قال
المحلل الإسرائيلي المخضرم ميرون رابوبورت إن "إسرائيل" تجد نفسها محشورة بين الرغبة في إبقاء الأسرى في غزة على
قيد الحياة، بين السعي للقضاء على حركة حماس.
ويشير ربابوت إلى أن
هذين الهدفين الذين يعرضهما
نتنياهو متعارضان تماما.
وكشف ربابوت في تحليل
في موقع "
ميدل إيست آي" أن نتنياهو تلقى كلاما قاسيا خلال لقائه عائلات
الأسرى.
وتحدث عن تحول في
الرأي العام العالمي من العمليات العسكرية الإسرائيلية، لكنه قال إن الإعلام
الإسرائيلي لا يزال لا يكترث في ذلك.
ويستبعد ربابوت هجوما
بريا شاملا ويقول "إن
الهجوم البري الضخم قد يزعزع استقرار الحكومتين في مصر والأردن كذلك. وذلك أمر مقلق
جداً للولايات المتحدة، والتي يعنيها مصير حلفائها الاستراتيجيين في كل من القاهرة
وعمان أكثر مما يعنيها مصير أهل غزة".
وفيما
يلي نص التقرير:
بعد
مرور ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب، بدأ الجمهور الإسرائيلي التركيز على قضية واحدة
تتقدم جميع القضايا الأخرى: مصير الناس الذين يحتجزون أسرى داخل غزة. وهذا يعني أن
تلك كذلك هي القضية السياسية الرئيسية.
وكان
أقارب الأسرى – ومنهم بشكل خاص المدنيون ممن هم في قبضة حماس – قد تجمعوا في تل أبيب
وفي غيرها من الأماكن، في محاولة منهم لجذب الانتباه إلى مأساتهم فيما يشبه المظاهرات
المهذبة.
ولكن
في نهاية الأسبوع الماضي حصل تحول: بدأت العائلات تطالب بإطلاق سراح الأسرى بسرعة.
ورغم أنهم لم يفصحوا عن ذلك علانية، إلا أنهم أشاروا بشكل غير مباشر إلى أن الهجوم
البري داخل قطاع غزة سوف يشكل خطراً على حياة الأسرى.
ببساطة
لن يكون الإعلان عن معارضة الهجوم البري مقبولاً لدى الجمهور الإسرائيلي المتعطش للانتقام
من الهجوم الفلسطيني الذي وقع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والذي قتل فيه ما
يقرب من 1400 إسرائيلي.
ولذلك
بدأت عائلات الأسرى تقترح بدلاً من ذلك أن الأولوية ينبغي أن تكون لإعادتهم إلى أحبائهم،
وذلك قبل إخضاع غزة لهجوم بري وآخر جوي.
اظهار أخبار متعلقة
ويبدو
أن ذلك شكل ضغطاً على الجيش وعلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في نفس الوقت.
رد الجيش
بالقول إن البدء بالهجوم البري هو السبيل نحو تشجيع حماس على تخفيف الشروط التي تضعها
لإبرام أي نوع من الصفقات، رغم أن أحداً، في الواقع، لم يحدد ما هو نوع الصفقة التي
ترغب إسرائيل نفسها في رؤيتها.
وبحسب
ما يقوله الجيش، هذا ما يفسر لماذا كان الهجوم البري الذي بدأ في نهاية الأسبوع الماضي
محدوداً في مداه، بانتظار أن تصل القوات الإسرائيلية إلى المناطق المأهولة أو إلى مدينة
غزة نفسها.
رغم
أنه يصعب رؤية كيف بالضبط يمكن لمثل هذه العملية البرية أن تصعد من الضغط على حركة
حماس حتى تقبل بصفقة أفضل، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، مع ذلك، تقبلت ما يخبره
بها جنرالات الجيش.
فيما
يخص نتنياهو، كان النقد الموجه إليه من قبل عائلات الأسرى شخصياً جداً، وهذا ما أجبره
على الالتقاء ببعض من ممثليهم يوم السبت. ولقد قيل لي بأن اللقاء كان صعباً جداً، جداً.
تم فيه التفوه بكلمات قاسية من قبل العائلات، التي وجهت اتهامات شخصية لنتنياهو بأنه
يتحمل المسؤولية عن الكارثة برمتها.
فيما
بعد نظمت العائلات تظاهرة احتجاجية صغيرة في تل أبيب، حيث رفعوا أصواتهم بمطلب جديد:
الجميع مقابل الجميع.
ولكن
تارة أخرى، في الواقع لم يحدد أحد ما الذي يعنيه ذلك من الناحية العملية. على كل حال،
فهم ذلك على نطاق واسع باعتباره مطلباً بضمان إطلاق جميع الأسرى المحتجزين داخل غزة،
بما في ذلك الجنود، مقابل جميع السجناء الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
مازلنا
لا نعرف بالضبط عدد الأسرى المحتجزين لدى حماس ولدى المجموعات الفلسطينية الأخرى داخل
غزة. مازالت إسرائيل مستمرة في مراجعة العدد الكلي، والذي هو في تزايد، حتى قالت مؤخراً
بأن عدد الأسرى يبلغ 240، ثلاثون منهم تقريباً من الجنود.
إن تبادل
هؤلاء مع 2500 فلسطيني تحتجزهم إسرائيل – ومن بينهم 170 قاصراً – لهو أمر بالغ الأثر،
حتى في سياق صفقة التبادل التي جرت في عام 2011 مقابل السجين جلعاد شاليت، حيث أطلق
سراح جندي واحد مقابل 1027 فلسطينياً.
عندما
سئل عما هو وارد، لم يستبعد نتنياهو مثل هذا التبادل، قائلاً إن الأمر موضوع على الطاولة،
ولكنه رفض الخوض في التفاصيل.
وهذا
بحد ذاته مثير للاهتمام. ففكرة إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين – وبعضهم يقضون
أحكاماً بالسجن لعدة مؤبدات على هجمات شنوها على مدنيين أثناء الانتفاضة الثانية –
تعتبر من المحرمات في إسرائيل.
بالإضافة
إلى ذلك، قال شاؤول موفاز، الذي كان رئيساً للأركان ثم وزيراً للدفاع أثناء الانتفاضة
الثانية، إنه يؤيد مثل هذه الصفقة. مع العلم أن موفاز نفسه كان في المقام الأول مسؤولاً
عن وضع عدد كبير من السجناء الذين يقضون أحكاماً طويلة بالسجن خلف القضبان، والآن ها
هو يصرح رسمياً بأنه ينبغي إطلاق سراحهم.
أهداف
متضاربة
بعد
هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على التجمعات السكانية الإسرائيلية في غلاف غزة،
ليس لدى إسرائيل سوى هدف عسكري واحد، ألا وهو سحق حركة حماس.
أرادت
إسرائيل تخليص غزة تماماً من المجموعة الفلسطينية، وبأي وسيلة، بما في ذلك إجبار سكان
القطاع جميعاً، البالغ عددهم 2.3 مليون، على الخروج إلى مصر. ولكن الآن، بجانب هدف
تفكيك حماس، يعتبر الإفراج عن الأسرى هدفاً رئيسياً آخر للعملية العسكرية.
ما من
شك في أن الهدفين يتضارب أحدهما مع الآخر.
ليس
واضحاً كيف يمكنك في الواقع سحق حماس، والقتال من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع، بينما
ترجو أن تعود بالأسرى الإسرائيليين وهم على قيد الحياة. سيكون ذلك في منتهى الصعوبة،
إن لم يكن مستحيلاً.
وبذلك
تجد إسرائيل نفسها في وضع بالغ التعقيد.
أضف
إلى ذلك حقيقة أن الزخم الرئيسي للهجوم الإسرائيلي حتى الآن يقتصر على القصف الجوي
المكثف لقطاع غزة، والذي قتل حتى الآن 8500 فلسطيني، من بينهم ما يزيد عن 3500 طفل.
يزعم
الجيش الإسرائيلي بأنه قتل ما يقرب من خمسين من كبار أعضاء حماس ومئات المقاتلين. هب
أننا قبلنا بهذه المزاعم كما هي دون تمحيص، فإن مجمل وفيات حماس لا يكاد يتجاوز
500 – وتلك مجرد نسبة ضئيلة من عدد الأطفال الذين قتلوا وحدهم حتى الآن.
لا تولي
وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بالطريقة التي يتفاعل بها العالم مع العدد
الهائل من الوفيات في غزة، وإن كان ينبغي عليها أن تفعل. لربما كان الرأي العام في
حالة من التحول. فلقد شهدت الولايات المتحدة ومدينة لندن وغيرها من المدن الأوروبية،
وكذلك في تركيا وحول العالم العربي، مظاهرات ضخمة.
وفي
نفس الوقت تتبدل اللغة التي ينطق بها المسؤولون الغربيون، فعلى سبيل المثال بدأ مستشار
الأمن القومي في الولايات المتحدة جيك سوليفان بحث إسرائيل علانية على حماية حياة المدنيين
في غزة، وهذا تحول ملحوظ إذا ما أخذنا بالاعتبار العلاقة الوثيقة التي تربط إدارة بايدن
بإسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
اظهار أخبار متعلقة
لا يقتصر
الضغط المتزايد على إسرائيل من قبل الغرب، بل حتى من داخل العالم العربي أيضاً، حيث
تستمر الهجمات في التدفق من لبنان وسوريا واليمن.
ناهيك
عن أن الهجوم البري الضخم قد يزعزع استقرار الحكومتين في مصر والأردن كذلك. وذلك أمر
مقلق جداً للولايات المتحدة، والتي يعنيها مصير حلفائها الاستراتيجيين في كل من القاهرة
وعمان أكثر مما يعنيها مصير أهل غزة.
كما
أن ذلك على الأغلب سوف ينجم عنه موت معظم الأسرى، الأمر الذي سيشكل معاناة جماعية مؤلمة
للإسرائيليين كافة.
من أجل
كل هذه الأسباب، لا يبدو الهجوم البري الشامل محتملاً جداً. ولربما كان الخيار الأفضل
هو استمرار الحرب كما هي الآن – قصف، عمليات برية محدودة، وربما تقسيم المنطقة إلى
جزءين، والوصول إلى محيط مدينة غزة.
ولكن
ما مدى قابلية ذلك للاستدامة على المدى البعيد؟
قريباً
سوف يتجاوز عدد الوفيات في غزة العشرة آلاف، ولسوف يتنامى الضغط الدولي.
تم التعهد
للإسرائيليين بأن تكون حرباً طويلة، على الأقل لبضعة شهور، وذلك ما يستعد له العسكريون
الاحتياطيون.
ولكن
لن يكون من السهل المضي قدماً في مثل هذا الصراع في مثل هذا الاقتصاد النامي. في حرب
الشرق الأوسط لعام 1973، قضى الاحتياطيون ما يقرب من نصف عام في الجيش، وكان الاقتصاد
حينها أقل نمواً بكثير.
ثمة
تنبؤات بأن الاقتصاد الإسرائيلي سوف ينكمش بنسبة 11 بالمائة في هذا الربع ما بعد الحرب.
وإذا ما استمر الوضع على حاله لشهور، فلا مفر من أنه سوف يزداد سوءاً. وقد تضطر الصناعات
الرئيسية، مثل التقنيات العالية، إلى سحب الاستثمارات والموظفين.
وعلى
الرغم من أننا لم نر في إسرائيل الاضطرابات الاجتماعية التي رأيناها في عام 2021، حين
اندلعت أعمال الشغب في المدن المختلطة بالفلسطينيين واليهود رداً على حرب دارت رحاها
في غزة، فلا ريب أن التوترات الداخلية بالغة الخطورة.
يتعرض
المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل للمطاردة في أماكن عملهم وداخل الجامعات التي يدرسون
فيها. وفي بعض الأوقات يجري استهدافهم لمجرد تعبيرهم عن التعاطف مع الناس الذي يتعرضون
للعدوان في غزة، بل ويتم تعقبهم والتضييق عليهم بشكل متزايد لمجرد أنهم عرب.
ويوم
الأحد، اقتحمت مجموعة من الأوباش الإسرائيليين مهجعاً في مدينة ناتانيا، وسط إسرائيل،
حيث يقيم الطلبة الفلسطينيون، وراحوا يهتفون "الموت للعرب."
في هذه
الأثناء، وعدت السلطات بتوزيع عشرة آلاف بندقية على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة
الغربية المحتلة وخففت القيود الناظمة لشروط حصول المدنيين في إسرائيل على الأسلحة.
عادة
ما تكون للتوترات المجتمعية آثار مدمرة على الاقتصاد. فالمواطنون الفلسطينيون في الداخل
(ناهيك عن العمال الذي يفدون من الضفة الغربية) يقومون بأداء العديد من الخدمات الأساسية.
تقريباً ثلث الأطباء في الداخل هم من الفلسطينيين.
إذا
ما أخذنا ذلك بالاعتبار، فهل ستكون "إسرائيل" بالفعل قادرة على المضي في
هذه الحرب لشهور؟
لا عودة
إلى الأمر الواقع
كل شيء
يشير إلى أن النهاية المثالية بالنسبة لنتنياهو تتمثل في العودة إلى ما كان عليه الحال
يوم السادس من أكتوبر/ تشرين الأول: أي إنعاش الأمر الواقع الذي كان قائماً مع حماس،
من خلال وقف لإطلاق النار تظل بعده المجموعة في السلطة داخل غزة، ولكنها تكون مثخنة
بالجراح ومنبوذة دولياً.
لقد
راهن رئيس الوزراء على مدى ثلاثين عاماً على الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية من خلال
فصل الضفة الغربية عن غزة وتكريس الخصومة بين حماس وفتح. ظلت هذه الاستراتيجية تخدمه
جيداً إلى أن وقع الهجوم قبل ثلاثة أسابيع.
إلا
أن بقاء حماس في السلطة في غزة أمر يرفضه رفضاً تاماً الجمهور الإسرائيلي. وحتى لو
كان نتنياهو يرغب في ذلك فلن يتمكن على الأغلب من تحقيقه. من المؤكد أنه أكثر شخصية
مكروهة حالياً في إسرائيل، إذ يُحمل المسؤولية عن أكبر كارثة حلت بالبلاد منذ عام
1973.
تجد
"إسرائيل" نفسها محشورة بين الرغبة في إبقاء الأسرى على قيد الحياة من خلال
الامتناع عن القيام بعمليات برية كبيرة، والسعي للاستمرار في حملة قصف غير قابلة للاستدامة،
ومحاولة خلع حماس من السلطة.
اظهار أخبار متعلقة
هل ثمة
مخرج؟ لربما في هاجس التدخل الدولي.
لربما
كانت حرب غزة من جهة ما عبارة عن تدخل دولي أكثر بكثير مما كانت عليه أي من الانتفاضتين
أو الصراعات السابقة التي شهدتها المنطقة.
طار
العديد من رؤساء الدول إلى "إسرائيل" مباشرة بعد اندلاع الحرب، ولعل البعض
يرى الصراع بنفس الطريقة التي ينظر فيها إلى أوكرانيا وحرب واشنطن الباردة مع كل من
روسيا والصين. ناهيك عن أن العديد من الأسرى يحملون جوازات سفر أجنبية.
فجأة
تكتنف المجتمع الدولي بشأن "إسرائيل" وفلسطين حالة من الاضطرار والاستعجال،
وهو ما ظل معدوماً طوال عقدين من الزمن منذ فشل قمة كامب دافيد. يبدو أن القناعة لم
تعد موجودة لدى واشنطن – أو على الأقل لدى جو بايدن – بأن الإسرائيليين بإمكانهم إدارة
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحدهم.
لربما
رأينا شكلاً من أشكال من القوة الدولية في غزة (وربما حتى قوة عربية) كسبيل للخروج
من القتال يكون مقبولاً لدى "إسرائيل" ولدى الجمهور فيها، وكذلك لدى الفلسطينيين
وربما حتى لدى حماس.
إن الطريق
الآخر الأكثر شؤماً هو ذلك الذي يتمثل في استمرار القتال لأمد طويل، ومحاولة طرد جميع
الفلسطينيين من غزة، وإزهاق أرواح عشرات الآلاف. من شأن ذلك أن يفضي إلى صراع إقليمي
قد يُجر إليه الأردن ومصر، ولربما شكل خطراً على وجود "إسرائيل" نفسها.
مثل
هذه السيناريوهات الأسوأ محتملة جداً، ولا ينبغي تجاهلها.
ولكن
ربما بسبب ذلك، ثمة أمل. الأمل بأن يتدخل المجتمع الدولي قبل الانزلاق نحو الأسوأ.