منذ تحوّل
لبنان إلى
دولة وطنية بالمفهوم السياسي الحديث، في عشرينيات القرن الماضي، شكل المسلمون
السنّة مكونا أساسيا في النظام السياسي لهذا البلد الذي تحكمه التعقيدات
الطائفية المتشابكة. وعلى عكس ما يشاع بأن المحاصصة الطائفية جاءت عبر اتفاق
الطائف، فإن هذه التقسيمات كان معمولا بها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وخلال
مرحلة الاستقلال كذلك. وعليه، فقد تم تخصيص منصب رئيس الوزراء للطائفة السنية، بالإضافة إلى مناصب أخرى عليا في البلاد، سواء في القطاع العسكري أو الأمني أو
القضائي، وجاءت هذه التقسيمات ضمن إطار ما يعرف بـ"الميثاق الوطني".
بعد أن انتهت الحرب
الأهلية اللبنانية، ساهمت الشخصية التوافقية من جهة، والإمبراطورية الاقتصادية
لرفيق
الحريري من جهة أخرى، بإدارة توازن مهم بين الداخل والخارج، حيث تمتع
الحريري بدعم دولي وإقليمي واسع النطاق، مما ساهم في استقرار اقتصادي نسبي وقدرة
على جمع المكون السني خلف الرئيس الراحل رفيق الحريري.
شكّلت عملية اغتيال الحريري
في 2005 بداية الفراغ السني في المشهد اللبناني، وجعلت هذا المكون مكشوفا دون أي
غطاء عربي أو دولي، حيث شكل غياب الحريري فراغا سياسيا كبيرا، كان من الصعب ملؤه
عبر سعد الحريري. كما أن غياب الشخصية القيادية لرفيق الحريري ساهم في تشرذم
الطائفة، واستغلال بعض قياداتها لهذا الغياب لخلق شخصيات سياسية، وأداء دور أكبر
باسم الطائفة السنية.
شكّلت عملية اغتيال الحريري في 2005 بداية الفراغ السني في المشهد اللبناني، وجعلت هذا المكون مكشوفا دون أي غطاء عربي أو دولي، حيث شكل غياب الحريري فراغا سياسيا كبيرا، كان من الصعب ملؤه عبر سعد الحريري. كما أن غياب الشخصية القيادية لرفيق الحريري ساهم في تشرذم الطائفة.
وعلى الرغم من ضعف دور
سعد الحريري، إلا أنه ساهم بإبقاء الحد الأدنى من الوجود في المشهد السياسي
اللبناني، خصوصا أنّه كان قادرا على الدخول في مفاوضات "أمر واقع" مع
منافسيه في حزب الله.
ومع استعصاء الحل في
لبنان، خرج سعد الحريري من المشهد السياسي، تاركا الطائفة متشرذمة دون قيادة
سياسية موحدة، ودون أفق لحل مستقبلي ينهي هذا الفراغ.
لقد شكلّت الانتخابات النيابية
في 2022، ناقوس الخطر الذي يشير إلى غياب الدور السني في العملية السياسية
اللبنانية، وكيف أن هذا الفراغ قد يكون طويلا ومؤلما. لقد استغلت جميع القوى
السياسية فراغ القيادة السنية الموحدة، وعملت على جذب الأصوات السنية إلى طرفها
لتحقيق مقاعد نيابية أكبر، وقد تم ذلك على حد سواء من قبل حزب القوات اللبنانية أو
من قبل حزب الله نفسه.
كما أنّ العملية
الانتخابية البرلمانية شجعت البعض على الظهور على المنصة السياسية مرة أخرى، فبحسب
التسريبات الإعلامية، يبدو بأنّ رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة سعى إلى تشكيل
تحالف القوى السنية الجديد للتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة، وسعى كذلك لدعم
سعودي لهذا التحالف، إلا أن هذه الجهود قوبلت برفض سعودي عبر سفيرها في لبنان.
وتأتي هذه المواقف بعد تخلي المملكة العربية السعودية عن سعد الحريري وتيار
المستقبل من جهة، ورغبة سعودية بتخفيض الدعم للبنان ككل من جهة أخرى.
فشل المكون السني في إنتاج حالة ووجود سياسي يساهم في استعادة الدور التاريخي والسياسي لهم في لبنان، وذلك بسبب افتقارهم إلى القيادة والجبهة الموحدة القادرة على تقديم مشروع وطني، وتكون عاملا مؤثرا في المستقبل السياسي الذي يُرسم للبنان.
كما ساهمت عملية انكفاء
الحريرية السياسية هذه في ظهور صوت منتقد مثل "أشرف ريفي"، الذي قال في آخر
لقاء له مع قناة المشهد بأنه من الممكن إيجاد بدائل لسعد الحريري. يتّبع أشرف ريفي
استراتيجية مزدوجة في سبيل مساعيه إلى القيادة السنية في لبنان؛ أولا التهجم على
الحريرية السياسية المتمثلة بسعد ونادر الحريري، وثانيا بانتقاد النهج التصالحي
لسعد الحريري مع حزب الله، وتأكيد نهج آخر معاد لحزب الله. وتأتي هذه الجهود
لشد عصب الطائفة والاقتراب أكثر من المعارضة اللبنانية.
ختاما، فشل المكون
السني في إنتاج حالة ووجود سياسي يساهم في استعادة الدور التاريخي والسياسي لهم في
لبنان، وذلك بسبب افتقارهم إلى القيادة والجبهة الموحدة القادرة على تقديم مشروع
وطني، وتكون عاملا مؤثرا في المستقبل السياسي الذي يُرسم للبنان. على الجانب الآخر،
وعلى الرغم من اللقاء الأخير الذي جمع السفير السعودي في لبنان مع القيادات السنية
الطائفية والنواب السنة، برعاية دار الإفتاء لبحث موضوع المبادرة الفرنسية لانتخاب
رئيس للبلاد، إلا أنّ غياب الدعم السعودي المؤثر أحد أبرز الأسباب في الفراغ السني
على الساحة اللبنانية.
إنّ غياب المكون السني
المتتالي عن الانتخابات النيابية وعن عملية انتخاب الرئيس، يؤشران على غياب مزمن
للطائفة السنية في أداء دور مهم في صناعة المستقبل والتركيبة السياسية للنظام
السياسي للبلاد. وهنا تظهر أهمية طرح مبادرات داخل الطائفة لإعادة الدور السني التاريخي، ويجب ملاحظة أنّ هذه المبادرات يجب ألا تتجاهل حقيقة أنها لن تنجح إلا إذا كانت
الحريرية السياسية جزءا منها.