نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا أعده كل من إريك شميدت، وديكلان وولش، وكريستوفر كوتيل، قالوا فيه إن دولة
الإمارات العربية المتحدة تدعو علنا لتسوية سلمية في
السودان ولكنها "تقوم سرا بتغذية الحرب".
وجاء في التقرير أنه "من قاعدة بعيدة في تشاد، تقوم أبو ظبي بنقل الأسلحة وتقدم العناية الطبية لجانب من الصراع المتصاعد في السودان"، ونقل عن مسؤولين تأكيدهم أن الإمارات تقوم وتحت ستار إنقاذ اللاجئين الهاربين من الحرب "بإدارة عملية سرية متقنة لدعم أحد أطراف الحرب وتقديم العناية الطبية للمقاتلين الجرحى ونقل الحالات الخطيرة جوا لواحدة من مستشفياتها"، وذلك حسب العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين من الولايات المتحدة وأوروبا والدول الأفريقية.
وتدار العملية من قاعدة عسكرية ومستشفى بعيدة عن الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات شحن تجاري من الإمارات وبشكل شبه يومي في القاعدة منذ حزيران/ يونيو الماضي، وذلك حسب صور التقطتها الأقمار الإصطناعية والمسؤولين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.
ويعلق التقرير أن هذا مثال آخر عن محاولة الإمارات، الدولة الحليفة والمهمة للولايات المتحدة في الخليج، استخدام ثروتها وترسانتها العسكرية للعب دور مهم في
أفريقيا. وفي السودان، فالأدلة كلها تشير إلى دعم قوات
الدعم السريع، القوة شبه العسكرية المرتبطة بجماعة فاغنر الروسية المتهمة بارتكاب جرائم.
اظهار أخبار متعلقة
وتخوض قوات الدعم السريع حربا ضد الجيش النظامي في نزاع خلف 5000 قتيل وشرد أكثر من أربعة ملايين شخص، بينما يؤكد الإماراتيون أن عمليتهم على الحدود هي إنسانية بحتة.
تفاصيل الدعم الإماراتي
ومن بداية وصول الطائرات إلى بلدة أم جراس التشادية، نشرت وكالة الأنباء الرسمية صورا عن مستشفى ميداني حديث ولامع حيث قالت إنه عالج أكثر من 6.000 مريض منذ تموز/ يوليو.
وأظهرت لقطات فيديو المسؤولين الإماراتيين وهم يقدمون رزم المساعدة خارج البيوت المبنية من القش في القرى المجاورة أو يتبرعون بالأغنام أو يعمرون المدارس، بل وقاموا بتنظيم مسابقة هجن.
والهدف هو دعم اللاجئين السوادنيين الذين فر معظهم من العنف الطائفي بمنطقة دار فور.
لكن عدد اللاجئين الذين سجلوا في أم جراس منذ بداية الحرب لم يتجاوز 250 لاجئا، وفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بينما تبعد العملية الطارئة لمساعدة اللاجئين عن البلد مئات الأميال جنوبا، أو مسافة يومين بالسيارة عبر الصحراء حيث ازدحم 420.000 لائجئ سوداني وصلوا إلى معسكرات ممتدة وسط ظروف يائسة.
وفي الحقيقة تقوم الإمارات باستخدام الدعم الإنساني كستار لمساعدة زعيم الدعم السريع محمد حمدان دقلو، حميدتي، وهو زعيم ميليشيات سابق في دارفور، وسمعة تتسم بالقسوة وعلاقات طويلة مع الإمارات، بحسب ما جاء في التقرير.
وقال مسؤول أمريكي بارز " ينظر الإماراتيون إلى حميدتي باعتباره رجلهم، شاهدنا هذا في أماكن أخرى، يختارون رجلا ويدعمونه طوال الوقت"، مضيفا: "كلاعب مهم في أفريقيا، وقع الإماراتيون عقودا تجارية بمليارات الدولارات لتطوير مناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأرصدة الكربون في ليبريا وتطوير موانئ في الصومال والسودان وتنزانيا".
وفي شرق ليبيا، سلّحت الإمارات أمير الحرب خليفة حفتر في خرق لحظر تصدير السلاح التي فرضته الأمم المتحدة، وقدمت المسيرات القتالية لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في مرحلة حرجة من حربه مع ثوار التيغراي عام 2020 مما حرف ميزان الحرب لصالحه.
وكانت الإمارات تدفع للسلام في السودان، وكعضو في الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، فهي تحاول التوصل لحل تفاوضي، لكن الأسلحة الإماراتية تغذي الحرب.
واستخدم المقاتلون التابعون لحميدتي في الأسابيع الماضية صواريخ كورنيت، المضادة للدبابات والتي حصلوا عليها من الإمارات، وقاموا باستهداف قاعدة محصنة لسلاح المدرعات في العاصمة، حسب مسؤولين سودانيين وأمريكيين.
اظهار أخبار متعلقة
ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية على قائمة من الأسئلة، لكنها نفت سابقا تقديم دعم لطرف في الحرب السودانية.
وعلّق تقرير "نيويورك تايمز" أن العملية السرية في السودان، أغضبت الأمريكيين الذين يشعرون بعدم ارتياح من علاقات أبو ظبي القريبة من روسيا والصين.
واستقبل حاكم الإمارات "خمسة آلاف جندي أمريكي في دولته البترولية، لكن دعمه لحميدتي يجعله في صف مع داعم أجنبي آخر وهو مرتزقة فاغنر الروسية".
وتشير الصحيفة إلى أن تقرير غير منشور لمحققي الأمم المتحدة قدم لمجلس الأمن الدولي وحصلت عليه، يفصل الطريقة التي حصل فيها حميدتي على صواريخ أرض – جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى في نيسان/ أبريل، وأيار/ مايو.
وقدمت فاغنر الصواريخ، حسب مسؤول في الأمم المتحدة، واستخدمت لإسقاط عدد من المقاتلات السودانية حسب مسؤولين سودانيين، ولم ترد قوات الدعم السريع على أسئلة الصحيفة، لكنها أنكرت سابقا أي صلة مع فاغنر.
بينما قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي معلقا على سؤال حول نشاطات الإمارات في أم جراس، إن الإمارات عبرت عن قلقها "لكل اللاعبين الخارجيين الذين يشك بتزويدهم أي جانب في الحرب السودانية، بمن فيهم أبو ظبي".
ويرى النقاد السودانيون أن تدخل الإمارات هو ازداوجية شنيعة، فمن جهة تتحدث عن السلام وتغذي الحرب، وتزعم من جهة أخرى أنها تساعد اللاجئين وتعالج الجنود الذين أجبروهم على الفرار.
ونقل التقرير عن مؤسس "بكرة" وهي شركة إعلامية سودانية مستقلة، واسمه حسام محجوب، قوله: "هذا يجعلني غاضبا ومحبطا"، قد شاهدنا هذا من قبل في دول مثل ليبيا واليمن، حيث تقول الإمارات أنها تريد السلام والإستقرار، تعمل كل شيء للعمل ضده".
اظهار أخبار متعلقة
وبدأت العملية في أم جراس منتصف حزيران/ يونيو وبعد شهرين على بدء الحرب. وفي ذلك الوقت، التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، الزعيم الإماراتي بن زايد في واحد من قصوره في أبو ظبي، وعاد ديبي إلى انجامينا بقرض 1.5 مليار، مع أن ميزانية تشاد السنوية هي 1.8 مليار دولار، وبوعود بتزويده بعربات عسكرية سلمت في آب/أغسطس.
وبعد يوم بدأت طائرات الشحن التجاري تتدفق على أم جراس، وهي واحة صغيرة تسكنها مجموعة من الناس ولديها مدرج طويل على غير العادة. وحددت الصحيفة عددا من الطائرات إلى أم جراس منذ أيار/مايو.
وولد إدريس ديبي، والد الرئيس الحالي في أم جراس وعادة ما استقبل الزعماء الأجانب فيها، أثناء فترة حكمه التي استمرت 30 عاما وبنى مطارا عسكريا قربها وبأطول مدرج في البلاد.
وفي تموز/ يوليو عندما نشر موقع لمتابعة حركة الطيران "جيرجون" تقريرا عن حركة غير عادية للطيران الإماراتي في أم جراس، أعلنت الإمارات عن افتتاح مستشفى بـ 50 سريرا على حافة المدرج، وتبع ذلك إعلانات عن الجهود الإنسانية لأبو ظبي، وبهذا جرى وضع "حجر أساس جديد في سجل عطاء الإمارات الناصع".
وكانت هناك إشارات عن معارضة محلية للقاعدة الإماراتية بين العشائر في المنطقة، وقال أحد زعماء القبائل "هذا ليس مستشفى مدني"، مضيفا أن الإمارات تدعم الدعم السريع بمساعدات لوجيستية.
ولم تكن الإتهامات بدون أساس، فقد قال الممرضون الأفارقة أن جزءا من المستشفى خصص لمعالجة الجرحى من الدعم السريع الذين تم نقل المصابين منهم بإصابات خطيرة جوا للعلاج في مستشفى زايد العسكري.
إلى جانب أن مطار أم جراس توسعت حركته ليصبح مطارا عسكريا نشطا لا يتناسب مع احتياجات مستشفى صغير، حيث تم إنشاء أماكن ومواقع جديدة لوقف الطائرات وخزانات للوقود، وتم فتح مساحات جديدة بطريقة تعطي صورة إنشاء أماكن لوقف الطائرات، ومعظم الطائرات التي هبطت في أم جراس هي التي نقلت الأسلحة للإمارات في مناطق نزاع أخرى.
ومن أم جراس يتم نقل الأسلحة مسافة 150 ميلا إلى زروق، في شمال دار فور، وهي قاعدة حميدتي، حسب مسؤولين سودانيين وتشاديين وفي الأمم المتحدة. وفقا للصحيفة.
وقال زعيم قبيلة سوداني إن قوات الدعم السريع تحدثت معه في الصيف للتأكد من مرور آمن للقوافل العسكرية إلى زروق، حيث تتم توسعة القاعدة الجوية في تشاد بشكل مستمر.
وحصلت صحيفة "نيويورك تايمز" على صور للأقمار الإصطناعية التقطت في آب/أغسطس، وبناء عليها قال كاميرون هدسون، المحلل السابق في سي آي إيه "لقد عمل الإماراتيون أكثر من أي طرف آخر على مساعدة الدعم السريع وإطالة أمد النزاع، وهذا الدعم يتم بدون بصمات وهذا مقصود".
وبدأت العلاقة الإماراتية مع حميدتي في حرب اليمن، حيث أغدقت عليه عام 2018 الأموال لإرسال مقاتليه إلى اليمن. وساعدته هذه الحملة على إثراء نفسه وتعزيز قوة الدعم السريع داخل السودان.
ومع بنائه إمبراطورية مالية ومناجم ذهب ونقل عائداتها إلى دبي، حيث يدير شقيقه الأصغر قوني حمدان دقلو شركات لإدارة مصالح العائلة.
وتساءل الكثير من المحللين الغربيين عن سبب زيادة الإمارات مساعدتها للدعم السريع رغم الأدلة المتزايدة عن الجرائم والإنتهاكات، ومثل بقية دول الخليج، ترى الإمارات في السودان مصدرا للغذاء ومركز لتعزيز مصالحها في البحر الأحمر، حيث وقعت على اتفاقية بـ 6 مليارات دولارا لبناء ميناء جديد على البحر الأحمر. وهناك التنافسات الإقليمية، فالتوتر في تصاعد بين مصر التي تدعم الجيش والإمارات والسعودية التي تقود الجهود الدبلوماسية، بحسب دبلوماسيين.