهم ماذا قدموا للمقاومة؟ لماذا تركوا غزة تنزف وحدها وتطرق باب طهران وغيرها طلبا للتمويل والدعم والسلاح؟ ألم يصرح خالد مشعل بأنهم طرقوا أبواب كل العرب ولم يساعدهم أحد باستثناءات قليلة جدا؟ من دفع المقاومة في فلسطين إلى الحضن الإيراني؟ ومن دفع الحوثي في اليمن إلى الحضن الإيراني؟ ومن ساهم في تدمير العراق وتسليمه إلى طهران ؟ ومن باع الثورة السورية لتسيطر إيران على دمشق؟

لا نلوم إذن طهران في تجنيد محورها واستقطاب المقاومة العربية الهاربة من غدر العرب فهي نظام صاحب مشروع توسعي في الإقليم لكن كل المسؤولية في التمدد الإيراني في الخليج والشام إنما تقع على عاتق الدول العربية نفسها. لسنا نعادي إيران لسبب آخر غير ما ارتكبته مليشياتها من قتل ومجازر مرعبة في العراق وسوريا بشكل خاص ولسنا نلوم المقاومة في غزة على الاستنجاد بطهران لأن من يده في الماء ليس كمن يده في النار.

ليس أمام النظام العربي خيارات كثيرة اليوم مع وصوله إلى آخر أطواره التاريخية فإما أن يتصالح مع مكوناته الداخلية وعلى رأسها مطالب الشعوب في العدالة والحرية ومقاومة الاحتلال أو أن يسلم المنطقة إلى مشاريع الاحتلال والتمدد الاقليمي.
التعليقات (0)