لا
تزال تداعيات معركة طوفان الأقصى والحرب على غزة والمقاومة فيها مستمرة، على جميع
الصعد السياسية والفكرية والإعلامية والعسكرية والحضارية. وبانتظار وضوح الصورة
ومعرفة نتائج تلك المعركة ونهاياتها وآفاقها السياسية، لا بد من الإطلالة مجددا
على أحد أبرز ما أفرزته تلك الحرب، وهي عودة التيار الإسلامي المقاوم (بكل فصائله
في
فلسطين والمنطقة) إلى واجهة الأحداث، وإن كانت حركة حماس هي أبرز وجوه هذا
التيار اليوم كونها هي من أطلقت معركة طوفان الأقصى وهي من تدير الصراع والحرب في
غزة بالتعاون مع بقية فصائل
المقاومة في غزة، وخصوصا حركة الجهاد الإسلامي، إضافة
إلى حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان، وحركة أنصار الله في اليمن، والمقاومة
الإسلامية في العراق.
وقد أعادت
هذه المعركة (وبانتظار نتائجها السياسية والميدانية) الحديث مجددا عن المشروع الإسلامي
في فلسطين والعالم العربي، وطرحت العديد من الأسئلة حول أهداف هذا المشروع اليوم،
وما هي رؤيته لمستقبل الصراع مع العدو الصهيوني؟ وما هو الموقف من مشروع حل
الدولتين في فلسطين؟ وكيف يُنظر إلى دور بقية المكونات السياسية والفكرية والدينية
في العالم العربي؟ وما هو الموقف من قيام الدولة؟ وكيف يتعامل مع الغرب والعالم والتطورات
الحاصلة فيه بإيجابياتها وسلبياتها؟
والعودة
إلى الحديث عن المشروع الإسلامي السياسي والفكري اليوم تجعلنا نستعيد دور التيار
الإسلامي في الربيع العربي قبل 13 سنة، خصوصا أننا في مثل هذه الأيام شهدنا بدايات
انطلاق الربيع العربي في تونس بعد ثورة البوعزيزي، ومن ثم انتقاله إلى مصر وبقية
الدول العربية. ولا زلنا إلى اليوم نعيش ارتدادات وتداعيات ونتائج هذا الربيع بإيجابياته
وسلبياته، ولا يزال العالم العربي يعيد مراجعة ما جرى طيلة السنوات الثلاث عشرة
الماضية ويدرس أسباب ما جرى، والنتائج التي أدى إليها وأسباب الفشل والتعثر
للثورات الشعبية العربية.
نحن إذن أمام فرصة جديدة لإعادة بلورة المشروع الإسلامي وأسسه الفكرية والسياسية والجهادية والاجتماعية والحضارية، وهو ليس مشروعا منغلقا أو رافضا لبقية المكونات في الأمة والعالم، بل هو منفتح ومتعاون مع كل القوى اليسارية والقومية والليبرالية التي تناضل من أجل الإنسان وحريته، وهو يحتضن كل الأفكار والاتجاهات التي تواجه الكيان الصهيوني ومن يدعمه
واليوم
تعيد معركة طوفان الأقصى والحرب في غزة ومقاومة أبناء الشعب الفلسطيني الحديث عن التيارات الإسلامية الفكرية والمقاومة ودورها في الصراع، ولكن الصورة
اليوم تبدو أكثر وضوحا ونضارة مما حصل في سنوات الربيع العربي.
فالاندماج
بين المشروع الإسلامي الفكري (سواء تيار الإخوان المسلمين أو التيار الجهادي أو التيار
المتأثر بالثورة الإسلامية في إيران) وبين خيار المقاومة في فلسطين ومواجهة
المشروع الصهيوني المدعوم من أمريكا وعدد من الدول الغربية؛ يجعل هذا المشروع على
السكة الصحيحة. ولا يستطيع أي مفكر أو محلل أو مراقب أن يشكّك بالنتائج الهامة
التي أفرزها هذا المشروع الإسلامي اليوم في هذا الصراع وفي إطار القضية الفلسطينية،
فالجميع يعترف بما أنجزته حركة حماس من نتائج في مواجهة الجيش الإسرائيلي في معركة
طوفان الأقصى والصمود في قطاع غزة مع بقية الفصائل المقاومة، وكذلك ما أنجزه سابقا
حزب الله من تحرير لجنوب لبنان ومن انتصارات في مواجهة
الاحتلال الصهيوني في كل
الحروب التي خاضها ضده ولا يزال إلى اليوم.
إذن، فارتباط
المشروع الإسلامي بالقضية الفلسطينية (وهو ليس جديدا منذ نشأة الإخوان المسلمين
وبقية الحركات الإسلامية وصولا للثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في
لبنان)، يعطي هذا المشروع مشروعية كبيرة في النضال السياسي والفكري والجهادي
ويعيده إلى موقعه الحقيقي على الصعيد الشعبي، خصوصا إذا ارتبط بوضوح الرؤية على
الصعيد العالمي وعرف طبيعة علاقة الكيان الصههوني مع الولايات المتحدة الأمريكية
ودول الغرب، وأصبح الصراع مع هذا الكيان جزءا من معركة التحرر الكبرى في المنطقة
والعالم وتجاوز كل الحساسيات المذهبية والدينية والفكرية.
نحن إذن
أمام فرصة جديدة لإعادة بلورة المشروع الإسلامي وأسسه الفكرية والسياسية والجهادية
والاجتماعية والحضارية، وهو ليس مشروعا منغلقا أو رافضا لبقية المكونات في الأمة
والعالم، بل هو منفتح ومتعاون مع كل القوى اليسارية والقومية والليبرالية التي
تناضل من أجل الإنسان وحريته، وهو يحتضن كل الأفكار والاتجاهات التي تواجه الكيان الصهيوني ومن يدعمه، وكذلك هو منفتح على بقية المكونات الدينية والحضارية في الأمة
ويعتبرها جزءا أساسيا من حضارة المنطقة ولها دور أساسي في هذا الصراع، وهو يأخذ
بالاعتبار الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية من أجل توجيه البندقية في الاتجاه
الصحيح وعدم الانحراف في الصراع في معارك داخلية.
لا يعني ذلك الصدام مع بقية الأفكار والطروحات السياسية، وإذا كان هناك من يمتلك حلا سحريا لمواجهة هذا الكيان الإجرامي الذي لا يلتزم بأية معاهدات دولية أو اتفاقيات دولية أو قرارات دولية أو مواثيق حقوق الإنسان، فليتقدم بما لديه ولتتم المناقشة على ضوء ما جرى في الحرب على غزة، خصوصا مشروع حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو غير ذلك من الطروحات التسووية
هذا
المشروع الإسلامي الذي نجح في تشكيل قوة مقاومة حقيقية قادرة على تحقيق انتصار
كبير في مواجهة الكيان الصهيوني وأمريكا وكل من يدعمه؛ مطالب اليوم بإعادة بلورة
رؤيته حول كل القضايا والملفات الداخلية في كل دولة عربية وعلى الصعيد العالمي،
واعتبار قضية فلسطين هي الأولوية كونها أهم قضية تحرر في العالم، ويصبح المعيار في
الأداء السياسي أو الموقف من الأحزاب والتيارات الأخرى مرتبطا بالموقف من هذه
القضية، وتصبح القضايا الأخرى مرتبطة بهذا الصراع وأولوياته، لأنه لا يوجد أي تحرر
أو تنمية أو ديمقراطية حقيقية طالما أن هناك احتلالا صهيونيا مدعوما من أمريكا
ودول أخرى.
وعلى
ضوء ذلك نحن بحاجة اليوم لإعادة التفكير بالمشروع الإسلامي وكذلك المشروع النهضوي
العربي، وإعادة الاعتبار لأولوية القضية الفلسطينية دون أن يعني ذلك إغفال بقية
القضايا الأساسية كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والتكنولوجيا والعلم، وكلها
مهمة وأساسية ولكن بشرط أن تسخّر في المعركة الكبرى وهي معركة تحرير فلسطين، لأنه
لا خيار مع هذا العدو سوى المواجهة والقوة.. طبعا لا يعني ذلك الصدام مع بقية الأفكار
والطروحات السياسية، وإذا كان هناك من يمتلك حلا سحريا لمواجهة هذا الكيان
الإجرامي الذي لا يلتزم بأية معاهدات دولية أو اتفاقيات دولية أو قرارات دولية أو مواثيق
حقوق الإنسان، فليتقدم بما لديه ولتتم المناقشة على ضوء ما جرى في الحرب على غزة،
خصوصا مشروع حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو غير ذلك من الطروحات التسووية.
هذه أفكار
للنقاش والحوار وليست نتائج حاسمة، لكن بدون أن نمتلك القوة اليوم لن يحسب لنا أي
حساب، وعلينا أن نستفيد من القوة الإيمانية الكامنة فينا بشرط أن نوجهها في
الاتجاه الصحيح، وهكذا يمكن بلورة المشروع الإسلامي مجددا.
twitter.com/kassirkassem