تحدث الكاتب في صحيفة "
واشنطن بوست"، ديفيد إغناطيوس، عن رأي الكاتب الراحل
جمال خاشقجي في الأوضاع في
السعودية اليوم إذا تمكن من رؤيتها، بعد خمس سنوات من مقتله على يد عملاء ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان، مبينًا أنه "من المؤكد أن خاشقجي سوف يشعر بالاشمئزاز، لكنه لن يتفاجأ، من أن السلطة الاستبدادية لمحمد بن سلمان لا تزال دون تغيير".
وأضاف الكاتب، في
مقاله الذي ترجمته "عربي 21": "إن كان هناك أي تغيير، فهو أن العائلة المالكة السعودية أصبحت أكثر صرامة في السيطرة على أدوات القمع السياسي مما كانت عليه قبل خمس سنوات".
وتابع الكاتب بأنه من المحتمل أن يسخر خاشقجي من وعود محمد بن سلمان بأن "جريمة القتل هذه لن تتكرر أبدا، وأن المملكة قد أنشأت لجاناً للأمن القومي يمكنها، من الناحية النظرية، منع مثل هذا الهجوم الوقح. لكن هذه الوعود، في حد ذاتها، ليست ملزمة أكثر من "الورقة التي كتبت عليها"، على حد تعبير جون برينان، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية ورئيس مكتب الرياض.
ونقل الكاتب تصريحات لـ"برينان" قال فيها: "إن الطبيعة القمعية لنظام محمد بن سلمان مستمرة وقوية كما كانت دائمًا؛ حيث لا يزال الناس يُعتقلون إذا تحدوا ولي العهد"؛ موضحا أن "خاشقجي كان سيلاحظ في المملكة أشياء أخرى تدهشه وتسعده، وفي المقام الأول من الأهمية، سوف يفاجأ بتمكين المرأة؛ وهو الضوء الساطع الذي يضيء، على نحو متناقض، في بلد يحكمه وضع قاتم".
وأفاد الكاتب بأن خاشقجي سيشهد، عند عودته إلى المملكة، تغييرات كان يتمناها وهو على قيد الحياة، لكنه شكك في حدوثها؛ فلا تستطيع النساء قيادة السيارة فحسب، وهي الحرية التي مُنحت لهن في عام 2018، قبل أشهر قليلة من مقتله، ولكنهن الآن متحررات إلى حد كبير من وصاية الرجال، إذ يمكنهن الاختلاط بحرية مع الرجال في الحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية، وخلعت الكثيرات منهن النقاب، والمرأة السعودية اليوم هي سفيرة، ومديرة أعمال، وحتى رائدة فضاء.
وبين أن خاشقجي سوف يندهش من حفلات الروك الجماعية التي رعاها محمد بن سلمان خارج الرياض؛ حيث تلتقط مقاطع الفيديو مشاهد شغب لرجال ونساء يرقصون معًا. في حين أن خاشقجي كان قد نشأ في مملكة عندما كانت السلطات تخشى فيها أن يتحول أي تجمع عام كبير إلى احتجاج، وكان يُنظر إلى قضاء وقت ممتع في الأماكن العامة على أنه عمل تخريبي.
وبحسب
الكاتب، فإن خاشقجي ربما سيندهش أيضًا من أن السعودية تقف على حافة تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتوقيع اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة، لافتًا إلى أنه كان سيقوم بالتحذير من أن هذه التحركات يمكن أن تكون تكتيكات سياسية لمحمد بن سلمان، وليست إعادة تنظيم أساسية.
اظهار أخبار متعلقة
وزعم الكاتب أن تخميناته حول ردود أفعال خاشقجي تجاه الأوضاع في السعودية ترتكز على علاقة بدأت معه منذ حوالي 20 عامًا، حيث التقى به كثيرًا أثناء سفره مع الأمير السعودي تركي بن فيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير لاحقًا إلى واشنطن ولندن، والذي كان يقدم له المشورة، لقد رأى شغفه بالإصلاح خاصة عند متابعة أحداث الربيع العربي في عام 2011. ولقد شاهده وهو يكافح كصحفي، من خلال عمله في "واشنطن بوست".
إلى ذلك، أجاب الكاتب على تساؤل حول أسباب سماح محمد بن سلمان بإجراء العديد من الإصلاحات في المملكة؛ حيث نقل تصريحات لـ"علي الشهابي"، أحد المستشارين غير الرسميين لمحمد بن سلمان، التي قال فيها بصراحة: "كان على محمد بن سلمان تحييد المؤسسة الدينية. كيف تم ذلك؟ بالإكراه؛ لقد وضع الكثير من الناس في السجن".
واعتبر الكاتب أن "محمد بن سلمان يعاني من مفارقة فظيعة، كما كان خاشقجي يعرفها جيدًا، فهو مستبد تحديثي، يشبه إلى حد ما صدام حسين في العراق، ومن أجل اختراق الوضع الراهن الجامد والضعيف في بلاده ومؤسستها الدينية، قام بحشد دولة بوليسية. وقد أرسل نفس الرجل - الذي رعى المهرجانات الموسيقية في الصحراء، فريق اعتقال أو قتل إلى إسطنبول لإلقاء القبض على خاشقجي مسلحًا بمنشار عظام لتقطيع جثته إلى قطع إذا قاوم".
و
أشار الكاتب إلى أن محمد بن سلمان بدأ يعرب، في بعض الأحيان، عن إدراكه أن مقتل هذا الصحفي المنشق كان خطأ، على الرغم من أنه لا يزال غير مستعد لتحمل المسؤولية الشخصية عن العملية التي تقول وكالة المخابرات المركزية إنه سمح بها. وقال في مقابلة لقناة فوكس هذا الشهر: "لقد كان خطأ؛ كان الأمر مؤلمًا"، وأضاف أنه "يشعر بالخجل" من أحكام الإعدام التي أصدرتها المملكة بحق منتقديه، لكنه ألقى باللوم في المشكلة على المحاكم السعودية، قائلًا: "هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم. نحن نغير ذلك".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر الكاتب أن "خاشقجي سوف يحتقر الرجل الذي لا يستطيع أن يحكم دون همجية، حيث إن الأساس للتغيير تم وضعه من قبل العاهل السابق، عمه الملك عبد الله، الذي تجاهل بهدوء احتجاجات المؤسسة الدينية لمنح النساء فرصًا تعليمية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وغيرها من المؤسسات. محمد بن سلمان لم يخترع الإصلاح".
وأوضح الكاتب أن "خاشقجي كان قلقًا منذ البداية من فوضى التناقضات التي رآها في محمد بن سلمان، وكان متفائلا بعد تولي الملك سلمان السلطة خلال عام 2015 بأن ابنه سيكون محدثًا. ولكن بحلول عام 2017، عندما أطاح محمد بن سلمان بولي العهد، أرسل خاشقجي رسالة نصية إلى صديق أمريكي وصفه فيه قائلا: "هذا الطفل خطير".
وقال الكاتب: "إن إعادة قراءة أعمدة خاشقجي تذكرنا بأنه كان يأمل الأفضل من محمد بن سلمان لكنه كان يخشى الأسوأ. خلال عامه الأخير، نصح ولي العهد بأن يتعلم من ديترويت كيفية إعادة بناء الاقتصاد ومن كوريا الجنوبية كيفية مكافحة الفساد دون سجن مئات المشتبه بهم. لقد سمح لنفسه أن يتخيل أن محمد بن سلمان يمكن أن يكون مثل ملك واكاندا الشاب في فيلم بلاك بانثر".
لكنه كتب أيضًا في عمود نشره في أيلول/ سبتمبر 2017: "عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتشهير العلني بالمثقفين والزعماء الدينيين الذين يجرؤون على التعبير عن آرائهم، ثم أقول لك إنني من السعودية؛ هل أنت متفاجئ؟"، ورأى خاشقجي التحول القاسي: فقد شجع محمد بن سلمان التغيير لكنه عاقب أولئك الذين دافعوا عنه.
ولفت الكاتب إلى أن "ممارسة النساء للرياضة كان دائمًا يرعب القيادة الدينية في المملكة، وقد استجاب لهم القصر الملكي لسنوات، وقد قام محمد بن سلمان بإصلاح هذا النظام المتخلف الكاره للنساء، حتى إن هناك دوري كرة قدم محترفا للسيدات السعوديات الآن. ولكن الأمر الغريب هو أن الناشطات في مجال ألعاب القوى النسائية يعانين؛ حيث اتُهمت مناهل العتيبي، مدربة اللياقة البدنية السعودية، البالغة من العمر 29 عامًا، بـ"التشهير بالمملكة" بعد نشر منشورات عبر الإنترنت تدعو إلى قواعد اللباس الليبرالية للنساء وحقوق المثليين"، وفقًا لوكالة أسوشييتد برس.
و
أوضح الكاتب أن "أكثر ما كان يثير غضب خاشقجي هو قسوة محمد بن سلمان غير المبررة. ومن الأمثلة على ذلك سجنه، منذ أكثر من ثلاث سنوات، لسارة وعمر الجابري، وتتمثل جريمتهما في أنهما أبناء سعد الجابري، رئيس مكافحة التجسس السابق (والشريك المقرب لوكالة المخابرات المركزية) والذي يتواجد بشكل غريب في الولايات المتحدة على رأس قائمة أعداء محمد بن سلمان.
اظهار أخبار متعلقة
وذكر الكاتب أن "سارة الجابري اختفت هي وشقيقها بعد بضع أيام من احتفالها بعيد ميلادها العشرين من خلال حضورها إحدى حفلات محمد بن سلمان في صحراء العلا، بحسب شقيقها خالد. وعندما سأل مسؤول أجنبي زائر مؤخرًا عن عائلة الجابري، نقل
خالد الجابري، أن مسؤولا سعوديا رفيع المستوى قال للزائر: "هذه القضية يديرها ولي العهد، والجميع يخشى التحدث معه حول هذا الموضوع".
وختم الكاتب
مقاله قائلا إن "خاشقجي لم يكن يشكل أي تهديد حقيقي للمملكة عندما كان في طريقه نحو القنصلية في إسطنبول قبل خمس سنوات. لكن في هذه الذكرى السنوية لمقتله، لا يزال مقتله من أجل
حرية التعبير يطارد الحاكم الذي أرسل "فريق النمر" الذي قام بتقطيع جسده"، مؤكدًا أن خاشقجي إذا عاد، فمن المؤكد أنه سيكتب عمودًا يقول فيه: "استمروا في الضغط من أجل سعودية حرة وحديثة حقًا".