يشهد
العالم والمنطقة العربية والإسلامية
صراعات دولية وإقليمية متعاظمة، وينقسم العالم
اليوم تقريبا إلى محورين أساسيين بعد تراجع الأحادية القطبية الأمريكية، فالمحور
الأول الذي ترعاه أمريكا ويضم دولا أوروبية وآسيوية يحاول الإبقاء على نفوذه في
العالم وإبقاء السيطرة الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفرض مشروعه الفكري
والثقافي والاقتصادي، فيما المحور الثاني والذي يضم روسيا والصين ودولا أخرى في أمريكا
اللاتينية وآسيا وأفريقيا يسعى لبلورة مشروع سياسي جديد وتقديم مقاربة مختلفة لإدارة
العالم وطرح رؤية اقتصادية وسياسية مغايرة، لكن هذا المحور لا يملك مشروعا فكريا
بديلا عن المشروع الليبرالي، وهو يجمع بين الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية ويضم
دولا تحمل رؤى فكرية متنوعة.
وقد
شهدنا مؤخرا تزايد الصراعات بين هذين المحورين، من خلال توسيع مجموعة البريكس التي
تسعى لبلورة مشروع اقتصادي جديد في العالم وفرض التعددية السياسية في إدارة العالم،
في حين سعت دول العشرين وعلى رأسها أمريكا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية للرد
على مشروع البريكس وما تطرحه دول هذه المجموعة عبر طرح مشروعات اقتصادية جديدة؛
وكان أبرزها مشروع إقامة طريق بحري من آسيا إلى الشرق الأوسط مرورا بعدد من الدول
العربية ووصولا إلى الكيان الصهيوني.
بعض الدول العربية والتي يفترض أن تكون إلى جانب القضية الفلسطينية وتدعم الشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه وحقوقه؛ تشارك اليوم في مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني وقد تكون جزءا من المحور الهادف لإبقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة وإعادة بناء الشرق الأوسط انطلاقا من الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية
وهذا
ما عبّر عنه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو بـ"الشرق الأوسط الجديد"،
وهو مشروع قديم طرحه سابقا رئيس الجكومة الصهيونية الأسبق شيمون بيريز، كما توقعت
قيامه بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز/ يوليو 2006؛ وزيرة الخارجية الأمريكية
السابقة كوندليزا رايس، لكن هذا المشروع فشل سابقا ولم يتحقق بفضل قوى المقاومة وهزيمة
الجيش الإسرائيلي في لبنان وفلسطين.
وللأسف
فإن بعض الدول العربية والتي يفترض أن تكون إلى جانب القضية
الفلسطينية وتدعم
الشعب الفلسطيني لاستعادة أرضه وحقوقه؛ تشارك اليوم في مشروع
التطبيع مع العدو
الصهيوني وقد تكون جزءا من المحور الهادف لإبقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة وإعادة
بناء الشرق الأوسط انطلاقا من الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية.
ورغم أن
المملكة العربية السعودية نجحت مؤخرا في الوصول إلى اتفاق لترتيب العلاقات مع إيران
والعمل من أجل وقف الصراعات في المنطقة برعاية صينية، وشاركت لاحقا إلى جانب إيران
ومصر والإمارات العربية المتحدة في الانضمام إلى مجموعة البريكس، ها هي تفتح أبوابها
مجددا للتطبيع مع الكيان الصهيوني والمشاركة في مشروع دول العشرين حول الممر
البحري.
ومع أن
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى في مقابلته الأخيرة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية
لتبرير مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني بحجة الحصول على الطاقة النووية، وعقد
اتفاقية عسكرية مع أمريكا ومعالجة القضية الفلسطينية، فإنه من الواضح أن الخطوات
التطبيعية قد بدأت عبر استقبال الوفود الإسرائيلية وعدد من الوزراء الإسرائيليين
في المؤتمرات التي تعقد في السعودية، في حين أن الأوضاع في فلسطين تشهد المزيد من
التصعيد من قبل الصهاينة والشعب الفلسطيني مستمر في مقاومته، ولا يوجد في الأفق
الراهن أية إمكانية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية أو قيام دولة فلسطينية أو وقف
الاستيطان أو وقف إجراءات تهويد القدس والعبث في المسجد الأقصى؛ وفقا لكل التقارير
والدراسات التي تعدها مؤسسة القدس الدولية والجهات المعنية في داخل فلسطين.
لقد
كانت فلسطين أساس الصراع في المنطقة والعالم منذ مئات السنين، ومنذ أن حاول
الفرنجة (الصليبيون) السيطرة على فلسطين والعالم بحجة تأمين طريق الحجاج، ولاحقا
من خلال نابليون بونابرت وصولا للاحتلال البريطاني وقيام الكيان الصهيوني المدعوم أوروبيا
وأمريكيا، واليوم لا تزال فلسطين هي محور الصراع وأساسه ليس في المنطقة العربية
والإسلامية بل في العالم أجمع.
وكانت
القضية الفلسطينية وتحرير القدس محور أي مشروع عربي أو إسلامي تحرري، وبدون تحرير
فلسطين واستعادة التواصل المباشر بين الدول العربية والإسلامية وخصوصا بين آسيا
وافريقيا؛ لا يمكن حصول أية نهضة حقيقية في المنطقة ولن يحصل أي استقرار دائم.
في ظل الصراعات التي تجري في العالم والمنطقة وبدلا أن تكون الدول العربية والإسلامية جزءا من هذه الصراعات والمحاور، فإنها معنية ببلورة مشروع النهضة العربية والإسلامية القائم على الاستقلال والوسطية والاكتفاء الذاتي، وتبقى القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني محور أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، وبدون تحرير فلسطين وإزالة هذا الكيان الصهيوني لن تحصل المنطقة العربية والإسلامية وحتى العالم أجمع على الأمان والاستقرار
ولقد
جرّبت العديد من الدول العربية عقد الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات
معه تحت عنوان السعي للاستقرار أو لمواجهة التحديات الاقتصادية أو لتطوير أوضاعها
الداخلية، ولكن معظم الدول العربية التي أقامت العلاقات مع الكيان الصهيوني لم
تحقق الاستقرار والأمان بل هي تواجه تحديات عديدة اليوم داخلية وخارجية، كما أن
السلطة الفلسطينية التي أقيمت من خلال اتفاقية أوسلو في العام 1993 ها هي اليوم
تعاني من المزيد من الاحتلال والقهر، وتحولت مؤسساتها إلى مجرد بلديات محدودة وقوة
أمنية تتعاون مع الأجهزة الأمنية الصهيونية لمواجهة قوى المقاومة.
في
السنوات العشر الأخيرة برّرت بعض الدول العربية السعي للتطبيع مع العدو الصهيوني
بحجة مواجهة "الخطر الإيراني"، لكن اليوم بعد إعادة العلاقات بين إيران
والسعودية وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإيران والبحث عن مشاريع عمل مشتركة؛
ما هو تبرير هذا التطبيع.
إذا
كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يراهن على أن التطبيع مع العدو الصهيوني يؤمّن
الاستقرار والأمان للمملكة السعودية ويفتخ الباب أمام التعاون الاقتصادي معها
ويضمن الحماية الأمريكية، فهذا رهان فاشل بل سيؤدي إلى بروز معارضة حقيقية داخل
المملكة وخارجها لهذا الرهان، ومن سعى أو يسعى للتطبيع مع العدو الصهيوني لا يمكن أن
ينجو من غضب الشعوب العربية والإسلامية.
وفي
ظل الصراعات التي تجري في العالم والمنطقة وبدلا أن تكون الدول العربية والإسلامية
جزءا من هذه الصراعات والمحاور، فإنها معنية ببلورة مشروع النهضة العربية والإسلامية
القائم على الاستقلال والوسطية والاكتفاء الذاتي، وتبقى القضية الفلسطينية وتحرير
فلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني محور أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، وبدون
تحرير فلسطين وإزالة هذا الكيان الصهيوني لن تحصل المنطقة العربية والإسلامية وحتى
العالم أجمع على الأمان والاستقرار. وهذا ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار في أي مشروع
نهضوي أو اقتصادي لتطوير المنطقة أو دولها، ومهما طال الزمن تبقى فلسطين هي محور
الصراع في المنطقة وتحررها.
twitter.com/kassirkassem