حذر مرصد رقابة
التونسي من خطورة تدهور المنظومة التشريعية لمكافحة
الفساد في تونس بعد التغيير السياسي الحاصل في 25 تموز (يوليو) 2021، ودعا الحكومة
التونسية إلى تطبيق وتطوير وإنفاذ القوانين القائمة في ما يتعلق بمكافحة الفساد..
وأوصى مرصد رقابة في
تقرير له أصدره في الذكرى السنوية لعيد
الجمهورية في تونس، والذي يتزامن مع تاريخ انفراد قيس سعيد بالسلطة، الجهات
الرسمية التونسية بإلغاء أي تشريعات أو قرارات تتناقض مع التزامات الدولة التونسية
بموجب الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الفساد، بما في ذلك القرارات التي
استهدفت استقلالية القضاء وتلك التي شملت تجميد قوانين ومؤسسات الرقابة ومحاربة
الفساد.
ووجه التقرير، الذي توصلت
"عربي21" بنسخة منه، توصيات
إلى صاحب القرار بالتسريع في إحداث المحكمة الدستورية، وهيئة مستقلة لمكافحة
الفساد، وقانون جديد للطوارئ ينسجم مع المعايير الدولية، مع توفير كل شروط
الاستقلالية والتأمين والنجاعة لعمل القطب القضائي الاقتصادي والمالي، وكل ضمانات
حرية التنظم والرقابة لمنظمات المجمتع المدني.
وحثّ التقرير المؤسسات الدولية المعنية على تعزيز التعاون مع
المجتمع المدني التونسي الذي يراقب الدولة ويحارب الفساد وينشر ثقافة الحوكمة
ويدافع عن ضرورة احترام تعهدات البلاد بموجب الاتفاقيات الدولية المنطلقة من
المبادئ الانسانية المشتركة.
وأشار التقرير إلى أن انتشار الفساد كان من أهم أسباب اندلاع ثورة
الحرية والكرامة في تونس في كانون أول/ ديسمبر 2010، حيث هيمنت مافيات العائلة
الحاكمة والمقربين منها من كبار المسؤولين، سواء في الحزب الحاكم أو في الدولة،
على الآقتصاد الوطني، مطوعة قوانين البلاد وتشريعاتها لحماية مصالحها من المنافسة
ومن المحاسبة.
وقال: "كان من الطبيعي أن تتجه أولوية التونسيين أثناء المرحلة
الانتقالية التي تلت الثورة إلى التحقيق في ملفات فساد النظام المخلوع ومحاسبة
المرتبطين به ومصادرة أملاكهم والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة".
وأضاف: "كما كان من الطبيعي أن يحرص الفاعلون في تلك المرحلة
على تركيز المراسيم والقوانين والمؤسسات الكفيلة بالتصدي لذلك الوباء الذي خرب
اقتصاد التونسيين وسرق مقدراتهم تاركا إياهم في وضع صعب بدولة ضعيفة الموارد عاجزة
عن خلق الثروة وتشغيل الشباب وبخدمات متردية وحوكمة منهارة".
وأشار إلى أنه "حصل وفاق سياسي وشعبي واسع لتضمين دستور 27 كانون
ثاني/ يناير 2014 جملة من المبادئ الرائدة المتعلقة بعلوية القانون والفصل بين
السلط وحياد الادارة والديمقراطية والحقوق والتشاركية والحوكمة الرشيدة ومكافحة
الفساد وغيرها من المبادئ المنبثقة أساسا من الاتفاقيات الدولية، كما تضمن الدستور
عددا من الهيئات الدستورية المستقلة بصلاحيات حقيقية كبرى في سابقة غير معهودة في
إفريقيا والعالم العربي".
وذكر أنه "تم خلال السنوات الأربع التي تلت إصدار الدستور بناء
منظومة تشريعية في مجال محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة متطورة
ومنسجمة مع أعلى المعايير الدولية وفيها تحقيق لأغلب التزامات تونس المترتبة عن
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وغيرها من التعهدات الدولية. حيث أصبح لتونس
قوانين متعلقة بحرية الولوج إلى المعلومة، وحماية المبلغين عن الفساد، ومنع غسيل
الأموال، والشفافية في المؤسسات وغيرها.. بالاضافة إلى قوانين لإحداث قطب قضائي
متخصص في قضايا الفساد، وهيئة دستورية للحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد وغيرها
المكاسب الحقيقية في هذا المجال".
وأعرب عن أسفه لأن "التطور التشريعي النوعي والسريع لم ترافقه
إرادة سياسية من طرف الحكومات المتعاقبة في تحويل شعارات محاربة الفساد إلى واقع،
وفي تطهير مناخات الأعمال والتصدي للوبيات المصلحة والفساد التي استفادت من الفوضى
السياسية للفترة الانتقالية من أجل تعزيز نفوذها وهيمنتها على الاقتصاد والإعلام
والسياسة وأجهزة الدولة".
وأكد أن ذلك "خلق احتقانا شعبيا متزايدا وشعورا متعاظما بأن
الفساد زادت حدته عن مستوى ما قبل الثورة وأزمة ثقة كبرى في السياسيين من مسؤولين
حكوميين وبرلمانيين وفاعلين حزبيين. ووفرت تلك العوامل مناخا ملائما لرئيس
الجمهورية للقيام بانقلاب دستوري ألغى فيه تدريجيا البرلمان المنتخب، وجمد فيه
دستور 2014 المعتمد باجماع وطني كبير، وركز بموجبه كل السلطات والصلاحيات بين يديه.".
ويعرّف مرصد رقابة، نفسه بأنه جمعية تنتمي إلى المجتمع المدني وتحاول
القيام بدورها في ممارسة رقابة مواطنية متواصلة على السلطة التنفيذية وباقي مؤسسات
الدولة تكريسا لمبادئ المساءلة والمحاسبة والشفافية، في ظل التضييق على عملها
والاستهداف المتواصل على بعض أفرادها بالمحاكمات والتتبعات، تصدر هذا التقرير المفصل
لدق ناقوس الخطر ولفت أنظار التونسيين لهذا التراجع الخطير في منظومة محاربة
الفساد في تناقض مع الشعارات الرسمية الرنانة في هذا الصدد.
وأول أمس الثلاثاء مرت الذكرى السنوية لعيد قيام الجمهورية في تونس،
بشكل باهت، فبينما اختار المعارضون التظاهر في شارع بورقيبة بالعاصمة ودعوا إلى
التعجيل بالعودة إلى المسار الديمقراطي، فقد اختار الرئيس قيس سعيد التواصل مساء مع
جزء من الشعب التونسي بشكل مباشر والتأكيد على أنه لن يتراجع خطوة واحدة إلى
الوراء.