يوصف الرئيس المنتخب شعبيا حينما يتم الانقلاب عليه
بأنه متهم بالخيانة العظمى، وكذا
الثورة التي جلبته بالفوضى والخطط السرية، بينما
الدولة العميقة والمتمثلة في الدول العربية بجهازي المخابرات والجيش فتوصف بأنها
حامية الوطن تارة وصمام الشعب تارة أخرى.
هكذا الحال ما بعد ثورات الشعوب العربية ٢٠١١، فكان
التصنيف الغربي والأمريكي تحديدا له معايير تتحكم فيها سفارة الولايات المتحدة في
هذه الدولة أو تلك.
موازين العالم واستقطابه ومصالحه ولغة الأقوى أظهرت
جليا فساد النظام الدولي، وكشفت زيف الإنسانية والديمقراطية والحياة الدستورية
التي تتناثر كلماتها في بيانات خارجية تلك الدول.
وفي ظل هذه المعايير تعزز أمريكا نظرية الانقلاب
العسكري، بل وتدعمه تحت الطاولة وتعارضه فوق الطاولة من باب المواقف الإعلامية،
بينما في بعض الدول تنزعج من اتهام رئيس بالخيانة العظمى وتحميه بكل أدواتها رغم
أنه لم يأت بانتخابات نزيهة كما دول شهد العالم بنزاهة انتخاباتها.
ودائما ما ترتبط بفكرة الخيانة العظمى معادلات
الانقلاب العسكري والمجلس المؤقت والفترة الانتقالية والدستور والحياة
الديمقراطية، وجميع تلك المصطلحات عبارة عن وصفة التغيير ولوازمه الميدانية
والقانونية وغيرها، فمن خلال الدولة العميقة يتم التوجيه والتعيين والتزوير وصولا
للانقلاب واتهام بالخيانة العظمى، وغيرها من الأساليب التي تجعل من الجنرال المنقلب
خلال شهور رئيسا منتخبا يُستقبل في أمريكا وأوروبا ويتم دعمه بكل السُبل!!
وهناك تدرك أن قرار الغرب تحت الطاولة كان التخلص من
الرئيس المنتخب حتى لا يعطل مصالحهم، ويتحول المنصب من وظيفي شكلي إلى تغيير فعلي
وجذري.
وفي حال بات الرئيس الموجود يشكل خطرا على مصالح الغرب
وجغرافيا المنطقة، فتسمي أمريكا الانقلاب في هذه الحالة أحداثا واقتتالا وجب وقفه
ومنع توسعه. وهكذا تعزز في الإعلام أن المشهد ليس انقلابا بل تعاركا، وفي التعارك
طالما الخطة موضوعة مسبقا ستكون الخريطة التي تريدها تحت إطار "يجب وقف نزف
الدم، ونحن على مسافة واحدة من الجميع ونتحاور مع الجميع"؛ وهنا يكمن السر
حتى يتم التخلص منه، والخيانة العظمى تهمة جاهزة لتقبل التغيير وتمرير السياسة.
وفي حالة ثالثة حينما يتم تغيير قواعد اللعبة بثورة
شعبية أو انقلاب غير مخطط؛ ستكون العاصفة السياسية والإعلامية والعسكرية الأمريكية
لتثبيت النظام الموالي ولضرب كل أشكال المساس بالمصلحة.
في إطار الخيانة العظمى والانقلاب والمجلس العسكري؛
تلك المصطلحات باتت ثقيلة ومميتة وقاتلة للشعوب العربية والإسلامية والأفريقية،
وباتت السيف الذي يحمله أزلام الغرب ويلقون صمتا دوليا وخوفا عربيا حتى لو وصل بهم
حد المجزرة وقتل آلاف في الشوارع، فهم يدركون أن أمريكا خلفهم وأنهم لن يُعرضوا
على محكمة الجنايات ولن يتم اعتقالهم، وهذا بات واقعا تغطيه ماكنة إعلامية
واجتماعية ومالية.
وهنا تتكرس مأساة الشعوب في عدم وجود أحزاب قوية ذات
عمق يؤسس للسيطرة على الحكم، فتراهم تارة يقولون إنهم حزب للخدمة؛ ومرة مشاركة
ليست بالأغلبية، لأن قيادات هذه الأحزاب انطلت عليها كذبة الأخلاق وربطت الكرسي
بغير فكرتها، وأن التنازل أخلاق وأن الحكم صعب ولن ندخل إلا باستثناء، وغيرها من
هذه الأسباب في ظل عدم وجود خطة ما بعد الفوز ولا قوة للردع.
ولذلك تبقى الكلمة لأمريكا وعقوباتها وغلمانها
وجغرافيا الفوضى الخلاقة التي أسستها، هنا أحادية القطبية يا سادة؛ التي تجعل من
المنتخب إرهابيا ولديه خيانة، ومن الجنرال منقذا ولديه حصانة.