قضايا وآراء

حدود وقيود التحرك الأردني على الحدود السورية

حازم عياد
كيف سيضبط الجيش الأردني الحدود؟- الأناضول
كيف سيضبط الجيش الأردني الحدود؟- الأناضول
احتل الملف السوري وأزمة اللجوء أكثر من ثلثي خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ محذرا من تقاعس المجتمع الدولي عن الإيفاء بالتزاماته تجاه اللاجئين في بلاده، سواء عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أو عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA)، فالأعباء انتقلت إلى حكومته التي ترزح تحت مديونية طائلة ومعدلات نمو منخفضة وبطالة مرتفعة.

تحذيرات العاهل الأردني لم تقتصر على مخاطر اللجوء والعجز عن توفير بيئة مناسبة لهم في بلد بلغ تعداد اللاجئين فيه 3 ملايين ونصف المليون، أي ما يقارب ربع سكان المملكة الأردنية، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، بالإشارة إلى التدهور السياسي والأمني في كل من سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة.

القيود الجيوسياسية

في مقابل صعود اليمين الإسرائيلي الفاشي وتنامي المقاومة والمواجهات بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، ظهرت مؤشرات إسرائيلية على إمكانية نقل الصراع وتصديره إلى دول الجوار، سواء عبر إجراءات أمنية بحجة مكافحة تهريب السلاح، أو عبر إجراءات سياسية لفرض حلول على حساب دول الجوار الإقليمي -خصوصا الأردن- ديموغرافيا واقتصاديا، مهددا بذلك بتفاقم الأعباء السياسية والأمنية على عمّان.

تصريحات الملك عبد الله الثاني، فتحت الباب مجددا للجدل حول إمكانية إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بدونها؛ فهل سيتجه الأردن نحو إنشاء منطقة عازلة، أم يكتفي بالإجراءات المتبعة والدعوات المتواصلة للنظام السوري لتحمل مسؤولياتها إلى جانب روسيا وإيران؟

فالأعباء القادمة من الغرب نتيجة التطرف الصهيوني والفشل الأمريكي في ضبط سلوك اليمين الفاشي الإسرائيلي، لا تقل خطورة عن الجبهة الملتهبة على الواجهة الشمالية من الحدود الأردنية السورية، وصولا إلى المثلث الحدودي (الأردني السوري العراقي/ السعودي)، حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير استراتيجيتها، مستعينة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) للسيطرة على الحدود العراقية- السورية، وهي المحاولة التي انتهت إلى انقسام وتشرذم خطير بين المكونين العربي العشائري والكردي الانفصالي المتطرف داخل الكيان المصطنع المسمى قوات "قسد".

المحاولة الأمريكية لخلق حزام حدودي بين العراق وسوريا، قادت إلى نتائج عكسية بإطلاق موجة نزوح من شرق الفرات؛ بسبب الجرائم وحملات القمع والتهجير، التي استهدفت فيها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات حماية الشعب الانفصالية (YPG)؛ العشائر العربية شرق الفرات، موجة قابلة لأن تتطور من نزوح إلى لجوء نحو الأراضي الأردنية والعراقية مستقبلا.

حالة التدهور لم تقتصر على شرق الفرات، إذ شملت محافظة السويداء التي شهدت توترا واحتجاجات يتوقع أن تفضي لموجة نزوح ولجوء كبيرة بالقرب من الحدود الأردنية، في ظل غموض أمريكي وترقب أردني، تحركه سياسات خفض التصعيد والتفاهمات والصفقات المبرمة مع طهران مؤخرا.

حدود التحرك الأمني والسياسي الأردني

الاضطرابات داخل الأراضي السورية والموقف الأمريكي الغامض برز بشكل واضح في خطاب الملك عبد الله الثاني أمام الجمعية العامة؛ ففي خطابه حذر عبد الله الثاني من إمكانية تطور قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية إلى مواجهة شاملة بالقول: سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية.

تصريحات الملك عبد الله الثاني، فتحت الباب مجددا للجدل حول إمكانية إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة أو بدونها؛ فهل سيتجه الأردن نحو إنشاء منطقة عازلة، أم يكتفي بالإجراءات المتبعة والدعوات المتواصلة للنظام السوري لتحمل مسؤولياتها إلى جانب روسيا وإيران؟

لم تصمد التكهنات والتساؤلات طويلا، فخلال زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني، اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، إلى مديرية أمن الحدود يوم الخميس (21 سبتمبر/ أيلول)، أكد ضرورة إنفاذ توجيهات الملك لحماية البلاد من أية تهديدات مستقبلية تمس الأمن، من خلال "توظيف التكنولوجيا في عمل القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، وبما يخدم منظومة أمن الحدود لمنع عمليات التسلل والتهريب"، بحسب ما نقلت وكالة الانباء الأردنية الرسمية (بترا)، مستبعدا بذلك إطلاق عملية واسعة أو إنشاء منطقة عازلة.

زيارة رئيس الأركان بيّنت حدود التحرك الأردني الذي لن يتجاوز الحدود الأردنية، وسيعتمد على إدارة أمن الحدود والتكنولوجيا والمسيّرات للتعامل مع عمليات التهريب، وما يرتبط بها من جريمة، فالمراهنة على الحلفاء الغربين الذي تقاعسوا عن القيام بواجبهم الإغاثي تجاه اللاجئين للقيام بمهمات عسكرية كبيرة، رهان خطر ومن الممكن أن يقود إلى استنزاف وعملية يصعب التحكم في نتائجها وآثارها.

الاعتماد على الولايات المتحدة سيعني بقاء الأردن وحيدا وبدون شراكات مع أطراف الصراع كافة، بما فيها النظام وروسيا وإيران وتركيا، ما سيخلق ثغرة كبيرة في السياسة الأمنية الأردنية، قد تبتلع قدرته على المناورة سياسيا واقتصاديا وتورثه هشاشة، مزيدا من الاعتماد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لتفرض عليه فيما بعد تنازلات في ملفات غرب نهر الأردن، أو في ملفات محلية.

بالرغم من الحسابات الأردنية المعقدة والحذرة التي عبر عنها الملك عبد الله الثاني ورئيس أركانه اللواء يوسف الحنيطي، فإن المخاوف من أن تقود السياسة الأمريكية وحالة التدهور شرق الفرات والسويداء، إلى تورط الأردن في عملية عسكرية واسعة لملاحقة المهربين في عمق الأراضي السورية، وإقامة مخيمات للنازحين داخل الأراضي السورية، تبقى واردة ومحتملة، خصوصا أن أمريكا لا زالت تبحث عن طريقه لإنجاح استراتيجيتها شرق الفرات بعد أن تخلت عن العشائر العربية، وأطلقت العنان للانفصاليين الأكراد لإدارة المنطقة، بالتعاون مع النظام السوري وإيران وروسيا، وبما يخدم مصالح الانفصاليين ومشروعهم القائم على تطهير شرق الفرات من العرب.

تورط عمّان جنوب سوريا، سيلقي العبء على الأردن الذي سيُترك وحيدا في المواجهة، في حال تجاهله لعيوب السياسية الأمريكية وتناقضاتها، أو في حال تجنبه روسيا وإيران والنظام، أو الأتراك الذين فعّلوا اتفاقية أضنة للعام 1998، بين النظام السوري وتركيا؛ بما يبرر ويسمح للقوات التركية بتنفيذ عمليات في عمق 5 كم في الأراضي السورية.

ختاما، الاعتماد على الولايات المتحدة سيعني بقاء الأردن وحيدا وبدون شراكات مع أطراف الصراع كافة، بما فيها النظام وروسيا وإيران وتركيا، ما سيخلق ثغرة كبيرة في السياسة الأمنية الأردنية، قد تبتلع قدرته على المناورة سياسيا واقتصاديا وتورثه هشاشة، مزيدا من الاعتماد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لتفرض عليه فيما بعد تنازلات في ملفات غرب نهر الأردن، أو في ملفات محلية قيمية تهدد هويته ونسيجه الاجتماعي.

التعليقات (0)