يبدو أن شهر العسل قد انقضى بين
السعودية
والإمارات، إثر انتفاء ما جمعهم خلال السنوات الماضية، من تنسيق إقليمي كان رأس
حربته في حصار قطر والضغط عليها، أو في حرب اليمن، حيث بدت المصالح السعودية ـ
الإماراتية تتباين مع إصرار دبي على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وتفتيت اليمن،
وتجاهل شرعية الرئيس منصور هادي والذي يبدو أن السعودية لا تزال تراهن عليه.
بالإضافة إلى عداء الإمارات المزمن مع "الإصلاح"
اليمني، وبشكل بنيوي وهو أمرٌ لا تشاطره الرياض بشكل استراتيجي، وإنما عداءها مصلحي تكتيكي بخلاف الإمارات، الذي تنظر إلى عدائها
مع التيار الإسلامي كعداء بنيوي وأساسي وجوهري وأشد قسوة وشدة.
إشارات تفجر الخلاف بينهما أتت مما نشرته
صحيفة "الوول ستريت جورنال" نقلاً عن صحافيين سعوديين التقوا ولي العهد
محمد بن سلمان، والذي أبلغهم بأن الإمارات وجهت طعنة في ظهر السعودية، وهدد ابن
سلمان بأنه قادر على محاصرة الإمارات بنفس الطريقة التي حاصر بها قطر، وهو الأمر
الذي دفع المسؤولين الإماراتيين إلى التخفيف من وقع هذه التصريحات، لكن هذا لم
يدفع المسؤولين السعوديين إلى التراجع أو التجاوب مع التهدئة الإماراتية، وهم
الذين يرون تصعيداً، إن لم يكن حرباً ضدهم على الساحات السياسية والاقتصادية.
التنافس أو الصراع الإماراتي ـ السعودي ربما كان سبباً للتقارب مع تركيا، واستقواء كل واحد منهما بها، لاسيما مع صفقات المسيرات التركية التي اشتراها البلدان، مشفوعاً بحجم استثمارات اقتصادية ضخمة
فعلى الصعيد الاقتصادي، وكما لا يخفى فإن
شرعية محمد بن سلمان قائمة اليوم على رؤية 2030 الاقتصادية التي طرحها، وهي ما
تتناقض بشكل كامل مع المصالح الاقتصادية الإماراتية التي ترى نفسها ملاذاً
سياحياً، ووكيلاً للشركات العالمية في المنطقة، لتأتي الرياض اليوم وتطالب كل
الشركات التي مقرها دبي بالتحرك إلى الرياض مع نهاية عام 2024، وإلاّ فإنها لن
تتعامل معها في العقود المقبلة، ومعروف حجم العقود الضخمة التي توقعها الرياض
مقارنة بحجم العقود الإماراتية مع نفس الشركات، مع إغراء هذه الشركات ببعض
التسهيلات، ولا يخفى أن مثل هذا التحرك السعودي، سيهدد اقتصاد الإمارات القائم
بالأصل على التنوع، وعلى أنه اقتصاد خدمات للشركات في المنطقة، ولا يستبعد البعض
أن تتصاعد المواجهة في حال حصول انسحاب اشركات العالمية إلى الرياض، بحيث تفرض دبي
عقوبات على الطيران السعودي بالهبوط في أراضيها، أو للسفن السعودية بالرسوّ في
موانئها.
هذا النزاع امتدّ إلى السودان، حيث من
المعروف أن الرياض أقرب إلى الرئاسة السودانية الشرعية ممثلة بالرئيس عبد الفتاح
البرهان، بينما الإمارات الأقرب إلى قائد التمرد وزعيم مليشيات التدخل السريع
حميدتي، ومحلّ التنافس بينهما هو في حجم الأراضي السودانية التي تستثمر فيهما
الدولتان من أجل أمنهما الغذائي، وتحرص السعودية على القيام دور الوسيط بين
الطرفين السودانيين، وهو ما لايعجب القيادة الإمارتية التي ترى دعم حميدتي في حربه
مع البرهان للنهاية.
التنافس أو الصراع الإماراتي ـ السعودي ربما
كان سبباً للتقارب مع تركيا، واستقواء كل واحد منهما بها، لاسيما مع صفقات
المسيرات التركية التي اشتراها البلدان، مشفوعاً بحجم استثمارات اقتصادية ضخمة،
وهو ما قد يعني أن كلا الطرفين يرغبان في الاستثمار بالإمكانيات والقدرات والمكانة
التركية، بعد أن تراجعا في الاعتماد على مصر السيسي التي عوّلوا عليها كثيراً في
بداية الحصار على قطر، ليثبت لاحقاً أنها ليست بالدولة التي يمكن التعويل عليها في
ظل حكم السيسي، فكان التوجه تركياً على ما يبدو.