قال رئيس مشروع الشرق الأوسط في الولايات المتحدة والمفاوض الإسرائيلي السابق دانيال ليفي؛ إن كل يوم تمتد إليه الحرب في غزة، فإن مخاطر طامة تتكثف، مشيرا إلى العناد الإسرائيلي في
وقف إطلاق النار.
وأوضح ليفي في
مقال على صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الغالبية العظمى من زعماء العالم وجميع الزعماء العرب طالبوا بوقف مباشر لإطلاق النار، وقد رأوا المخاطر التي قد تفضي إلى تفشي الأزمة.
وأضاف أنه على المدى القريب، ينبغي أن تغتنم فرصة تعليق الأعمال العدائية كطريق فرعي يقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، لكن "إسرائيل" لم تزل حتى هذه اللحظة ترفض الفكرة.
وأشار إلى أنه على المدى البعيد، يجازف تعهد
الحكومة الإسرائيلية بتدمير
حماس بأن يصبح أشبه بالضالة المنشودة التي لا سبيل إلى الوصول إليها. فأحد الأمور التي كشف عنها بجلاء حدث 7 أكتوبر، هو أنها لا تستطيع توفير الأمن لمواطنيها.
وتابع بأن إخفاق "إسرائيل" في تقديم خطط تفصيلية لما بعد الحرب على غزة، يشير إلى درجة من العطلة في التفكير الإسرائيلي.
وأكد أن حماس حركة سياسية فازت في الانتخابات، ولم تزل تحكم غزة منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما. كما أنها تجسد فكرة مفادها أن المقاومة جزء من النضال الفلسطيني من أجل التحرير.
وشدد على أن حماس ليست تنظيما خارجيا وعدميا على نمط داعش، بل هي مكون أصيل في نسيج المجتمع الفلسطيني.
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
بعد خسارة إسرائيل المروعة لما يزيد على 1400 من المدنيين والعسكريين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لا يقل ما وصل إليه عدد الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين عن كونه صاعقا؛ فقد قتل حتى الآن عشرة آلاف وثلاثمائة فلسطيني منذ بداية الحرب، وذلك طبقا لما صرحت به وزارة الصحة في غزة، بما في ذلك أربعة آلاف ومائة طفل. والأوضاع تتدهور بشكل متسارع في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، حيث قتل ما لا يقل على 155 فلسطينياً واعتقل ما يزيد على 2150، بينما ترتفع أصوات القادة السياسيين والمستوطنين في إسرائيل بالتهديد بالتطهير العرقي.
وفي الشمال، من الممكن في أي يوم أن يتحول إطلاق النار المتبادل، الخاضع للتحكم نسبيا بين إسرائيل وحزب الله، إلى صراع شامل يغطي معظم لبنان وإسرائيل. قد يوصف الانتشار العسكري المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة بأنه وقائي، ولكنه يبعث بإشارة إلى زعماء إسرائيل، مفادها أنه يمكن أن يجر أمريكا إلى هذه الحرب، وهو أمر ينم عن مجازفة، تضاف إلى الحسابات وسوء التقدير وما يمكن التنبؤ بحدوثه في كل المحيط. بل لقد باتت المنطقة قاطبة في حالة من الاحتدام، والسؤال المطروح: ما هو مدى السوء الذي يمكن أن تؤول إليه الأوضاع؟
طالبت الغالبية العظمى من زعماء العالم وجميع الزعماء العرب بوقف مباشر لإطلاق النار، وقد رأوا المخاطر التي قد تفضي إلى تفشي الأزمة، وكان ذلك أيضا موقف رؤساء 18 وكالة تابعة للأمم المتحدة. ولعل البلدان التي عارضت وقف إطلاق النار –إسرائيل والولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية وقلة قليلة أخرى–، تدرك المخاطر المحدقة، ولكنها تصر على أنه بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يجب السماح لإسرائيل بأن تقضي عسكريا على حماس، وأنه ينبغي دعمها في سبيل تحقيق هذه الغاية، على الرغم من التكلفة الباهظة والمفرطة التي يتكبدها المدنيون.
ولكنْ، هناك فكرتان مهمتان من شأنهما أن يخرجانا من هذه الحرب؛ كلاهما على المدى القصير وعلى المدى البعيد.
على المدى القريب، ينبغي أن تغتنم فرصة تعليق الأعمال العدائية كطريق فرعي يقود إلى وقف دائم لإطلاق النار.
لم تزل إسرائيل حتى هذه اللحظة ترفض الفكرة، وحتى دعوات الولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى توقف إنساني محدود في القتال داخل غزة، رغم أنها غير كافية على الإطلاق كغاية، سرعان ما رفضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
منذ الأيام الأولى للأزمة، عكفت قطر على التوسط في مفاوضات تجري فيما وراء الكواليس مع إسرائيل وحماس والولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى صفقة تضمن إطلاق سراح الإسرائيليين والآخرين المحتجزين داخل غزة. وفي الشهر الماضي، أوشكوا على إبرام اتفاق، بحسب ما صرح به مسؤولون حاليون وسابقون في ثلاث من العواصم الإقليمية المشاركة في المباحثات، يتم من خلاله إطلاق سراح جميع المدنيين من نساء وأطفال ومسنين كبار ومرضى، مقابل هدنة تتوقف فيها الأعمال العدائية لمدة خمسة أيام، وذلك من أجل السماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أن إسرائيل ضربت عرض الحائط بتلك الصفقة عندما بدأت اجتياحها البري.
لو أن المزيد من الأسرى تم تحريرهم في صفقة ما، فلربما أفضى ذلك إلى تعزيز المطالب الشعبية داخل إسرائيل، بوجوب إعطاء الأولوية لإطلاق سراح بقية المحتجزين داخل غزة. ومن شأن ذلك، بالتزامن مع وقف مؤقت لإطلاق النار، أن ينشئ عزما دوليا ويشكل ضغوطا خارجية على إسرائيل حتى توقف قصفها لقطاع غزة. ينبغي على الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه تحقيق هذه النتيجة، من خلال العمل جنبا إلى جنب مع قطر ودول المنطقة ذات الحظوة لدى إسرائيل. ولعل زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز إلى إسرائيل وقطر هذا الأسبوع، تشير إلى تجدد المحادثات من أجل التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى. وفيما لو أصر السيد نتنياهو على موقفه ولم يتزحزح، فقد يكون من الممكن إقناع أعضاء آخرين في وزارة الحرب التي يترأسها أو في التحالف الحاكم الذي يقوده بالأمر، حتى لو كان ذلك يعني استبداله لصالح تشكيل حكومة تقوم بالأعمال تحظى بموافقة الكنيست.
على المدى البعيد، يجازف تعهد الحكومة الإسرائيلية بتدمير حماس بأن يصبح أشبه بالضالة المنشودة التي لا سبيل إلى الوصول إليها؛ فأحد الأمور التي كشف عنها بجلاء حدث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، هو أن إسرائيل لا تستطيع توفير الأمن لمواطنيها من خلال الاستمرار بالتحكم بملايين الفلسطينيين، الذين يُحرمون من حقوقهم ومن حرياتهم، ويعيشون تحت وطأة نظام يقوم على العنف وعدم المساواة. ينبغي على جمهور "لا لوقف إطلاق النار" التوقف عن تشجيع إسرائيل على التمسك بالأسطورة التي أثبت التاريخ بطلانها، والتي ترى أن المقاومة المسلحة التي يمارسها شعب مضطهد، يمكن القضاء عليها من خلال اللجوء إلى أساليب عسكرية أكثر بطشا وتوحشا.
يشير إخفاق إسرائيل في تقديم خطط تفصيلية لما بعد الحرب على غزة إلى درجة من العطلة في التفكير الإسرائيلي. وما درجت على التعهد به القيادة الإسرائيلية من عزم على تدمير حماس، يتجاهل حقيقة تلك الحركة. فلئن كانت حركة حماس مجموعة مسلحة تستخدم الإرهاب، فهي في الوقت نفسه حركة سياسية فازت في الانتخابات، ولم تزل تحكم غزة منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما، كما أنها تجسد فكرة مفادها أن المقاومة جزء من النضال الفلسطيني من أجل التحرير.
ليست حماس تنظيما خارجيا وعدميا على نمط داعش، بل هي مكون أصيل في نسيج المجتمع الفلسطيني، ومن المؤكد أن شعبيتها لا تزيد مع التعطش للدماء، ولكن مع انغلاق المسارات الأخرى في وجه الفلسطينيين المتطلعين للتحرير.
والأكثر من ذلك، أن البديل الذي تقدمه السلطة الفلسطينية، التي تعتمد في بقائها واستمرارها على التعاون الأمني مع إسرائيل، سقط من أعين معظم الفلسطينيين وفقد مصداقيته، بفضل تكريس وتكثيف
الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك زيادة في الاستيطان الإسرائيلي غير المشروع داخل الضفة الغربية إلى أربعة أضعاف منذ أن بدأت عملية أوسلو.
لم يعد بإمكان الفلسطينيين تجنب التعامل مع تآكل شرعية قيادتهم، التي تنقصها المصداقية، ولم تعد تمثلهم، ولا توجد لديها استراتيجية لتحقيق الحرية. إن منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية المنبثقة عنها، كلاهما بحاجة إلى إعادة البناء والتوسيع من أجل أن تنضم إليها حماس وغيرها، وبذلك تصبح أصدق تمثيلا للشعب الفلسطيني. إن إعادة إحياء الكيانات السياسية الوطنية الفلسطينية، أمر بالغ الأهمية؛ من أجل المضي قدما في إيجاد حل أشمل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد هذه الحرب.
قد يبدو ذلك للسامع نوعا من الأوهام أو أضغاث أحلام، فكيف يمكن أن يتوقع من إسرائيل التعامل، ولو حتى بشكل غير مباشر، مع كيان سياسي حماس ممثلة فيه؟ والحقيقة الصعبة هي أن هذا بالضبط ما يعنيه العمل على حل صراع قبيح عنيف وطويل. هناك سبيل لتحقيق الأمن لإسرائيل، وهو سبيل يقتضي توفير الأمن والحقوق للفلسطينيين. لقد تحدثت الحكومات الإسرائيلية السابقة في نهاية المطاف مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت ذات يوم منظمة محظورة. وإن أي حكومة قادمة لديها الجدية في البحث عن طريق نحو المستقبل، لا مفر من أن تتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن يتم إصلاحها، وتكون حماس ممثلة فيها.
قد تعتقد البلدان التي خرجت معارضة لوقف إطلاق النار بأنها تشجع إسرائيل، إذ تشق طريقها نحو نصر مؤزر، إلا أن الطريق الذي تنتهجه إسرائيل الآن لا يضمن سوى الانعدام الدائم في الاستقرار. ليست حماس الخطر الوجودي الذي تظنه إسرائيل، وإنما قد يكمن الخطر المحدق بها في تماديها وفي تطرفها. لقد قيل مرارا وتكرارا؛ إن ما تحتاج إليه إسرائيل من أصدقائها وداعميها هو جذبها بعيدا عن حافة الهاوية. ما من شك في أن الموقف الأمريكي الذي يضمن لإسرائيل التصرف دون خوف من مساءلة أو محاسبة، ويكرس انعدام الرغبة لديها لمعالجة ما تسببه من معاناة للفلسطينيين، لموقف لم يزل منذ أمد بعيد يخذل الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
يمكن للسابع من أكتوبر (تشرين الأول) وما تلاه، أن يشكل عامل تحفيز على ما لم يكن يخطر بالبال من قبل، بما فيه من حسن ومن قبيح.
إن طريق العودة من جحيم العدمية "إما نحن أو هم"، يبدأ بأنسنة الآخر، ولربما يكون هو الطريق الذي يعود بنا في نهاية المطاف إلى حل الدولتين، أو لربما كان نموذج التقسيم جزءا من المشكلة؛ إذ يشجع على الفصل وعلى فكرة أن الجدران ينبغي أن تبقى قائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لا توجد حلول سريعة وسهلة. ولكن لو برزت كوابيسنا من الإخفاق في توقع ومنع فظائع السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وفظائع كل يوم من الأيام التي تلته، فلربما حان الوقت لأن نطلق العنان لخيالنا السياسي ليضع الأساس لمستقبل من الحياة والأمل.