قال عامل فلسطيني جرى إطلاق سراحه بصحبة عدة آلاف آخرين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقب اعتقالهم لأكثر من 25 يوما، إنهم تعرضوا لتحقيق وتعذيب وحشي تسبب في مقتل بعض
المعتقلين فضلاً عن آخرين تعرضوا للإعدام على يد مشغليهم.
وعقب بدء كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، عملية "طوفان الأقصى" صباح السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ردا على اعتداءات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، فقد قامت سلطات الاحتلال بشن حملات اعتقال واسعة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، واعتقال الآلاف من عمال القطاع الذين يعملون في الداخل المحتل عام 1948.
فرح وسط المعاناة
"عربي21" التقت بالعامل المفرج عنه "محمد" (اسم مستعار)، الذي كان في حالة تعب وإرهاق شديدين، وقد ظهرت على وجهه الشاحب علامات التعذيب الوحشي الذي تعرض له من قبل قوات الاحتلال، وتحدث بصعوبة بالغة عن ما حدث مع العمال الفلسطينيين من قبل جيش وعناصر مخابرات الاحتلال الإسرائيلي.
اظهار أخبار متعلقة
بعد ساعات من الإفراج عن العمال وتركهم بالملابس التي عليهم فقط داخل معبر "كرم أبو سالم" جنوب القطاع الخميس الماضي، وعقب وصول "محمد" إلى منزله وسط القطاع، جلس يشرب الشاي بين أفراد عائلته وعلامات الدهشة قد بدت عليه، وهو يتنقل بين شعوره بفرحه الرجوع إلى أهله وألمه بما يجري في القطاع من "مذابح ومجازر على يد العصابات الصهيونية".
بدأ العامل المنهك بسرد ما حدث معهم وكأنها حلقات مسلسل لـ"عصابة إجرامية، قامت بخطف آلاف المواطنين للانتقام منهم بلا سبب"، وأوضح أن "شرطة الاحتلال وصلت إلى مكان إقامتنا في الداخل المحتل في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى (الأحد 8 تشرين الأول/ أكتوبر) وقامت بالتدقيق في هويات العمال وتصاريح عملهم، ثم غادرت".
ويوم الثلاثاء العاشر من ذات الشهر، قام مشغلهم بجلب عدة مركبات كي توصلهم إلى الضفة الغربية المحتلة، لكنه "قام بتسليمنا قبل أن نصل رام الله بمسافة قصيرة على أحد الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال، وتم اعتقالنا جميعا، وقاموا بتكبيل أيدينا إلى الخلف ومع بعضنا البعض وتغمية عيوننا، وبقينا ساعات طويلة على هذا الحال، وصادروا منا كل ما لدينا من أموال وأجهزة جوال وغير ذلك".
وأضاف في سرده الخاص لـ"عربي21": "بعد ذلك بدأ جيش الاحتلال بالاعتداء علينا وضرب العمال بأعقاب البنادق وركلهم بأقدامهم بشراسة، وخلال عملية نقلنا في "الأتوبيسات" جلسنا مكبلين على أرضية الباص في الوسط؛ رأس أحدنا في ظهر الآخر، وقاموا بنقلنا إلى مكان مغلق كبير (بركس)، وبقينا مكبلين حتى فجر الأربعاء (11 الشهر)"، مضيفا أنه "حينما كنت في الباص جلست على الأرض مكبل اليدين ومعصوب العينين، وشعرت حينها باختناق شديد، وأبلغت الجنود بذلك وطلبت منهم الماء، لكنهم رفضوا وبدأوا يضربوننا بأقدامهم على أكتافنا".
انتقام وتعذيب وحشي
وأوضح "محمد"، أنه "تم وضعنا في "بركس" كبير متسخ جدا، لكننا بعد كل هذا التعذيب الوحشي وغير الإنساني، لم يكن أمامنا سوي النوم على تلك الأرضية العفنة، كانوا يجلبون لنا بعض الوجبات البسيطة التي تتكون من تفاحة أو خياره تقسم على أربعة أشخاص أو أكثر، وأحيانا سمك تونة بكميات ضئيلة، والأوضاع كانت صعبة للغاية، نحن لا ندري في أي مكان نوجد، ولا نملك أي وسيلة تواصل مع الأهل ولا حتى مع الجهات الرسمية، كانوا ينتقمون منا بلا سبب، ويقومون بطلب العد عندما ينام الجميع".
و"الأمر الغريب" بالنسبة لـ"محمد"، هو ما لفت نظره من حالة "الجبن الكبير لدى جنود الاحتلال الذين يقومون بحراستنا، هم لديهم بنادق حديثه ونحن ليس لدينا سوى ما يستر أجسادنا، لكنهم كانوا دوما في حال فزع وخوف".
وذكر أن جيش الاحتلال قام بنقلهم لـ"بركس" آخر، وفرق العمال عن بعضهم البعض، وخلال تلك الفترة، كان كل يوم يعتقل المزيد من العمال ويضعهم معنا، لقد بقينا على هذه الحالة نحو 8 أيام، ومن ثم قاموا باستدعاء العمال للتحقيق معهم، وكثير منهم تعرض للضرب والتعذيب أثناء التحقيق من قبل عناصر المخابرات الذين يتحدثون العربية بطلاقة".
وحينما جاء الدور على "محمد" جلس أمامه ضابط المخابرات الإسرائيلي في جلسة تحقيق امتدت لنحو ساعتين، بدأ الضابط الإسرائيلي بطرح العديد من الأسئلة عليه تتعلق بأسرته وعائلته وحتى أقاربه وجيرانه، كما سأله الضباط عن المواطنين الذين ينتمون لـ"حماس" في منطقة سكنه وعن وجود قادة هناك أم لا.
وتحت التهديد والتعذيب، لفت "محمد" إلى أنهم كانوا يطلبون من البعض تحديد منازل بعض المواطنين المدنيين الذين لا ينتمون لأي فصيل فلسطيني على الخرائط الجوية عالية الدقة التي كانت تظهر على شاشات أجهزة الحاسوب لديهم، حتى إنهم كانوا يستفسرون عن عمل بعض المواطنين من رجال ونساء.
وأفاد العامل المندهش مما حصل معه ومع غيره من العمال، بأن "أعدادا كبيرة من العمال الذي تم اعتقالهم وجلبهم إلى المكان الذي نتواجد فيه، كان من الواضح أنهم تعرضوا لتعذيب شديد؛ منهم من وصل وقدمه قد كسرت وبعضهم الدماء على وجوههم وهم في حالة إعياء وتعب كبير، لقد تعرضوا لتعذيب وحشي".
إعدامات سبقت الإفراج
وأشار إلى أن "الكثير من المعلومات التي وصلتنا، تؤكد أن بعض
عمال غزة قتلوا بوحشية على يد مشغليهم من المستوطنين، وآخرين فقدوا حياتهم، ربما من شدة التعذيب الذي تعرضوا له".
اظهار أخبار متعلقة
وعن الأوضاع قبيل الإفراج عنهم، بين "محمد" لـ"عربي21"، إن عددا من ضباط جيش الاحتلال، قدموا إلينا الساعة الثانية تقريبا فجر الخميس (2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، وطلبوا منا تجهيز أنفسنا، دون أي حديث آخر، وتم نقلنا عبر أتوبيسات ونحن أيضا مكبلي الأيدي والأقدام وعيوننا مغطاة، حتى توقفنا، وقاموا بفك قيودنا داخل معبر "كرم أبو سالم"، وقالوا لنا: أنتم في غزة، اذهبوا إلى بيوتكم".
وتابع حديثه: "انطلقنا ونحن لا نصدق، مشينا نحو 5 كيلومترات حتى وصلنا معبر رفح، وهناك نقلنا أحد المتطوعين إلى رفح ومن ثم وجدنا سيارة مع آخرين، ووصلت لبيتي وسط القطاع".
وختم "محمد" حديثه: "لقد كانت فترة صعبة جدا، انتقموا منا، حتى إنهم اعتقلوا مرضى غزة من داخل المستشفيات عندهم، حسبنا الله ونعم الوكيل".
وارتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل إلى قرابة الـ10 آلاف شهيد؛ والجرحى لأكثر من 24158 إصابة بجروح مختلفة، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصلت "عربي21"، حيث أكدت الوزارة أن جرائم الاحتلال أدت إلى إبادة عائلات فلسطينية بأكملها، وبلغ عدد المجازر 1006، إضافة إلى وجود 2300 بلاغ عن مفقودين خلال أيام المحرقة الصهيونية الماضية.
ويشهد القطاع الذي يمتد على مساحة 360 كلم مربع، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 6 و 12 كلم، ترديا صعبا في مجمل الأوضاع الحياتية؛ وخلال الأيام والليالي الماضية من العدوان، واصلت طائرات الاحتلال استهداف مختلف مناطق القطاع عبر تدمير ممنهج لمنازل المواطنين بشكل متزامن، كما تواصلت الاشتباكات على الأرض بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والآليات العسكرية المقتحمة لعدد من المناطق في شمال غرب القطاع وجنوب مدينة غزة، إضافة لاشتباكات كبيرة شرق خانيونس جنوب القطاع.
واستهدفت صواريخ الاحتلال شديدة التدمير، الأطقم الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف وأطقم ومقرات الدفاع المدني والمساجد والصحفيين والمخابر والأسواق ومخازن المياه ومولدات الكهرباء واللوحات الشمسية الخاصة بتوليد الكهرباء، وتدمير الطرق وشبكات المياه والاتصالات وانقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في القطاع بالتزامن مع غياب شبه تام للكهرباء.