منذ البدء في بناء
سد النهضة كانت هناك مخاوف
مصرية وسودانية من تأثيره على حصتهما المائية من نهر النيل، ولكن اليوم أصبح هناك خطر آخر يهدد البلدين، وهو احتمالات انهيار السد نتيجة تراكم كميات المياه خلفه، أو لمشكلات تقنية وإدارية.
وزادت المخاوف المصرية بعد كارثة انهيار سدين في مدينة درنة الليبية نتيجة لإعصار دانيال، حيث ساهم انهيار السدين في تفاقم أضرار الإعصار، فقد تسبب ذلك بحدوث فيضانات وسيول جرفت عددا كبيرا من المباني وقتلت آلاف البشر.
وحول مخاطر انهيار سد النهضة، أكد عالم الجيولوجيا المصري عباس شراقي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن سد النهضة هو "قنبلة موقوتة" يمكن أن تنفجر في أية لحظة، مسببة كارثة كبيرة ومهولة.
وقال شراقي: إن "إعصار دانيال نادر الحدوث في البحر المتوسط لأنه شبه مغلق وصغير المساحة مقارنة بالمحيطات، إلا أن تأثيره كان قويا على السواحل الشرقية الليبية خاصة على مدينة درنة نتيجة انهيار سدي وادي درنة وأبو منصور".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "السدين يخزنان حوالى 28 مليون م3، وبعد الإعصار وانهيارهما جرفا معهما ثلث المدينة وآلاف السكان نحو البحر المتوسط، خاصة أن سدود درنة بدائية مكونة من ركام صخري وطمي، وتم إنشاؤهما منذ أكثر من 50 عاما، والصيانة فيهما ضعيفة بسبب الأوضاع الداخلية المتردية في
ليبيا".
وأضاف: "أما في ما يتعلق بسد النهضة، فالبيئة في إثيوبيا أشد خطرًا رغم أنها دولة داخلية غير مطلة على بحار أو محيطات، وبالتالي غير معرضة لأعاصير بحرية، إلا أنها أكثر عرضة لكوارث أشد، وهي الزلازل والأمطار الغزيرة والفيضانات السنوية المتكررة المندفعة من قمم جبلية ترتفع أكثر من 4600 متر فوق سطح البحر، وهذه الفيضانات تكون محملة بالصخور والطمي ما يجعل تأثيرها على المنشآت أشد وأقوى".
ولفت شراقي إلى أن "إثيوبيا شهدت سابقا انهيار سدود أخرى بسبب الفيضانات، مثل سد تاكيزي الذي انهار عام 2006، وهو يخزن 9 مليارات م3، وراح ضحيته 47 من عمال الشركة الصينية العاملة في بناء السد، كذلك انهيار جيبي الثاني في يناير 2010".
وحول أسباب التخوف من انهيار سد النهضة قال شراقي، إن "التصميم الأمريكي الأصلي لسد النهضة كان يهدف لتخزين 11.1 مليار م3، ولكن هذه الكمية ازدادت لأسباب سياسية وارتفعت إلى 64- 74 مليار م3".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن ذلك "يعني أن سد النهضة أكبر من سدي درنة معا بنحو 3 آلاف مرة، كذلك منطقة سد النهضة تزيد عن درنة في خطورة الفيضانات السنوية والانحدارات الشديدة والنشاط الزلزالي الأكبر في القارة الأفريقية حيث إنه يقع في منطقة الأخدود الأفريقي الأكثر نشاطا للزلازل والتصدعات والفوالق، وينبع من ارتفاعات أكثر من 4 آلاف متر، وبالتالي فيضانات شديدة في موسم الأمطار، وكميات كبيرة من الطمي تعتبر الأعلى في العالم، أيضا سد النهضة يعلو الخرطوم بنحو 350 مترا".
وحول تأثير انهيار سد النهضة قال شراقي، إن "انهيار السد سوف يؤدي لتكون طوفان لم تشهده البشرية من قبل، وسيجرف عدة ولايات سودانية هي الأكثر كثافة سكانيا، حيث يقطنها نحو 30 مليون نسمة، وبالتالي سيكون ضحيته 20- 30 مليون سوداني، ويزداد التدمير بانهيار السدود السودانية على امتداد النيل الأزرق والرئيسي الروصيرص وسنار ومروى، وقد تصل هذه الأضرار إلى السد العالي في مصر".
وأكد أنه "للحد من خطورة سد النهضة فيجب ألا تزيد سعة التخزين على الـ40 مليار م3، وأن يكون ذلك مطلبا رئيسيا لمصر والسودان في المفاوضات الجارية بالإضافة إلى الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل".
اظهار أخبار متعلقة
وحول دور المجتمع الدولي قال شراقي: "يجب على المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن التدخل لحل مشكلة سد النهضة، لأنها ليست مشكلة مائية بقدر ما هي مشكلة تهديد وجود لشعب وادي النيل ودولة كاملة هي السودان وتهديد خطير أيضا للسد العالي في مصر".
وأضاف: "يجب على الأمم المتحدة العمل على تقييم حالة السدود على مستوى العالم، خاصة التي تهدد حياة الملايين من البشر في حال انهيارها، وآن الأوان أن تُنشئ منظمة دولية جديدة تهتم بمشروعات المياه للاستفادة من مياه الأنهار الدولية المهدرة في البحار والمحيطات، وتساهم في حل نزاعات المياه في أحواض الأنهار وخزانات المياه الجوفية المشتركة والتي يسكنها أكثر من 70 في المائة من سكان العالم قبل أن نشهد حروب المياه في المستقبل".
وتعرضت مدينة درنة الليبية لإعصار دانيال الشديد، الذي تسبب بانهيار سدين في المدينة، ما تسبب بحدوث فيضانات وسيول أدت لتدمير مبان كثيرة، ومنها منازل المواطنين، وراح ضحية هذا الإعصار والفيضانات والأمطار التي رافقته آلاف الضحايا.
ووجهت اتهامات للقيادة السياسية هناك بتجاهل مطالب إصلاح وصيانة السدين، ما تسبب بسرعة وسهولة انهيارهما فور وقوع الإعصار، الأمر الذي فاقم الكارثة البيئية والإنسانية أكثر.