تدخل الأزمة
الاقتصادية في
مصر منعطفا جديدا، قد يؤثر على أكثر من 105 ملايين شخص يعيشون في البلد المثقل بالتضخم والديون.
ومع وصول المعدل السنوي للتضخم الأساسي عن حزيران/ يونيو الماضي إلى 41 بالمئة وفقا للبنك المركزي المصري، وتفاقم أسعار جميع
السلع بشكل رهيب منذ ربيع العام الماضي، ظهرت مجددا للسطح أزمة ندرة ونضوب وتراجع المعروض من السلع الهامة والاستراتيجية بالمحال التجارية والسوبر ماركت بشكل مثير للتساؤلات.
"ندرة السكر"
المثير أيضا هو ندرة وغياب سلعة السكر الاستراتيجية من الأسواق المصرية، ما دفع أسعاره للارتفاع بشكل كبير مع انخفاض المعروض بالأسواق رغم قرار الحكومة بحظر تصدير السكر لمدة 3 أشهر، وفق ما نقلته قناة "العربية"، الأحد الماضي.
وقفز سعر السكر تسليم أرض المصنع بنحو 26 بالمئة في شهر ليبلغ 24 ألف جنيه للطن مقارنة بـ19 ألفا مطلع تموز/ يوليو الماضي، بحسب ما قاله حسن الفندي، رئيس شعبة السكر باتحاد الصناعات لـ"اقتصاد الشرق"، الاثنين الماضي.
وفي بيان له، قال عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، حازم المنوفي، إن هناك خطة ممنهجة لتعطيش السوق بتقليل كميات السكر المطروحة بالأسواق، متهما مصانع الحلويات والمربى بتخزين كميات كبيرة أثرت على المعروض، محذرا من تأثير الأزمة على المصريين خاصة مع اقتراب مولد النبي.
إنتاج مصر من السكر يبلغ 2.8 مليون طن سنويا، بينما يفوق الاستهلاك المحلي 3.2 مليون طن، وهو ما يمثل فجوة بين الإنتاج والاستهلاك تبلغ نحو 400 ألف طن سنويا، يقوم باستيرادها القطاع الخاص.
اظهار أخبار متعلقة
"نقص الدواء"
وكشف المركز المصري لحماية الحق في الدواء (ابن سينا) عن نقص كبير في سوق الدواء المصرية، سواء المصنع محليا أو المستورد، محذرا من تبعات الأزمة.
المدير التنفيذي للمركز الدكتور محمود فؤاد، قال عبر "فيسبوك"، السبت الماضي، إن نقص المستلزمات الطبية صار أمر خطير، مخاطبا وزارة الصحة بأنه لا توجد "صمامات قلب"، وأن "المرضي عليهم الانتظار شهورا، حتى بالمستشفيات الخاصة المتعاقدة"، مؤكدا أيضا أنه لا توجد "رئات اصطناعية".
والخميس الماضي، كشف فؤاد، عن وجود نقص بأدوية منع الحمل، قائلا: "أول مرة أشوف حكومة بتعمل المستحيل لزيادة عدد المواليد خاصة بوجود نقص لأدوية منع الحمل".
وفي 23 تموز/ يوليو الماضي، كتب تحت عنوان "ضربة لمرضى السكر"، مؤكدا أن "قلم (ساكسيندا) زاد سعره من 876 جنيها إلى 1314 جنيها"، معلنا أنه مع الارتفاع الكبير فإنه غير متوفر.
وفي 18 تموز/ يوليو الماضي، قال إن "كل أدوية العلاج الموجه أو أدوية الأورام أو أدوية الهرمونات أو الأمراض المناعية غير موجودة في الوحدات الحكومية".
وتساءل فؤاد: "هل هيئة الدواء المصرية –تشكلت عام 2019- لديها الشجاعة الكاملة، والاحترام لمجلس الوزراء التابعة له، والتقدير للشعب، وتعلن عن (قوائم نقص) الدواء"، مؤكدا أنه "إجراء كان يتم في مصر حتى تأسست الهيئة".
"مخاوف التعويم"
ويشكو العديد من المصنعين وجود نقص في المواد الخام وقطع الغيار بشكل مثير للمخاوف على صناعاتهم، فيما قل المعروض من السلع والمنتجات المصنعة من المتاجر، وذلك بفعل أزمة قلة المعروض من الدولار أو ندرة العملات الصعبة.
عاملون في شركة الإسكندرية لتجارة الأجهزة الكهربائية، أكدوا لـ"عربي21"، أن "هناك تراجعا في المعروض من كافة الأجهزة، وأن القائمين على التجارة بأرجاء البلاد لا يرغبون في البيع، ويفضلون التريث فيه وعدم عرض كل ما لديهم".
وأوضحوا أن تلك الحالة تأتي "تحسبا لقرار حكومي منتظر بتعويم الجنيه مجددا، ما يعني مضاعفة أثمان المخزن لديهم من بضائع وأجهزة ومستلزمات وزيادة مكاسبهم".
وأكدوا أن "المصانع والموردين متريثون في عرض بضائعهم، وأن شركة توشيبا العربي، قررت الثلاثاء، مع بداية آب/ أغسطس الجاري، تقديم قوائم جديدة بالأسعار"، موضحين أن "باقي الشركات سوف تحذو حذوها".
اظهار أخبار متعلقة
"عجز الغاز"
وتتحدث الحكومة المصرية عن عجز في الغاز والوقود أدى إلى أزمة تشغيل بمحطات الكهرباء في مصر، ما دفع الحكومة لقطع التيار الكهربائي عن جميع محافظات الجمهورية منذ تموز/ يوليو الماضي، لتخفيف الأحمال وتقليل الاستهلاك.
نائب رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا الدكتور صلاح حافظ، قال إن مشكلة انقطاع الكهرباء تعود إلى العجز في الغاز والمازوت، مضيفا لـ"منصة الطاقة"، أنه كان بالإمكان تعويض نقص إنتاج حقل ظهر من الغاز باستيراد المازوت، إلا أنه يصعب تحقيق ذلك مع نقص الدولار وعجز ميزانية الدولة.
"أزمة الأرز"
وتعاني السوق المصرية من نقص شديد في سلعة الأرز على الرغم من وجود فائض في الإنتاج الذي يصل نحو 6 ملايين طن أرز شعير، ما يعادل 3.5 مليون طن أرز أبيض، وهو ما يفيض عن الاستهلاك المحلي البالغ 3.2 مليون طن سنويا، بفائض نحو 300 ألف طن.
لكن، ومع انتهاء حصاد الأرز الذي يبدأ في أيلول/ سبتمبر من كل عام، ويستمر حتى تشرين الأول/ أكتوبر، واجه السوق المصري أزمة كبيرة مع ندرة الأرز وارتفاع سعره في الخريف والشتاء الماضيين والصيف الحالي، فيما عجز قرار وزارة التموين بتسعير الأرز في حل الأزمة، ما دفع الحكومة رغم أزمتها الدولارية إلى الاستيراد الخارجي.
وهي الأزمات التي تدعو للتساؤل حول أسباب تطور الأزمة في مصر من الغلاء إلى نقص المعروض، ودور الحكومة والتجار ومافيا الاستيراد في تفاقمها، ومدى وحجم خطورتها، والتطورات السلبية المحتملة والتي قد تزيد من معاناة المصريين.
اظهار أخبار متعلقة
"أزمة السجائر"
ويشكو المدخنون المصريون من أزمة تراجع المعروض من السجائر المحلية والمستوردة، ما رفع سعر علبة السجائر كليوباترا من 24 جنيها رسميا إلى 55 جنيها مع ندرة وجودها والحصول عليها بصعوبة شديدة وسط طوابير حول أماكن تواجدها.
عضو حزب "الشعب الجمهوري"، عزمي ياسين أكد لـ"عربي21"، أن هناك تراجع كبير في المعروض من السجائر رصده بنفسه، مؤكدا أن "الكثير من المحال التجارية لا توجد بها سجائر محلية أو أجنبية، وأن المعروض يباع بأغلى من ضعف سعره الرسمي".
وأكد أن "سعر علبة السجائر المحلية (كليوباترا سوبر) التي تنتجها الشركة الشرقية للدخان وتمتلك الدولة نصف أسهمها، مسعرة بـ24 جنيها، وتباع بـ55 جنيها في ظل غياب أية رقابة حكومية".
وأوضح أن "بعض الأنواع من المستورد مثل سجائر (LM) كانت تباع رسميا بـ39 جنيها وتباع الآن بنحو 75 جنيها، مع صعوبة شديدة في توفرها هي وباقي الأنواع مثل ميريت ومارلبورو".
وقال سائق التوكتوك أحمد (45 عاما): "اختفت السجائر من كل المحلات، ولا نقدر على سعرها الجديد، ورجعنا لأيام زمان حينما كنا صغارا نشتري السجائر الفرط"، موضحا لـ"عربي21"، أن "سعر السيجارة الفرط وصلت إلى 4 و5 و7 جنيهات لبعض الأنواع".
رئيس شعبة الدخان والمعسل، إبراهيم إمبابي، قال عبر برنامج بفضائية محلية، إن ارتفاع أسعار السجائر أصبح شيئا خارجا عن السيطرة، لافتا أن ما يحدث بسوق السجائر يعد "تهريجا"، موضحا أن الحكومة التي حصلت نحو 81 مليار جنيه العام المالي الماضي كضرائب على السجائر هي السبب الرئيسي.
"اختلال التوازن"
وفي قراءته، قال الخبير الاقتصادي والباحث المصري الدكتور أحمد البهائي: "من يقرأ معدلات التضخم، ويتابع حركة مستوى تغير الأسعار بالأسواق، يعلم أن معدلات التضخم الحقيقية أعلى من المعلنة، ودليل ذلك أن القوة الشرائية للدخول بتآكل مستمر".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "من الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة منذ زمن، تجاهلها عن عمد التطرق للفجوة التضخمية وقياسها عند الإعلان عن معدلات التضخم، فالأرقام غير الدقيقة المقدمة عن معدلات التضخم، تعمق من الفجوة التضخمية وبالتالي تزيد من الضغوط التضخمية".
وأوضح أنه "كلما زاد اختلال التوازن بين الطب الكلي على السلع والخدمات عن الكميات المعروضة منها وعدم إظهار النسب الحقيقية لهذا الاختلال، زاد عمق الفجوة التضخمية، إلى أن تصل مرونة الجهاز الإنتاجي للدولة للصفر، وانعدام القدرة على الاستجابة للتغير في حجم الطلب".
ولفت البهائي، إلى أن "هذه هي الطبقة الأخيرة من عمق الفجوة التضخمية، أي أن اقتصاد الدولة وصل لمرحلة التشغيل الكامل ولم يعد في الاقتصاد طاقات إنتاجية عاطلة يمكن استخدامها، وهذا ما حدث، نتيجة تجاهل القياس الحقيقي للفجوة التضخمية".
وقال إنه "عند القياس الحقيقي لكل من معدلات التضخم والفجوة التضخمية، تجد تطابقا بين الأرقام، ما يشير إلى أن معدل الزيادة في عمق الفجوة التضخمية مماثل تماما لمعدل اتساع قطر الفجوة التضخمية".
ويرى أنه "هنا تكمن الخطورة المتمثلة في الارتفاعات المتوالية بمستويات الأسعار المحلية، وتدهورا بالقوة الشرائية للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي حدوث تدهور بمستوى معيشة الأفراد واحتدام التمايز بين شرائح المجتمع، وانخفاض حجم المدخرات المحلية، وخروج الاستثمارات".
وتابع: "ارتفاع العجز السنوي بالموازنة العامة واعتماد الحكومة على تمويل العجز من مصادر تضخمية غير حقيقية بالتوسع في الاقتراض الحكومي من الداخل والخارج، وتفاقم عجز ميزان المدفوعات نتيجة ارتفاع قيمة الواردات وانخفاض حصيلة الصادرات، نظرا لانخفاض القدرة التنافسية للصادرات المصرية بالسوق الدولية".
ويرى الخبير المصري، أن "الحالة التضخمية المصرية تعدت التضخم العادي والتضخم المكبوت، لتصبح تضخما مزمنا، والدليل أن حالة التضخم تجاوزت الست سنوات وأسعار السلع والخدمات تواصل ارتفاعها، والقوة الشرائية للعملة النقدية بانخفاض مستمر".
وأوضح أن "زيادة الأسعار تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة متسارعة، وتزداد المشكلة تفاقما مع ثبات الأجور، ويكون المتضرر من جراء ذلك أصحاب الدخول الثابتة ومحدودي الدخل وأصحاب المعاشات، لأنهم سوف يشترون بدخلهم سلعا وخدمات أقل، ما يوصلنا للتضخم الجامح أو المدمر وهذا ما نخشاه".
وأشار البهائي، إلى ضرورة "علاج الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها بنيان الاقتصاد، وعلى رأسها الاختلال الداخلي الناجم عن زيادة حجم السيولة المحلية، وارتفاع نسبة النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي إلى إجمالي السيولة المحلية".
ولفت إلى أن "الزيادة بكمية النقود في الاقتصاد بنسبة تفوق الزيادة في الناتج المحلي الحقيقي تؤدي لارتفاع بمستويات الأسعار المحلية، وذلك نتيجة لاختلال علاقة التوازن بين تيار الإنفاق النقدي والتيار السلعي، ما يؤدي لفائض طلب نتيجة الزيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات بنسبة تفـوق مقـدرة العرض الحقيقي منها، ما يدفع بالأسعار نحو الارتفاع".