شغل الناس ـ منذ يومين ـ بتسريبات عن السجون في
مصر، وما يجري فيها
للمعتقلين السياسيين، وبخاصة رموز الإسلاميين، وانتشرت تحت هاشتاج: تسريب السجون،
وهاشتاجات أخرى، وتسريبات السجون ليست صورا، بل صور وفيديوهات، قام بنشرها: علي
حسين مهدي، وقناة الشعوب، وقنوات أخرى على اليوتيوب، وثار النقاش حولها.
كان النقاش الأول عن مدى صحة هذه التسريبات، وكعادة النظام في مصر
وأدواته، ينكر كل ما يتعلق بجرائمه نحو المعتقلين، وتثبت الأيام صحتها، بل يعترف
النظام من داخله ولمقربيه بأن التسريبات صحيحة، بداية من تسريبات السيسي من قبل،
وانتهاء بكل تسريب أتى بعد ذلك، سواء تعلق برأس السلطة، أم بأطرافها.
وما لا يمكن إنكاره هو ما رأيناه في كل هذه التسريبات، لأنها لم تكن
سوى مؤكدة لما كنا نعلمه يقينا، وتم نقله شفاهة بالألسنة عن طريق المسجونين
أنفسهم، فماذا أضافت التسريبات لم يكن معلوما للناس؟! لقد وقف من قبل الأستاذ عصام
سلطان يحكي بنفسه ما يحدث له، ووقف الأستاذ أسامة محمد مرسي يحكي معاناته في الحبس
الانفرادي، ووقف الوزير المحبوب باسم عودة نفس الأمر يحكي، كلهم حكوا ما رأيناه
بالفيديو عن واقع يعيشونه يوميا منذ سنوات طويلة، بل منذ بداية اعتقالهم.
وحتى نفي أسرة الدكتور صلاح سلطان، أن ما قيل عن إنه صورة له، ليس
صحيحا، ففيه ما ينقض، فالأخ العزيز محمد سلطان ابن الدكتور صلاح، نقلت كاميرات
المحكمة نفسها، والإعلام حين كان راقدا على النقالة عندما كان مسجونا في مصر، وكان
والده يمسك بيده، وقد كان محمد آنذاك جلدا على عظم، وما يمكن أن يقال في هذه
الحالة أنه كان مضربا عن الطعام، فقد رأينا نفس الشكل في الدكتور سعد الكتاتني في
المحكمة، ومن قبل صورة الشيخ فوزي السعيد، والمهندس حسام خلف، والدكتور صفوت عبد
الغني، في جلسة نيابة عادية منذ سنوات، ورأينا أجسادا هزيلة، لأناس كانت أجسادهم
تمتلئ حيوية ونشاطا، فالفيديوهات بنسبة كبيرة جدا صحيحة، ولا يمكن بحال من الأحوال
تكذيبها.
ثم تحول إنكار السلطة، إلى التقاط أي خيط يتعلق به اللجان
الإلكترونية للنظام، بأن الزنازين في التسريبات واسعة، وشكلها جيد، متناسين أن كل
هذه الزنازين ـ على فرض التسليم لهم باتساعها ـ هي حبس انفرادي، والحبس الانفرادي
لو كنت في قصر، فهو أقسى أنواع الألم والعذاب للشخص، ولذا تكون في سجل العقوبات
للسجين العادي، إذا تمرد، أو أحدث شغبا، يحبس انفراديا، فهي عقوبة تأديبية فوق
عقوبة السجن.
فقد حكى الشيخ القرضاوي رحمه الله، أنه سجن أيام عبد الناصر مرة في
السجن الحربي، وناله العذاب الجسدي بالكرابيج، وغيرها لمدة عامين، وسجن بعدها لمدة
شهرين في مبنى المخابرات، في أحد المكاتب الجيدة، ولكنه كان حبسا انفراديا، فقال:
إن أشد أنواع الحبسين عليه، كان الانفرادي، رغم أنه لم يعذب بدينا، ولم يهنه أحد،
وكانت معظم التحقيقات تتم معه مع رئيس جهاز المخابرات صلاح نصر بنفسه.
التوثيق مطلوب، والسعي أيضا مطلوب، لكن جلد الذات ليس مطلوبا، لأن المطلوب سيتحقق عند تغير المعادلة، وهذا ليس مستحيلا، بل حدث مع كثيرين أجرموا، ولم يحاكموا إلا بعد سقوطهم، أو زوال قوتهم، أو تغير المعادلة الدولية والداخلية، والأقرب أن ذلك يتم عندما يكون التغيير من الداخل، وما ذلك على الله بعزيز.
نقطة أخرى تضاف إلى سوء خلق القائمين على السجون من حيث الرحمة، أو
الإنسانية، وهي مسألة التجسس، فما الهدف من وضع كاميرات على المساجين، في زنازين
فردية؟! وما الهدف من كاميرات في مكان ساحة تجلس فيها النساء لمشاهدة التلفاز،
وهذا الخلق يجعلك تقارن بين زبانية عبد الناصر، وزبانية السيسي، فمثلا حمزة
البسيوني المعروف بإجرامه ودمويته، فقد حكوا عنه أنه قام بجلد عسكري، قام بفتح باب
السجن على حميدة قطب وزينب الغزالي، دون أن يقرع الباب، فقام بجلده وسبه بأقذع
الألفاظ، موجها خطابه إليه: يا ابن..، كيف تفتح بابا على نساء دون تنبيه، لعل
إحداهن كانت كاشفة شعرها، أو نائمة؟! رغم ما ورد عن هذا النظام من التهديد بالنساء!
البعض ذهب إلى أن المعارضة بالخارج ـ وعلى رأسها قيادات الإخوان ـ
يجب عليها أن تتحرك وفق هذه التسريبات الآن، وتحرك موضوع المعتقلين، والحقيقة لا
أريد أن أؤيس أحدا من التحرك، ولكن من ظن أنه لم يكن هناك تحركات من قبل، تتعلق
بمذابح رابعة وما قبلها، وما بعدها، سواء من الإخوان أو غيرهم، فتصوره قاصر، لقد
تمت تحركات، سواء رضينا عنها أم لم نرض، لكن عائقا كان وسيظل، هو تأييد هذه
المنظومة الدولية لجرائم السيسي، لقد تم بث فض رابعة على الهواء مباشرة، وكان يملك
العالم الغربي ومنظماته الإدانة والمحاكمة، لكنه لم يفعل، بل إننا كنا نلاحظ في
هذه الفترة أن السيدة كاثرين آشتون كانت تأتي لمصر، وتمشي وبعد مغادرتها مصر
بساعات تحدث مجزرة يمارسها العسكر.
بل رأينا التسريبات التي كانت بصوت ممدوح شاهين وعباس كامل، تتحدث عن
التنكيل بمحمد مرسي، وحجزه عن القاضي بحاجز زجاجي، وكيف كانت محاكمات مرسي تتم دون
أدنى معايير القانون والمحاكمة، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، ويشكو علنا وينقل
ذلك الإعلام، بأنه معزول تماما عن المحكمة والقاضي.
التوثيق مطلوب، والسعي أيضا مطلوب، لكن جلد الذات ليس مطلوبا، لأن
المطلوب سيتحقق عند تغير المعادلة، وهذا ليس مستحيلا، بل حدث مع كثيرين أجرموا،
ولم يحاكموا إلا بعد سقوطهم، أو زوال قوتهم، أو تغير المعادلة الدولية والداخلية،
والأقرب أن ذلك يتم عندما يكون التغيير من الداخل، وما ذلك على الله بعزيز.
[email protected]