أكد النائب البرلماني الموريتاني المحامي محمد طالبنا، أن الرئيس
الموريتاني محمد ولد الغزواني رفض بلغة ديبلوماسية وصفها بـ "الأنيقة"
استقبال الجنود الفرنسيين الموجودين في النيجر، ودعا باريس إلى مراجعة سياساتها مع دول القارة
الأفريقية.
وأوضح طالبنا في حديث خاص مع
"عربي21"، أن اللغة التي استخدمها
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في حواره مع صحيفة "لوفيغارو"
الفرنسية تستمد جذورها من كونه يتحدث من موقع مسؤوليته على رأس الدولة
الموريتانية، وأيضا من تكوينه الأمني وجذوره الصوفية.
وقال: "لقد تحدث الرئيس ولد الغزواني بوضوح عن نقطتين أساسيتين
في حواره، الأولى تتصل بضرورة تحديث أساليب التعاطي الفرنسي مع القارة الأفريقية،
والثانية أنه أعلن عن عدم حاجة
موريتانيا لاستقبال الجنود الفرنسيين الذين يستعدون
لمغادرة النيجر، لسبب بسيط وهو أن موريتانيا ليس فيها ما يدعو لاستقبالهم".
وأضاف: "هذه هي الرسائل الأبرز في حوار الرئيس ولد الغزواني مع
الصحيفة الفرنسية، وقد أبلغها بلغته الرصينة والحصيفة بعيدا عن اللغة الخشبية ولا
الشعبوية المباشرة التي تركز عليها بعض وسائل الإعلام هذه الأيام، ودون إساءة إلى
فرنسا ولا إلى
العلاقات الثنائية"، وفق تعبيره.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني قد أكد في حوار مع صحيفة
"لوفيغارو" الفرنسية، أعادت وكالة الأنباء الموريتانية نشره اليوم
السبت، أنه لا يرى أن موريتانيا، تمثل استراتيجيا أو جغرافيا البلد الأفضل
لاستضافة قوات خصصت لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل، وذلك ردا على سؤال حول
إمكانية استقبال موريتانيا لـ1500 جندي فرنسي سيغادرون النيجر في أفق نهاية العام
الجاري.
وأضاف ولد الغزواني أن عمل قوات مخصصة في جهاز كهذا يهدف لمكافحة
الإرهاب، يكون منطقيا أكثر من بلد يقع أكثر في المركز أو بالقرب من ميدان التدخل.
وذكر ولد الغزواني بأن موريتانيا لم تشهد أي هجوم إرهابي على أراضيها
منذ سنة 2011، ولا شك أن حاجتها إلى مساعدة قوة متعددة الجنسيات أصبحت أقل.
ونفى ولد الغزواني أن تكون مجموعة دول الساحل الخمس التي يتولى
رئاستها الدورية قد ماتت، مردفا أنها ما تزال على قيد الحياة. ولم يخرج منها حتى
الآن سوى دولة مالي، مشيرا إلى أن الأسباب وراء إنشاء هذه المنظمة، وهي مكافحة
الإرهاب والجهود المشتركة من أجل التنمية، ما تزال قائمة، وما تزال التحديات
المشتركة للدول الأعضاء فيها قائمة.
ورأى ولد الغزواني أن خروج مالي من المجموعة خلق مشكلة تمثلت في عدم
استمرارية العمليات العسكرية المشتركة التي تتواصل مع دول أخرى، وقال: "علينا
حتما أن نتغلب على خلافاتنا بالحوار لتحقيق أهدافنا على الجبهتين المذكورتين. نحن
بحاجة إلى التحدث مع بعضنا البعض. القاعدة هي التشاور وأريد أن أبقى متفائلا".
وأضاف: "من واجبنا جميعا أن نحافظ على هذه المنظمة باعتبارها
إنجازا جيوسياسيا واستراتيجيا كبيرا في خدمة السلام وتنمية شعوب الساحل. كما أنها
حصن ضد الانغلاق على الذات وعودة الطائفية".
وعن الأوضاع في مناطق مالي المجاورة لموريتانيا، قال ولد الغزواني،
إن شمال مالي وخاصة غاوو وتمبكتو، شهد بالفعل في الأسابيع الماضية، وضعا أمنيا
هشا، مردفا أن الوضع الحالي في الساحل وبشكل عام ليس جيدا، "بل هو سيء للغاية. فجميع الدول بما فيها بلادنا تتعرض للضغط. ففي الوقت الذي تكثف فيه
الجماعات الإرهابية أنشطتها، تخلو المنطقة من تواجد قوات برخان الفرنسية وبعثة
مينوسما الأممية".
وعن تفسيره للمشاعر المناهضة بشدة لفرنسا في دول الساحل، قال ولد
الغزواني إن هناك "نزعة شعبوية حادة لا تقتصر على أفريقيا، ولكن يتم التعبير
عنها في كل مكان على هذا الكوكب. وتشهد هذه الشعبوية، التي لا يستطيع أحد السيطرة
عليها، تضخيما إلى حد كبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي. أما بالنسبة للمشاعر
المعادية لفرنسا، ففي رأيي، بالمعنى الدقيق للكلمة، لا توجد مشاعر مناهضة لفرنسا.
أفضل أن أتحدث عن سوء تفاهم مرحلي، كما هو الحال أحيانا بين الأصدقاء القدامى".
وأضاف ولد الغزواني أنه يفسر ذلك بالانتظارات التي يعتبرها مفرطة لدى
بعض السكان الأفارقة تجاه دولة صديقة تاريخيا. "وبطبيعة الحال، فإن الماضي لا
يمر دائما، ولكن في رأيي أن أفريقيا كانت تنتظر الكثير من فرنسا. ومن ثم، لنكن
حذرين، هناك، في الوقت نفسه، استياء في الرأي العام الأفريقي بشأن نوعية إدارة
الشؤون العامة من حيث الحكم والديمقراطية في بلداننا. وبالتالي فإن الاحتجاج
يستهدف متلقين اثنين. وأضيف أن هذا الشعور المزعوم "المعادي لفرنسا" لا
يظهر في موريتانيا، لأن الاحترام والصداقة كانا دائما يحكمان العلاقات بين فرنسا
وبلدي".
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد أعلن الأسبوع الماضي، أن
بلاده ستنهي وجودها العسكري في النيجر وستسحب سفيرها، سيلفان إيتي، إثر الإطاحة
بالرئيس المعزول محمد بازوم.
وقال ماكرون إنه أبلغ الرئيس المعزول بازوم، أن بلاده قررت سحب
سفيرها، موضحا: "في الساعات المقبلة سيعود سفيرنا وعدة دبلوماسيين إلى فرنسا،
وسننهي تعاوننا العسكري مع السلطات في النيجر".
وتحتفظ فرنسا بنحو 1500 عسكري في النيجر، منذ الانقلاب الذي شهدته
البلاد في يوليو/ تموز الماضي، ورفضت في السابق طلبا من المجلس العسكري الجديد
بمغادرة سفيرها.
وأشار إلى أن الجنود الفرنسيين في النيجر سيعودون إلى بلادهم بطريقة
منسقة بحلول نهاية العام.
وأضاف ماكرون أن فرنسا "ستواصل مساعدة القارة الأفريقية في
الحرب ضد الإرهاب".