وقعت
تركيا صفقة تاريخية مع
المجر في مجال تصدير الغاز الطبيعي، في الوقت الذي يسعى فيه البلدان لتوطيد العلاقات الاستراتيجية بينهما في مختلف المجالات.
واختتم الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان زيارته إلى العاصمة المجرية بودابست، وشارك في احتفالات يوم التأسيس للدولة المجرية.
وكان اللافت أن المشاركة في احتفالات اليوم الوطني للمجر، اقتصرت على الرئيس التركي، وقادة دول المجلس التركي، وبعض دول البلقان، وأمير قطر، ولم يشهد مشاركة أي من قادة الاتحاد الأوروبي أو الناتو.
صفقة تاريخية
وأعلنت شركة خطوط أنابيب البترول التركية "بوتاش" عن توقيعها اتفاقية "تاريخية" مع المجر في مجال تصدير الغاز الطبيعي.
وأوضحت الشركة في بيان الاثنين، أن الاتفاقية وقعت مع شركة MVM CEEnergy الحكومية تماشيا مع أهداف تركيا الاستراتيجية في مجال الطاقة، مشيرة إلى أن الاتفاقية تأتي في إطار رؤية تركيا في أن تصبح دولة مركزية في مجال الغاز الطبيعي.
ومن المتوقع أن تبدأ شحنات الغاز الطبيعي بالوصول من تركيا إلى المجر اعتبارات من العام المقبل، كما أن الاتفاقية تشكل أيضا التعاون في استخدام البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال في تركيا ومنشآت التخزين بين البلدين.
وتعد الاتفاقية، هي الأولى في تصدير الغاز لدولة أوروبية ليست حدودية مع تركيا. فقد كانت أنقرة قد وقعت اتفاقية في كانون الثاني/ يناير الماضي، مع بلغاريا لتصدير 1.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 13 عاما.
اظهار أخبار متعلقة
الذكرى المئوية لاتفاقية الصداقة التركية المجرية
الرئيس أردوغان في رحلة عودته من المجر، ذكر أن البلدين سيحتفلان في 18 كانون الأول/ ديسمبر بالذكرى المئوية لاتفاقية الصداقة التركية المجرية، مشيرا إلى أن الاجتماع السادس لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى سيعقد في بودابست، بالتزامن مع هذا التاريخ.
أردوغان في تصريحاته للصحفيين الأتراك، ذكر أنه سيتم افتتاح فعاليات العام الثقافي التركي المجري 2024، لافتا إلى أن البلدين يحققان تقدما كبيرا في علاقاتهما في كافة المجالات.
ولفت أردوغان إلى أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين بلغ 3.5 مليار دولار في عام 2022، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق.
وأعرب عن ثقته في أن البلدين سيصلان إلى هدفهما المتمثل في رفع حجم التجارة إلى 6 مليارات دولار خلال وقت قصير، مشيرا إلى تشكيل لجنة الشراكة الاقتصادية والتجارية.
انسجام وتنسيق بين البلدين على الساحة الدولية
وكانت هناك عملية تعاون عميقة للغاية بين تركيا والمجر، وسط تنسيق بين البلدين بشكل علني، وحالة انسجام تجاه قضايا عدة على الساحة الدولية، أبرزها ملف انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكذلك موقف المجر تجاه تحفظات تركيا على قبول الدول الإسكندنافية كأعضاء في التحالف.
وتطورت العلاقة بين البلدين منذ سنوات إلى "شراكة استراتيجية"، ورغم أن البلدين ضمن الحلفاء في "الناتو"، فإنهما يتبعان سياسات أكثر استقلالية عن موقف الحلف، قائمة على المصالح الوطنية الخاصة. ويشترك البلدان، بأنهما يتلقيان ردود فعل من الولايات المتحدة ودول "الناتو"، بسبب موقفيهما تجاه روسيا، كما أنهما يثيران القلق بسبب علاقاتهما المستقلة مع الصين والدول العربية.
وبينما تشكل المجر تحالفا إقليميا مع دول أوروبا الشرقية، المعروفة باسم "مجموعة فيشغراد" أو "V4" في الاتحاد الأوروبي، فإن تركيا تقوم بإقامة تعاون مماثل مع المجلس التركي في آسيا.
وبينما تسعى المجر للدخول إلى آسيا عبر بوابة المجلس التركي، فإن تركيا تسعى ليكون لها موطئ قادم داخل الاتحاد الأوروبي، بمساعدة المجر ودول "مجموعة فيشغراد".
وذكر تقرير لـ"
بي بي سي" بالنسخة التركية، أن هناك أسبابا عدة لاعتبار تركيا الصديق الوثيق في العديد من القضايا، مثل الأمن والاقتصاد والأمن القومي بالنسبة للمجر.
اظهار أخبار متعلقة
بودابست ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي
ويرى التقرير أن السبب الأساسي لتعميق العلاقة بالنسبة للزعيم المجري رئيس الوزراء فيكتور أوربان، أن العلاقات الإيجابية مع تركيا، وإلى حد ما مع روسيا، عامل مهم في إضعاف السياسات الليبرالية التي تهيمن في الدول الغربية ويعارضها.
وتدعم المجر عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، لكن اللافت أن بودابست ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي اعتبارا من منتصف العام المقبل، ما سيسهم في تقدم المفاوضات بين تركيا والاتحاد في ظل قيادتها.
ويشير التقرير إلى أن المجر صديقة لتركيا، وتدعمها بشكل كامل في الاتحاد الأوروبي، ويعتبرها البعض "حصان طروادة" بالنسبة لها.
الكاتب مليح ألتينوك، في مقال على صحيفة
صباح، ذكر أن أوربان ينظر إلى العديد من القضايا والمشكلات العالمية من نفس الزاوية التي ينظر فيها أردوغان.
وتابع بأنه لم يكن عبثا أنه قال "أدعو الله أن يفوز أردوغان"، قبل انتخابات أيار/ مايو الماضي. لأن أوربان الذي فاز في الانتخابات ضد تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب والمدعوم من الغرب على غرار التحالف في تركيا، يدرك جيدا كيف تعمل الماكنة العالمية.
وأضاف أن أوربان، يعتقد أن سياسة أردوغان المتوازنة تجاه العلاقة مع المؤسسات الغربية مثل "الناتو" والأمم المتحدة، وتطوير العلاقات مع "العالم الآخر" من ناحية أخرى، يعد مخرجا لاستقلال المجر.
أفق العلاقات بين البلدين
المحلل السياسي التركي أومر توغاي يوغال، أكد لـ"
عربي21" أن العلاقات بين البلدين قديمة تاريخيا، وتم إرساء العلاقات في عهد أول رئيس للجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، واليوم بفضل أردوغان وأوربان، تنتقل العلاقات إلى مستويات أعلى.
وأوضح أنه بالنسبة للمجر، فقد أصبحت تركيا لاعبا إقليميا وعالميا رئيسيا تزداد أهميته يوما بعد يوم، فيما تعتبر أنقرة، بودابست لاعبا هاما في أوروبا ضمن مساعيها لعضوية الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن أن صناع القرار الأتراك والمجريين في "الناتو" يتصرفون وفق وجهات نظر مشتركة بين البلدين.
واقتصاديا، تعد المجر العضو في الاتحاد الأوروبي مركز استثمار ذا أولوية للشركات التركية في منطقة شنغن، وتعد بوابة لها إلى أوروبا.
ونوه الخبير التركي إلى أن تركيا وجهة مهمة جدا للسياح المجريين، كما أنه من المتوقع أن يتم رفع التأشيرة في أي وقت عن المواطنين الأتراك.
ولفت إلى أن المجر واحدة من الدول الرائدة بالعالم في إدارة المياه، وستكون مفيدة للغاية بالنسبة لتركيا في إدارة ملف المياه والتكنولوجيا المتعلقة بها.
اظهار أخبار متعلقة
وتوقع يوغال أن المجر في المستقبل القريب قد تصبح أكبر عميل وشريك لتركيا في صناعة الدفاع التركية الصاعدة في أوروبا.
ونوه إلى أن موقف المجر المؤيد لتركيا بشأن منظمة العمال الكردستاني و"غولن" واضحة للغاية، ويسجل لأوربان أنه أول زعيم أوروبي يؤكد وقوفه إلى جانب أردوغان ضد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو 2016.
كما أن افتتاح مكتب تمثيلي لقبرص التركية في بودابست، يظهر أن المجر هي واحدة من أهم الشركاء في أوروبا لتركيا.
وشدد الخبير التركي في حديثه لـ"
عربي21" على أن القادة الأتراك والهنغاريين لديهم رؤية استراتيجية غير غربية، لكنها في ذات الوقت غير معادية للغرب، ويتفق أردوغان وأوربان على أن العالم لا ينحصر بالغرب.
وأشار إلى أن البلدين اللذين يدعمان بعضهما البعض في عالم متعدد الأقطاب، يسلكان طريقا يعطي الأولوية للتعاون مع المنطقة الجغرافية والدول غير الغربية.
وتابع بأن وقوف البلدين إلى جانب بعضهما البعض ضد ضغوط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يعزز من قبضتهما، مشيرا إلى أن العلاقة بين الجانبين، ستحدث ضجة أكبر في مجالات الطاقة والأمن والتجارة والثقافة التكنولوجيا والدفاع في المستقبل.